لجنة إزالة التمكين.. احتدام الصراع وبروز التساؤلات حول المصير
الخرطوم: أم سلمة العشا
أثارت تصريحات عضو لجنة إزالة التمكين د. صلاح مناع، بشأن إطلاق سراح رجل الأعمال التركي أوكتاي وحرم الرئيس المخلوع وداد بابكر، بناء على توجيهات صدرت من رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان للنائب العام تاج السر الحبر، ردة فعل كبيرة داخل اللجنة، وما يؤكد ذلك استقالة رئيس اللجنة الفريق ركن ياسر العطا، وهو ما اعتبره محللون مؤشراً للمطالبة بحل اللجنة عقب ما أسفرت عنه تلك التصريحات.
نشأة اللجنة
أنشئت لجنة أزالة التمكين ومحاربة الفساد وتفكيك نظام 30 يونيو 1989م، بموجب قانون خاص شُرع لتبسط الدولة أياديها على الأموال المنهوبة والتي آلت لرموز وواجهات النظام البائد، سمي بقانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة التمكين لسنة 2019، ونشطت اللجنة في تتبع آثار حزب المؤتمر الوطني المحلول والنظام المخلوع، ودخلت عُش الدبابير بعد أن سَاندتها حكومة الفترة الانتقالية ومُكوِّناتها لدرجة أن قانونها تم تعديله لمنحها صلاحيات أوسع بعد أن أثبتت الممارسة حاجة ماسّة لسد ثغرات وضحت في جسم القانون.
وواجهت اللجنة منذ بدايتها مُعارضة خاصة من أنصار النظام البائد، واثبتت وفق المستندات تورط قيادات ومنسوبين للنظام البائد في الاستيلاء على أموال وأملاك ضخمة، وبدأت تكشف عن خفايا مُمتلكات رموز النظام المخلوع ومؤسساته، ما دفع لمُساندتها جماهيرياً، وعملت اللجنة على إعلان ما توصلت إليه عبر مؤتمر صحفي يبث على الهواء مباشرة بغرض تمليك الشعب السوداني الحقائق.
وتصاعدت الحملات ضد عمل لجنة إزالة التمكين من قبل أنصار وحلفاء النظام المقتلع، غير أن اللجنة لم تلق لتلك الحملات بالا واستمرت في كشف وإعلان ضبط المزيد من الأموال المنهوبة والأراضي والعقارات المملوكة لرموز وقيادات النظام البائد، واثار تفنيد الخبير القانوني نبيل أديب، عبر مقالٍ شاملٍ، ردة فعل كبيرة ووجد ردودا من قانونيين كثر اتفق بعضهم مع أديب واختلف معه آخرون، حيث فند اديب في مقاله ما تقوم به اللجنةمن نزع للممتلكات واعتبره غير قانوني، واعتبره عملا صحيحاً يتم بطريقة غير قانونية، ورأى أن ما تقوم به اللجنة من عمل ليس صحيحاً ولا مِن اختصاصاتها، وأنّ القرارات التي تتّخذها لجنة إزالة التمكين في ما يتعلق باسترداد الأموال تُعتبر مُخالفة للدستور، على اعتبار أن مُصادرة أموال مملوكة لشخص وتحويلها إلى الدولة هو من شأن السُّلطة القضائية.
وقال أديب إن قانون اللجنة لم يضع معنىً مقصوداً لكلمة استرداد، وأوضح أن (استرداد) تفسّر وفق تفسيرها اللغوي الذي يعني استعادة الشيء الذي خرج لأي سببٍ من الأسباب عن حيازة شخصٍ ما، إلى ذلك الشخص. وخروج الشيء عن حيازة الشخص يمكن أن يتم برضاء الشخص، أو بحكم القانون، أو بعمل غير مشروعٍ. وكلمة (استرداد) تشمل من حيث المعنى عودة الشيء إلى تلك الحيازة، بغض النظر عن سَبَب خُرُوجه عنها في المقام الأول، متسائلاً عن كل الممتلكات المنزوعة (هل كانت مملوكة للدولة)؟. في المقابل جاء رد الخبير القانوني سيف الدولة حمدنا الله، أن الأموال التي تم الحصول على ملكيتها بواسطة أي من أعمال التمكين الواردة في قانون إزالة التمكين، هي أموال تم الحصول عليها بطريق غير مشروع، وبالتالي فإن التصرفات التي أنتجته هي تصرفات غير مشروعة. ولكن عدم المشروعية قد وقع بفعل هو في ظاهره صحيح مما يستلزم أن يتم الكشف عن عدم مشروعيته بحكم قضائي، لأن جهة الإدارة لا تملك أن تقرر بإرادتها الذاتية عدم مشروعية ذلك التصرف.
تحديات
وتعرضت لجنة إزالة التمكين ومُحاربة الفساد للعديد من التحديات وضربتها الخلافات الداخلية، وبرزت بشكل واضح عن الحديث عن اتجاهها لتصفية الخصومات، وتطورت إلى أبعد من ذلك، عقب حديث أعضاء اللجنة عن وجود مجموعات ملثمة تحيط بمنازلهم وتشعرهم بعدم الأمان، بحسب ما أكده عضو اللجنة وجدي صالح، عبر تغريدة على حسابه في تويتر.
ويري البعض أن عضو لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال العامة صلاح مناع، يواجه حرباً من خلال القضية التي رفعتها ضده شركة زين للاتصالات، والتي أعقبها بتصريحٍ له بأنه ذهب للنيابة للتحري معه وخرج بعد ربع ساعة، في وقتٍ كانت لجنة التمكين تقبض وفق قانونها متهمين وتبقيهم في الحراسات وتتأخّر النيابة في إصدار الضمانة لهم.
معلومات مؤكدة
ومما يستند عليه البعض بأن اللجنة تواجه حرباً ما قاله مناع بأن معلومات مؤكدة وردت إليه تفيد بإصدار النائب العام تاج السر الحبر، توجيهات بتدوين بلاغ في مواجهته وأضاف مناع في تغريده على حسابه في تويتر (وردتني معلومات مؤكدة بأن النائب العام اصدر توجيهاته بفتح بلاغ في مواجهتي سأتوجه للنيابة للمثول أمامها، ولو تحلى النائب العام في أدائه بذات همته في هذا البلاغ، لما اشتكينا من تأخر العدالة.
اعتبر محللون أن ما أثاره مناع هو بمثابة نهاية له، خاصة وأن تصريحاته الأخيرة التي أعلنها صراحة بأن إطلاق سراح أوكتاي التركي، وحرم الرئيس المخلوع وداد بابكر، كان بتوجيهات من رئيس مجلس السيادة، بجانب الهجوم الذي شنه مناع على النائب العام بأنه قام بتنفيذ توجيهات رئيس مجلس السيادة، وذكر مناع أن رجل الأعمال التركي أوكتاي شعبان حسني، دخل السودان ترزياً وخرج مليارديراً، وأوضح أنه خرج وهو يُواجه بلاغات بمُخالفات مالية بأكثر من مليار دولار.
ورأى البعض أن اللجنة تواجه صراعات داخلية، واستندوا على أن تصريحات مناع أعقبها رئيس لجنة ازالة التمكين الفريق الركن ياسر العطا على الفور بتقديم استقالته عن اللجنة بمبرر أنه سيتفرغ للعمل في ملفات أخرى اكثر أهمية.
ويرى مراقبون أن الأحداث مرتبطة ببعضها البعض، وأن الأحداث المتواترة تدلل على أن اللجنة قد شارفت على نهاياتها واغلاق ملفها وفقاً لمطالبة دفع بها النائب العام بحلها تماما، كل ذلك يبرهن على وجود أزمة بين اللجنة (المدنيين فيها) ومجلس السيادة عقب تصريحات مناع الأخيرة، وفتح بلاغات في مواجهته.
موقف ثابت
وأكد الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن، ل(مدنية نيوز) أمس، أن موقف الهيئة واضح وثابت ومعلن بأن الوثيقة الدستورية وما صدر عنها أو تأسس عليها من تدابير لن يصلح للتأسيس السليم، وقال: يشمل ويندرج في الوصف كل المؤسسات المنشأة بموجب أحكام الوثيقة الدستورية، بما في ذلك ما تسمى بلجنة التفكيك.
وأوضح الأمين العام للهيئة أنه فيما يتعلق باستقالة رئيس اللجنة الفريق ركن ياسر العطا، فإن الإستقالة من الوظائف العامة وإن كان المستقيل هو في المنصب الأول فيها فهو لا يؤثر على الوظيفة العامة أو مهامها، وإن كانت لجنة.
وأضاف: هذا بصورة عامة، ولكن في واقع ما يحدث حالياً من تجاذب بلجنة إزالة التمكين هناك إشارات توحي بأن استقالة العطا قد تتبعها ترتيبات من المكون العسكري بمجلس السيادة، وبالتالي تظل كل الإحتمالات واردة.