الشعبية والاتحادي.. ذكريات اتفاقية الميرغني قرنق
الخرطوم: مدنية نيوز
نجحت الحركة الشعبية شمال في فهما الصحيح والواضح للتحولات العميقة في البنية الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية على مستوى الفرد والمجتمع عقب ثورة ديسمبر الظافرة حيث انخرطت الشعبية في توقيع بيانات مشتركة مع عدد من القوى السياسية والتنظيمات المهنية والنسوية والأجسام المطلبية وأكدت تلك البيانات المشاركة على ضرورة تحقيق السلام الشامل من جذوره والعمل على نبذ خطاب الكراهية والعنصرية ونشر ثقافة السلام مقابل المشروع العنصري الفاشل للنظام البائد.
ومؤخرا احتضنت عاصمة دولة جنوب السودان اجتماعات موسعة ضمت الحركة الشعبية شمال والحزب الاتحادي الديمقراطي الذي قاد قبل انقلاب النظام المدحور في التوصل لاتفاقية الميرغني قرنق الموقعة في أديس أبابا وكان هذا الاتفاق من شأنه أن ينهي نزيف الدم السوداني، ويعتبر سببا في نهضة البلاد، والعمل على وحدة التراب، وتم التوصل للاتفاقية قبل أقل من سبعة أشهر سبقت إنقلاب الجبهة الإسلامية بقيادة الترابي، الذي علق على الاتفاقية بقوله :” ما كنت أريد أن أحيا حتى أرى شيخا من شيوخ الإسلامي يقع في أحضان كافر علماني ملحد”.. وهي ربما كانت إشارة تنذر بالانقلاب الذي حدث، خاصة وأن الاتفاقية نصت على إلقاء سبتمبر التي جاء بها النميري مشيرا إلى تمثل الشريعة الإسلامية، فقط ليحافظ على سلطته وسطوته.
هذه المقدمة كانت ضرورية لتوضيح روح العلاقة التاريخية بين الاتحادي والشعبية للدخول في البيان المُشترك حول اللقاء السِّياسي بين الجانبين الخميس الماضي بعاصمة حنوب السودان جوبا حاضنة السلام السواداني وراعيته.
حيث التقى وفد الحزب الإتحادي الدِّيمقراطي الأصل برئاسة جعفر الميرغني – مع وفد الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال برئاسة عبد العزيز آدم الحلو بجوبا – عاصمة جنوب السودان في الفترة من: 30 مارس – 1 أبريل 2021. وجاء اللقاء امتداداً للقاء السابق الذي جرى بين الطرفين في القاهرة والذي تم فيه التوقيع على الإعلان السياسي المُشترك (إعلان دعم قضايا السلام والوحدة الطوعية) بتاريخ 29 يناير 2020.
أكَّد الطرفان على أهمية مواصلة النهج التاريخي الذي إنتهجه الطرفين لمُعالجة قضايا البلاد منذ العام 1988 بمُبادرة السلام السُّودانية، كما ناقش الطرفان العديد من القضايا الوطنية وقضايا السلام والتحوُّل الدِّيمقراطي في البلاد وكيفية الإنتقال إلى رحاب الدِّيمقراطية والحكم الراشد في إطار وطن يسع الجميع.
اتفق الطرفان على عدة نقاط، غالبيتها تعبر عن جوهر الأزمة السودانية منذ الاستقلال وحتى كتابة هذه السطور، ومن أبرز ما تم الاتفاق عليه ما يلي:
يرى الجانبان أن السلام الشامل والعادل يجب أن يٌخاطب جذور المشكلة السُّودانية وهذا يتطلَّب إرادة سياسية وروح وطنية، وتقديم التنازلات لمصلحة الوطن وتحقيق الوحدة والإستقرار.
وأكد الاتحادي على دعم اتفاق إعلان المبادىء الموقَّع بين الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال وحكومة الفترة الإنتقالية لجمهورية السُّودان بتاريخ 28 مارس 2021 والذي قضى بقيام دولة مدنية ديمقراطية في السُّودان تضمن حرية الدِّين والمُمارسات الدِّينية والعبادة لكل الشعب السُّوداني وذلك بفصل الهويات الثقافية والإثنية والجهوية والدِّين عن الدَّولة، وأن لا تفرض الدولة ديناً على أي شخص ولا تتبنى ديناً رسمياً. وتكون الدَّولة غير مُنحازة فيما يخص الشئون الدِّينية وشئون المعتقد والضمير. كما تكفل الدَّولة وتحمي حرية الدِّين والمُمارسات الدينية، على أن تضمن هذه المبادىء في الدَّستور الدائم.
كما أقر الاتفاق مبجأ لامركزية الدَّولة، والتأمين على أهمية مُشاركة المواطنين وحقَّهم في الإدارة والإستفادة من مواردهم في مستويات الحكم المُختلفة دون تمييز. ومُعالجة الفوارق النوعية، مع مُراعاة التمييز الإيجابي لمناطق الحرب والتهميش والبعد عن المركز والإحتفاظ بنسبة عادلة للأقاليم من الثروات القومية التي تنتجها.
ومن أكثر الجوانب أهمية هو مبدأ الفصل بين السُلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتحقيق العدالة وترسيخها وتوطيد التعافي المُجتمعي وجبر الضرر ورد المظالم ومُحاسبة الجُناة عبر العدالة الإنتقالية، حيث تم تأكيد ذلك من قبل الطرفين.
التأكيد على مهنية القوات المُسلَّحة السُّودانية والقوات النظامية الأخرى وإعادة بنائها وهيكلتها بعقيدة قتالية جديدة بما يعكس التنوُّع الإقليمي والإثني والثقافي والدَّيني والنوعي، ويكون مُهمَّتها الرئيسية حماية البلاد والدَّستور.
هذه البيان السياسي المشترك بين الحلو والميرغني يعيد القراء بالذاكرة إلى اتفاقية أديس أبابا 1988م، وإن اختلف الزمان والمكان والشخوص لكن تبقى الإرادة هي نفسها.. غير أن الاختلاف هنا يتمثل في الإرادة السياسية والأجواء العامية حيث التناغم وانسجام المواقف بين أركان السلطة الانتقالية المتمثلة في مجلسي السيادة والوزراء حيث وقع رئيسا المجلسين على اتفاق المبادئ مع الحركة الشعبية بدعم شعبي وسياسي، عكس ما حدث في 1988م حيث المكايدات السياسية وغياب الروح الوطنية التي تنشد السلام والاستقرار.
ولعل مطالبة الحلو في تصريحاته عقب توقيع الإعلان مع الرئيس البرهان من المفاوضين بضرورة وضع الوطن نصب العيون، والسمو على حظوظ النفس، لهو دليل كبير على اختلاف سياق ما يحدث الآن وما حدث في الماضي، وفي المساحة التالية نورد نص اتفاقية أديس أبابا 1988 بين الاتحادي والشعبية.
اتفاقية الميرغني – قرنق نوفمبر 1988م
انطلاقا من فهمنا لكل معاناة جماهير شعبنا السوداني الصبور والتواق للسلام وإيمانا بوحدة البلاد شعبا وترابا ورفضا لكل السياسات البالية التي ترمي الى تصعيد الحرب والدمار والشقاء بكل أشكالها والتي ستؤدي إلى تفريق وحدة الصف, وإيمانا منا بضرورة العمل المتواصل لإثراء وتكريس الحياة الديمقراطية في ربوع السودان الحبيب واقتناعا تاما بين الطرفين بإعلان السلام الحقيقي في السودان لا يمكن تأطيره في مشكلة الجنوب بل لابد من النظر إليه على أساس أن مشاكلنا قومية الأصل وعليه لا يمكن حلها إلا عن طريق الحوار الجاد الواضح والمتواصل بين كافة القوى السياسية السودانية على أساس المساواة في المؤتمر القومي الدستوري المرتقب. فإن الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان والحزب الاتحادي الديمقراطي بعد حوار وطني صريح ومخلص توصلا في هذا المنعطف الخطير في مسيرة بلادنا إلى إبرام هذا الاتفاق وإعلانه الى جماهير شعبنا السوداني كافة.
أ- بما أن قيام المؤتمر القومي الدستوري ضرورة قومية ملحة توجب على كافة القوى السياسية السودانية العمل الدءوب والمخلص لتهيئة المناخ الملائم لقيام المؤتمر توصل الطرفان إلى الاقتناع بأن العوامل الأساسية والضرورية لتهيئة المناخ الملائم هي:
1- بما إن الموقف الثابت للحركة هو إلغاء قوانين سبتمبر 1983م واستبدالها بقوانين 1974م إلا إنها وفي هذه المرحلة وانطلاقا من حرصها على قيام المؤتمر القومي الدستوري توافق على تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة المضمنة في قوانين سبتمبر 1983م وإن لا تصدر أية قوانين تحتوي على مثل تلك المواد وذلك إلى حين قيام المؤتمر القومي الدستوري للفصل في مسالة القوانين.
2- إلغاء كل الاتفاقيات العسكرية المبرمة بين السودان والدول الأخرى التي تؤثر على السيادة الوطنية.
3- رفع حالة الطوارئ.
4- وقف إطلاق النار.
ب- تشكيل لجنة تحضيرية قومية لتقوم بالتمهيد والإعداد لانعقاد المؤتمر القومي الدستوري ولوضع مشروع جدول أعماله وتحديد مكانه وإجراءات انعقاده وتعقد اللجنة اجتماعها الأول حال تشكيلها.
ج- اتفق الطرفان على أن يعقد المؤتمر القومي الدستوري في مكان تقرره اللجنة التحضيرية القومية حيث تتوفر كل الضمانات الوارد ذكرها في هذا الاتفاق بما يرضي الأطراف المعنية.
د- اتفق الطرفان على ضرورة انعقاد المؤتمر القومي الدستوري في تاريخ 31/12/1988 م في حالة تنفيذ البنود الوارد ذكرها في هذا الاتفاق بما يرضي الأطراف المعنية.
هـ – يناشد الطرفان كافة القوى السياسية السودانية ضرورة الانضمام الفوري لهذا الجهد الوطني المخلص من أجل السلام واستقرار البلاد.
تم التوقيع على هذا الاتفاق في أديس أبابا في اليوم السادس عشر من شهر نوفمبر 1988م
التوقيعات:
السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي م َالديمقراطي
الدكتور جون قرنق دي مبيور رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان
وقائد عام الجيش الشعبي لتحرير السودان
خاتمة.. من المحرر
نخلص إلى أن العمل المشترك الذي انخرطت فيه الحركة الشعبية شمال وحلفائها خطوة كبيرة ومهمة لكن هناك بعض النواقص حولها ومع اتفاقنا التام
على أن العمل التحالفي الواسع لايولد مكتمل الأركان، وهو نتيجة لعمل متراكم، ولا توجد جهة مخولة بادعاء الحق في تحديد المشروع المطلوب، على نحو ما ترغب، أو أن تفرضه على الآخرين، من دون اختيارهم الطوعى لتقريب وجهات النظر ورأب التصدعات، والحد من الصراعات وتمهيد الطريق لبناء التحالفات. وهنا نشير إلى اجتماعات استضافتها منظمة شركاء التنمية لبعض الأحزاب والتنظيمات وخرجت تلك الاجتماعات بحملة لدعم السلام أطلق عليها جذور وهناك أيضا اجتماع كان الأسبوع الماضي بالمركز العام للحزب الشيوعي لتنفيذ ندوات جماهيرية بالعاصمة والولايات حضر ذلك الاجتماع عدد من القوى السياسية والتنظيمات المهنية والمطلبية ولمعالجة هذه النواقص تبرز أهمية الهندسة السياسية في رسم الخطوط العريضة والعامة التي تمثل بوصلة للعمل السياسي المشترك الذي يعبد الطريق ليكون منهاجا يوفر فرص السير السليم لكل القوى المنخرطة في العمل المشترك مهما كانت مشاربها على قاعدة الحرية والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان وهنا تظهر أهم المشكلات الأساسية التي تنشأ فى مجال العمل السياسى المشترك في مجموعة أسئلة كبرى،تحتاج إلى إجابات لأنه وبالنظر إلى الفترة الزمنية التي تم فيها توقيع تلك البيانات المشتركة لم نرى عمل جماعي موسع وناجح. صحيح أن هناك محاولات بسيطة لعمل جبهوي لكن تلك الخطوة كانت بها أوجه قصور واضحة للعيان ومن بين تلك الأسئلة من هو الذي يتصدر قيادة هذا العمل المشترك؟ ومن يتولى التعبير عنه وقيادته؟ وكيف تتخذ القرارات ، وكيف تصاغ الاستراتيجيات العامة فى هذا التحالف؟ وكيف يمكن الوصول إلى الحد الأدنى من برامج العمل المشترك؟
؟وما هو دور الإعلام في تفعيل آلية التواصل للعمل المشترك؟
ونحن عندما نطرح هذه الأسئلة نهدف إلى تحقيق عمل مشترك فعلي على أرض الواقع لتطوير الواقع، وتغييره إلى الافضل وهذا التطور، والتغيير، لا يتم إلا بتحقيق الأهداف الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.