(مارخدر) .. الأنا والآخر في ثنائية الدين والهوية
الخرطوم: آيات مبارك
شارك الكاتب د. عمر عتيق، بدراسة عن رواية (مارخدر) للكاتب السوداني عمر الصايم، بعنوان: (رؤية نقدية في رواية “مارخدر”)، تلك الرواية التي حاولت عكس التنوع في هيئة وحدوية تحدوها الإنسانية في رمزية «مارخدر» من خلال هذه الشخصية الثنائية المنحوتة لغوياً من اسمي «مارجرجس» و«الخضر». وناقشت عدة قضايا اجتماعية وسياسية محلية وعالمية عبر اتجاهين: تأريخي وواقعي، عبر بعض التقنيات السردية التي وظفها الكاتب لإبراز مشكلة الهوية السودانية وأتت من خلال ثناياها بمعان تقف ضد العنصرية، مع محاولته على التعمق في الـ(أنا) وإعادة اكتشافه عبر التعبير عن كراهية الآخر لكونه مختلفاً في اللون أو الدين وهو ابتداع لشخصية يسعى برمزيته لصنع السلام، بينما الآخرون يصنعون الحرب.
وصدر للروائي السوداني عمر الصايم (العجكو مرة أخرى) مجموعة قصصية والإيقاع الأخير لسيدنا الزغرات وأوان وردة الأبنوس، إضافة إلى رواية أزمنة الصرماتي ومجموعة إيماءات الكون للأنا الشعرية.
ومارخدر رواية الأنا والآخر تم اختيارها ضمن ست روايات أخريات في كتاب (دراسات في الخطاب الروائي العربي المعاصر)، الصادر عن دار (الأيام للنشر والتوزيع) في العراق، هي أسئلة الإنسان في وطنه وحيال وجوده يجري الحكي فيها بأصوات متعددة من خلال 178 صفحة من القطع المتوسط عن دار المصورات بالخرطوم في العام 2016م، ومنذ ذلك الوقت وهي محط اهتمام النقاد والقراء؛ إذ استطاع الكاتب عمر الصايم أن ينسجها ببراعة ويعيد طرح الأسئلة وبناء الشخصيات على نحو جاذب عبر أربعة فصول يجول الكاتب في أزمنة وسيطة ومعاصرة وهي: (حفيف أجنحة الصخور)، (طريق النهر.. أحذيةُ الشوك)، (أحلام على سطح مقبرة جماعية) و(هوامشٌ لمتنٍ غائب)، وتطرح من خلالها أسئلة معرفية ووجودية، تعالج إشكالية الأنا والآخر… كتب النقاد عنها دراسات مهمة ستصدر مجتمعة في كتاب، ومن أهم هذه الدراسات ما كتبه الروائي إبراهيم إسحاق عن شرشحة التاريخ في بنية الرواية وكيف استطاع الكاتب أن يستعيد مفهوم الأفاتار- المُخَلِّص أو المرتجى- للإجابة عن سؤال الهوية من خلال الفين وأربعمائة عام، وحتى الحاضر مرتكزاً فيها على مسارح ثلاث حقب، ويرى أن هناك ثلاثة (أفاتارات) واحد لكل من هذه الحقب، متسائلاً من خلال الدراسة إن كانت الروح واحدة متكررة العودة، أم هي أروح متعددة تتلبس كل مرة أشكالاً مختلفة من الأجساد، ومضى أسحق متسائلاً: (هل ينفد صبر المبدع، أم هو يحسب أن الثنائية العويصة في الهوية لا تنتج إلا بين نصرانية ما بعد مروي).
وأيضاً كتب عنها د. عبد الغفار المادح دراسة جمالية، ولدى معاوية قيلي دراسة عن التداولية في مارخدر، بينما تناولتها الكاتبة والروائية التونسية “فتحية دبش” بعنوان (الأنا والآخر في رواية مارخدر) بأن ذلك التمازج والتزاوج والتوحد بين رجلين أحدهما أبيض والآخر أسود ، وبينهما عصا نورانية هي تلك الهوية الكونية التي يحلم بها طفلان مختلفان مؤتلفان بعيداً عن أعين الكبار الغبية المليئة بإدانة للآخر.
وجاءت دراسة د. عمر عتيق في سياق مدارسة منصة الرواية السودانية.. وهي دراسة عميقة ومعرفية تمكنت من سبر أعماق النص وإعادة تبصره نقدياً.. نشرت ضمن كتاب في نقد الرواية المعاصر صدر ببغداد.
وقال عنها الكاتب عمر أرباب في مقال تحت عنوان رواية مارخدر.. فنتازيا السرد و(العثور على عصا نورانية تربط الجميع)، ووصف العنوان بأنه تلخيص لرؤية كونية وامتزاج أخوي لبناء صرح التسامح الإنساني، فكل الأديان هدفها الإنسان الحي على أسمى جمالاته، فهذا المزج أو السبك للعنوان (مارجرجس- الخضر) يؤكد الهم الإنساني والمتسامح لعيش الحياة برؤية منفتحة تقصي المتطرف وتحتفي بالمتسامح، ولا تختفي رمزية اسم الرواية لكل من يعرف مارجرجس والخضر وما يمثلانه ويؤسطرانه لاتبعاهما وإذا كان لا بد للعمل الأدبي من رسالة عليه إيصالها، ففي رأيي الشخصي –والحديث لعمر أرباب: رسالة هذا العمل تتلخص في هذه الجمل المنتقاة وفي خاتمته: (لو أننا قبلنا ببعض وتجاورنا….. أرأيتم شجرة الدوم تقف وحيدة في غابة من السنط، هل تحتاج الدومة لأن تبدل شكلها) (يجب أن نقنع الناس بالتجاور في الحياة، لكل دينه ولونه ونصيبه من الأرض) ثم اختار آخر مقطع من الرواية مبرراً بأنه يعكس مانفستو أو كوجيتو – إثبات وجود الأنا – الرواية إن صح التعبير (سنمضي سوياً، أنا وأنت، تاسي، مارخدر، وكابلا.. و… سنمضي في أرض واحدة بزمن متصل، ومحبة أبدية)، هنا جمالية الرسالة وذكاء الحكي وتلخيص لما يرمي إليه قلم الأستاذ الصايم ليقول لنا بالمحبة وحدها تكون الأرض عامرة.
وقال عمر الصايم لـ(مدنية نيوز) أمس: مارخدر بتعدد ألوانه ودياناته، وبمنشئه العجائبي يمثل كينونة التسامح وتجليه في شخصية واحدة، شخصية كثيرة المركبات ولكنها تنتمي لجوهر واحد يمثل قيمة الإنسان من حيث هو إنسان، بعيداً عن عرقه ودينه ولونه.. الإنسان الجديد في صيرورته التاريخية نحو جوهره، حول شخصيته يجتمع استافينوس المسيحي مع مدثر المسلم وبتنوعهما العرقي، ومن ثم يتحول الاختلاف إلى منبع ثراء لحياتيهما المكتنفة بمخاطر جمة سببها الدكتاتوريات، العنصرية، والغلو الديني.. هذا الثراء نادراً ما ننظر إليه بإيجابية في بلادنا، والآن مع الثورة السودانية النازعة نحو تحقيق شعارات الحرية والعدالة والسلام تبدو في المشهد كعلامة تؤشر لأهمية انحياز البلاد لهذه القيم التي تمثل من جهة أخرى قيماً كونية تسعى لها البشرية من مواقعها وأوطانها المختلفة.