التهرب من سداد عائدات الصادر.. من يعبث بموارد السودان ويضرب الانتقال الديمقراطي؟
قضية يطرحها: محمد إبراهيم
يعاني السودان من عجز حاد في الميزان التجاري، وبحسب تقارير رسمية صادرة عن بنك السودان المركزي سجل العجز لعام 2020 (3.92) مليارات دولار، وبلغت قيمة الواردات (6.59) مليارات دولار، في المقابل بلغت الصادرات (2.67) مليار دولار، وانعكس هذا العجز في التضخم والوضع الاقتصادي الذي يوصف بالكارثي حيث يعاني منه المواطن السوداني على نحو غير مسبوق.
وبعد الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي نفذتها الحكومة، هل تقل الهوة ما بين الصادرات والواردات؟ وما هي أبرز التحديات الراهنة التي تواجه البلاد؟
تحديات ماثلة
في مطلع هذا الشهر كشف وزير التجارة والتموين، علي جدو، عن ارتفاع عدد المتهربين عن سداد عائدات الصادر من (402) إلى (494) شركة واسم عمل، بمبالغ تجاوزت نصف المليار دولار في آخر إحصائية لبنك السودان المركزي للفترة من 2016 وحتى 2020م. وأشار الوزير إلى قيام الوزارة بالتنسيق مع مباحث التموين بملاحقتهم لاسترداد الحصائل للبلاد.
المصدرون السودانيون يعانون من العديد من التحديات التي تواجههم أبرزها يتمثل في انهيار البنى التحتية للنقل والمواصلات، فضلاً عن تكدس البضائع في الميناء، فكيف يمكن معالجة قضية التصدير في البلاد في إطار الخطة الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة مؤخراً، ومحاولتها التحكم في الواردات مثل القرار الأخير لوزير التجارة القاضي بإيقاف استيراد مستحضرات التجميل وغيرها؟
التهاون والتراخي
وقال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير في إفادة لـ(مدنية نيوز) أمس، إن سبب التهرب من سداد عائدات الصادر هو التهاون والتراخي من قبل الدولة تجاه المصدرين وعدم فرض عقوبات رادعة للمخالفين لتوريد حصائل الصادر.
وكشف الناير عن حيل متعددة يقوم بها بعض المصدرين بهدف عدم توريد الحصائل كأن يقوموا بالتصدير عبر تأجير بعض الأوراق، أو يصدروا بأوراق رسمية لشركاتهم وبعد عملية التصدير يقومون بترك الشركة التي أدت غرضها ويعملون على تأسيس شركة جديدة حتى إذا تم حظر شركتهم الأولى تكون لا فائدة منها.
وطالب الناير، الحكومة بالتشدد في تسجيل الشركات مع مراجعتها الدورية لمقار تلك الشركات وملاكها حسب ما يتوفر لدى مسجل الشركات، وأن تقوم الحكومة بإجراء مسوحات تفتيشية دورية ومعرفة الشركات العاملة والمتعطلة، وأضاف: (بعض الشركات مسجلة بشكل رسمي لدى الحكومة لكنها ليس لديها مقر رسمي وعنوان عمل، بل تمتلك الأختام والأوراق المروسة وكل الشركة موجودة فقط في الشنطة، ومثل هذه الشركات تؤثر سلباً على الاقتصاد)، وشدد على ضرورة وجود إرادة حقيقية من الحكومة لإيقاف نزف التهرب من سداد عوائد الصادر عبر إجراءات جادة وقوية وتنزيل عقوبات رادعة لكل المخالفين حفاظاً على الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
ولفت الناير، إلى أن البلاد في الوقت الراهن تخوض مرحلة إصلاح شامل في المنظومة الاقتصادية، وأن التهرب من سداد حصائل الصادر يمثل العقبة الكأداء أمام حكومة الفترة الانتقالية، ويعمل على حرمان الخزانة العامة من موارد النقد الأجنبي، وأشار إلى أن عائدات الذهب هي الأكثر استقراراً وتأتي للحكومة بشكل مباشر خلافاً لبقية الموارد الأخرى من المحاصيل وغيرها.
الغرفة تدافع
الأمين العام لغرفة المصدرين محمد سليمان، دافع بشدة في تصريحه لـ(مدنية نيوز) أمس، عن المصدرين وقضاياهم، ورأى أن الذين يتهربون من توريد حصائل الصادر لا يتجاوزون (1%) من جملة المصدرين، واعتبرهم مجرمين ارتدوا قناع التصدير، وطالب الدولة بتطبيق القانون عليهم.
ولفت الأمين العام لغرفة المصدرين، إلى أن البلاد تعاني من أزمة النقد الأجنبي، وأن المصدرين من ضمن الجهات الرسمية التي تعمل على توفيره، وذكر أن المعضلة الحقيقية لا تكمن في تهريب عوائد حصائل الصادر، بل في سياسات الحكومة فيما يتعلق بالاستيراد وهي التي تتسبب في تدهور العملة المحلية.
وكشف الأمين العام، عن توريد المصدرين منذ عام 2015 حتى 2020 لأكثر من 20 مليار دولار، وقال: (إذا أجرينا مقارنة خلال تلك السنوات بين المصدرين الذين وردوا عوائد حصائل صادراتهم فإن المتهربين لا يتجاوزون 1%)، وأضاف: (الذين يتهربون هم في الأصل غير مصدرين، وعندما يدخلون في عملية التصدير يدخلونها بنية التهريب وسوء النية، وهم حرامية لا يتبعون لغرفة المصدرين).
واستطرد محمد سليمان بالقول: (عضوية غرفة المصدرين تتراوح ما بين ثلاثة إلى أربعة آلاف جميعهم يلتزمون بموجهات وقرارات الدولة والذين يتهربون من سداد عوائد حصائل الصادر في الخمس سنوات الماضية لا يتجاوزون “200” مصدِّر، وهذا كما قلت لا يمثل أكثر من 1% من إجمالي المصدرين)، وتوقع أن يكون هؤلاء المتهربون من المضاربين في العملة الذين يعبثون بمقدرات البلاد.
وأشار الأمين العام لغرفة المصدرين إلى عجز الميزان التجاري في البلاد ما بين الاستيراد والتصدير، وأنه خلق أزمة النقد الأجنبي الحالية التي يعيشها السودان، ودعا الحكومة لتشجيع المصدرين وتذليل العقبات التي تواجههم، إضافة إلى التحكم في الواردات التي تحتاجها البلاد، ولفت إلى أهمية القرار الأخير لوزير التجارة القاضي بمنع دخول الكريمات ومستحضرات التجميل والسراميك، وتابع: كلما استطعنا إجراء عمليات الصادر والوارد عبر النظام، تحل الكثير من المشكلات والتهرب الضريبي وتهريب عوائد حصائل الصادر.
وقال محمد سليمان: (الكرة حالياً في ملعب الحكومة لدعم المصدرين وتشجيعهم وتحفيزهم، وزيادة التصدير تخلق الآلاف من فرص العمل). واعتبر الأمين العام أن العقبة الراهنة التي تواجه المصدرين وتقلل حجم الصادرات هي تكدس البضائع في الميناء، ونبه إلى أن الغرفة جزء من مبادرة لتطوير ميناء بورتسودان، تضم كل الجهات ذات الصلة لحل مشكلة التكدس والمبادرة باسم (شركاء الميناء).
وتابع أن متوسط دورة الصادر قبل التكدس تقدر بـ (40) يوماً، وحالياً دورة الصادر تتجاوز (90) يوماً، وأعلن عن تحسن الأوضاع تتدريجياً في الميناء بعد المبادرة التي هدفت لحل المشاكل فيه، وكشف عن مؤتمر يعقد قريباً باسم (بناء تنمية الصادرات) وفي الوقت الراهن في طور إعداد الأوراق وغيرها.
أيادي (الفلول)
واعتبر مصدر موثوق ببنك السودان المركزي – فضل حجب اسمه- في إفادة لـ(مدنية نيوز) أمس، أن تلاعب المصدرين عبر شركاتهم الوهمية ساهم في التهرب بعوائد حصائل الصادر نتيجة لضعف الرقابة، ونبه إلى أن بنك السودان المركزي لديه شروط قوية تحدُّ وتمنع من التهرب من تسديد عوائد حصائل الصادر، وأشار في الوقت ذاته إلى أن ممارسة عناصر النظام المخلوع داخل بنك السودان حتى بعد السقوط عملت على تخفيف وتقليل القيود والشروط التي تمنع التهرب، كتشجيع مُبطن وخفي لمنسوبيهم في عدم إرجاع عوائد الصادرات.
وذكر ذات المصدر أن هناك (3) دول عربية يفضل المتهربون من حصائل الصادر اللجوء إليها (الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر)، وكشف عن فقدان السودان لحوالي (4) مليارات ونصف المليار دولار بسبب المتهربين من حصائل الصادر، وأشار إلى أن ذلك يشمل الأموال المسجلة فقط لدى الحكومة ولا يشمل البضائع التي يتم تهريبها بطرق غير قانونية وتذهب لعدد من دول الجوار مثل عدد من (المحاصيل، الصمغ العربي، الجلود، الثروة الحيوانية)، وأرجع ذلك إلى ضعف الرقابة الأمنية للسودان في المنافذ الحدودية.
وأنهى المصدر الموثوق حديثه بالقول: (العام الماضي باعت مصر 25 ألف طن سمسم أحمر لليابان، ومعلوم أن هذا النوع من السمسم ينتج في السودان).