الجمعة, نوفمبر 22, 2024
تقاريرسياسة

نقاش حول مبادرة (حمدوك).. إلى أين يفضي هذا الطريق؟

الخرطوم: نصر الدين عبد القادر

ظلت سفينة حكومة الفترة الانتقالية تسير فوق بحر متلاطم الأمواج منذ تكوينها، الأمر الذي أدخل الإحباط في نفوس الكثيرين من الذين كان يحدوهم الأمل بواقع يخرجهم من بؤس السنين الماضية إلى فضاءات الديمقراطية والعيش الكريم، وفي الوقت ذاته يعجب أولئك الذين يهدد التغيير مصالحهم، وفي الحالين يظل جرح الوطن مستمراً في نزفه.

وكان رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك، طوال الفترة الماضية يطبطب على ذات الجرح علّه يضمد ويندمل.. مرددًا قوله المعروف: (سنعبر وسننتصر)، وأن (أطراف الانتقال تعمل في تناغم تام)، رغم أن الواقع ومآلاته يسيران عكس هذا الاتجاه، لكن الشعب السوداني ظل يفضل أن يعيش حالة الأمل في خياله، على الحقيقة المرة، وثمة دماء وأرواح حلقت في علالي الفراديس الوطنية من أجل وطن كريم، وحياة محترمة يجسدها شعار الثورة الخالد: (حرية سلام وعدالة).

مواجهة بالحقيقة

غير أنّ ربان السفينة ربما أدرك مؤخرًا أن المواجهة بالحقيقة أضحت أمراً حتمياً لا بد منه، فخرج بمبادرة عنون لها بـ(الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال ـ الطريق إلى الأمام)، وأشار فيها بوضوح إلى الانقسام متعدد الأوجه: (مدني مدني – مدني عسكري ـ عسكري عسكري)، وهو الأمر الذي جاء بحسب المتابعين نتيجة للتفاوض في جو سيئ، مما أنجب وثيقة دستورية على علاتها ظلت تخترق من حين إلى حين.

نقاش وتباين

واشتملت مبادرة رئيس الوزراء على (8) أسس للتسوية السياسية الشاملة، وهي منشورة ومتداولة عبر الأسافير، وما يعنينا في هذا التقرير، هو بعض النظرات المتباينة حول المبادرة.

ففي حلقة النقاش والتفاكر حول المبادرة التي نظمها المركز الإقليمي لتدريب وتنمية المجتمع المدني، أمس، ظهرت آراء بالضرورة متباينة كأصحابها مع بعضهم، لكنهم أجمعوا على دعمها كل بحسب ما يراه مناسباً من وجهته.

وأكدت قوى الحرية والتغيير، عبر عضو مجلسها المركزي جعفر حسن، دعمها للمبادرة، لكن مع شرط توضيح أسس التسوية، حيث يرى أن هنالك عمائم قد وضعها أصحابها طمعاً في أن تشملهم التسوية وبالأمس كانوا يضعون عمائم تناسب النظام المخلوع وخاضوا معه في غيّه، و(هم عندهم لأي نظام عمائم).

وقال جعفر حسن: إن بناء الثقة بين أطراف الانتقال واجب على الجميع، وأضاف: (الجيش والدعم السريع دسوا قروشهم وما يمكن أن يساعدوا به في فترة الانتقال نسبة لانعدام الثقة، والظروف السيئة التي كتبت فيها الوثيقة الدستورية).

ونادى جعفر، بضرورة توحيد الخطاب الإعلامي لأن مثل المناوشات الأخيرة بين لجنة التفكيك والمالية تؤدي في الختام إلى فقدان الثقة في كل المنظومة الثائرة وأطراف الانتقال بشكل عام، واعترف بأنهم في الحرية والتغيير (لا قادرين نكون حكومة، لا قادرين نبقى معارضة).

الثورة والثورة المضادة

ومن جانبه يرى الناشط السياسي جعفر خضر، أنّ هنالك ثورة وفي الجانب الآخر دولة وثورة مضادة، ووصف المكون العسكري في المجلس السيادي بالثورة المضادة، و(كل من يميل إليهم فهو ثورة مضادة، وأن مبادرة رئيس الوزراء تأخرت كثيراً وكان ينبغي أن تكون قرارات لأن المبادرات هي من شأن الذين هم خارج موضع القرار).

وقال خضر:  إن الحرية والتغيير ليست كلها ثورة وعلى حمدوك، أن يقول الحقيقة بشكل دبلوماسي حتى يتبين للجماهير العدو من الصديق، والثوريين من أصحاب الثورة المضادة.

مؤسسة الدولة

ومن جهته ذكر اللواء (م) كمال إسماعيل، أن القوات المسلحة هي مؤسسة الدولة الأولى، واجبها حماية الشعب والوطن، وهي ليست عبود أو نميري أو البرهان، واستشهد بالمواقف التاريخية لها منذ مظاهرتي 1919م و1924م، ضد المستعمر، واشتراط المشاركة في الحرب العالمية الثانية بالاستقلال الكامل للسودان.

وألقى اللواء كمال، باللائمة على الأحزاب السياسية التي اعتبر أنها ورطت القوات المسلحة في معترك السياسة، الذي ليس هو ميدانها، ورأى أن (الكرة الآن في ملعب السياسيين)، ووجه رسالة لرئيس الوزراء نصها: (إذا الحاضنة ما متفقة، فحاضنتك الشعب السوداني).

أما لجان المقاومة فطالبوا بضرورة تمثيلهم في صنع القرار، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية بشكل عاجل، وصبت جام غضبها على مواقف الأحزاب من قبل الثورة، وتسلقهم لها بعد نضجها.

وهنالك حديث دار عن الاقتصاد والسلام، لكن بصورة عامة النماذج أعلاه تعكس بشكل جلي أنّ لكل شخص شارك في الثورة غرض، كما قال جعفر حسن، فالنازحون في المعسكرات همهم العودة إلى أراضيهم والعيش في سلام، والذين حرموا من التوظيف يتطلعون إلى وطن يحقق أحلامهم، وهناك من هدفه أن يتم القصاص للشهداء.

نقاش ساخن ومتباين.. إلى أين الطريق؟

كانت الحلقة ثرية بالنقاش والأفكار المتباينة، والنفس الساخن، وهي ربما تعكس الحالة العامة التي يعيشها الشعب السوداني، بينما تسعى المبادرة في أولى أساسيات التسوية الشاملة التي اقترحتها توحيد الكتلة الانتقالية وتحقيق أكبر إجماع ممكن داخلها حول مهام الانتقال.

ومن الأسئلة المركزية التي طرحها مراقبون (إلى أين يؤدي هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، وسط بحر هائج هادر والسفينة لا تحتمل غير التوازن الحذر بحسب حمدوك؟)، وهل سيحتمل السودانيون مزيداً من الصبر للعبور الموعود من رئيس وزرائهم، أم سيتواصل السقوط؟).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *