(فريدة) بائعة متجولة تتحدث (الإنجليزية والفرنسية).. تطمح في الدراسات العليا والسلك (الدبلوماسي)
القضارف: هيام تاج السر
صعدت (فريدة) للبص تسبقها ابتسامة ساحرة (دسّت) من خلفها آمال وطموحات ميلاد سودان جديد يحفه تحول ديمقراطي يحقق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة (حرية، سلام، وعدالة).
هي فريدة بحق وحقيقة كما جاء على لسان من تعرف عليها حينها، وجسدت المقولة بأن لكل إنسان من اسمه نصيب، وعند صعودها درجات سلم البص القادم من القضارف للخرطوم لفتت انتباه الجميع فهي صاحبة حضور مميز عن غيرها من البائعات والبائعين المتجولين.
معلمة سابقة
كانت (فريدة) تحمل (صينية متوسطة الحجم) بها الكثير من (الفول السوداني، التسالي، الترمس، حلاوة سمسمية وفولية، وتسالي قرع)، وعند صعودها تعالت الأصوات ما بين (لو سمحتي فول ولو سمحتي تسالي)، همس سائق البص للمقربين منه بأن (فريدة) تتحدث اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وأنها عملت معلمة وتركت التعليم لتعمل بائعة متجولة بين البصات السفرية.
احتفاء
ساقتني فرحة كبيرة بأن مكان (فريدة) مكاتب السفارات والمنظمات، إن هي عملت على تأهيل نفسها، ونهضتُ مسرعة نحوها في منتصف البص وطلبت من الجميع الهدوء لأعرفهم بها، وأخبرتها بأن البص خاص ويحمل قافلة وزارة الشباب والرياضة الاتحادية العائدة من القضارف للخرطوم، ومن محاسن الصدف أنها كانت تقف أمام مقعد الزميل الصحفي ناصر بابكر، الذي يجيد الفرنسية والإنجليزية معاً، وأشعتُ السر بأن (فريدة) تجيد اللغتين الفرنسية والإنجليزية، تحمل البكالريوس في الأولى والدبلوم في الثانية، وقد تخرجت من جامعة النيلين عام 2018م.
تعارف واحتفاء
عم الهدوء البص، وبدأ الحديث بين ناصر و(فريدة) باللغة الفرنسية، حيث أدهشت الجميع بلغة واضحة ومخارج صوتية سليمة، ليطلب منها ناصر المواصلة في الطريق الأكاديمي، ويتوقف البيع وإذا بها توزع الحلوى و(التسالي) على الجميع وتؤكد (أنا مبسوطة شديد بالجميع).
وبعد أن استمتع الجميع بالحوار معها والتقاط الصور وتبادل أطراف الحديث التقتها (مدنية نيوز) لمزيد من التعريف بها، فقد جلست معنا حتى يجد سائق البص مكاناً مناسباً لإنزالها لتجد بصاً آخر يقلها لمكان سكنها و(لتترزق) مع ركّاب جدد.
مراحل الدراسة
وطبقاً لإفاداتها، فهي فريدة آدم محمد، ابنة (3) مناطق (الجنينة، التضامن، الصحافة) بولاية القضارف، درست الأساس بمدرسة الجنينة والمرحلة الثانوية بمدرستي الأميرية والصوفي، والتحقت بجامعة النيلين (ترجمة لغة فرنسية) في العام 2018م.
وبعد التخرج عملت (فريدة) معلمة لعام واحد بإحدى المدارس الخاصة (2019م)، ولم تُلبِّ الوظيفة احتياجاتها المادية وانسد الطريق أمامها في الحصول على وظيفة ففكرت في العمل كبائعة متجولة ولم تتردد مطلقاً باعتبار أن هذا العمل سيوفر لها معاشاً سريعاً وانخرطت فيه في العام 2020م.
عدم التهيب ومواجهة المصاعب
(فريدة) لا تعمل كبائعة متجولة لكسب الرزق فقط، ولكنها تجد متعة في هذا العمل لتقديم سلع محلية لراكبي البصات والتعرف عليهم، وأنها كثيراً ما تتعرف على (ركّاب) المركبات (لكن أول مرة أكون مبسوطة شديد)، في إشارة إلى التعرف على من علموا بتخصصها الدراسي ويقدرون تأهيلها ويتمنون لها مستقبلاً مشرقاً في ظل التغيير الذي حدث عقب ثورة ديسمبر.
وحول مصاعب البدايات في عملها، لم تتهيب (فريدة) البداية أو تتعالى واقتحمت المجال (أي شغل بعد تبداه بتقدر عليه)، وهي تجيد صناعة بعض المنتجات التي تبيعها بينما يصنع أهل بيتها جزءاً آخر، ولـ (فريدة) أشقاء يصغرونها تعمل للمساعدة في إعالتهم وتحرص على تعليمهم، كما لها إخوة من أبيها يكبرونها.
ولم تواجه (فريدة) مشاكل تحول دون عملها، ولم تأبه بما يعترضها أو من يعترضها بمعاكسات من العابرين، وبدت راضية عن تعامل سائقي البصات معها (بتعاملوا معانا حلو شديد لدرجة قف تأمل، بعاملونا كأخوات، لو أشّرت لي أي سائق بقيف لي أبيع وبقيف ينزلني لما أطلب منو)، قالت ذلك وهي في غاية السعادة وتمام الرضا.
ابتسامة محفورة في الذاكرة
غادرت (فريدة) البص ولكنها لم تغادر ذاكرة (ركّاب) البص ممن تعرفوا عليها وأطلقوا دعواتهم لها بالتوفيق في مقبل حياتها، ونزلت وهي في غاية (الانبساط) ومحفوفة بدعواتهم، وحفرت لنفسها مكانة خاصة في قلوبهم حيث ودعتهم والابتسامة على محياها، قبل أن تقطع عهداً على نفسها بأن العمل كبائعة متجولة ليس هو غاية طموحها وأنها تأمل وتعمل للحصول على وظيفة في إحدى المنظمات العاملة بالقضارف لتعينها في الدراسات العليا (ماجستير)، ومن ثم السفر للخارج للمزيد من التأهيل الأكاديمي والحصول على وظيفة توافق تخصصها في المنظمات أو السلك الدبلوماسي.
تفاؤل بالقادم
وقالت (فريدة) لـ (مدنية نيوز) اليوم: (لأي إنسان أمل وطموح، ومن جانبي لم أقنع مطلقاً من تحقيق طموحاتي، وثقتي في الله كبيرة، ولم أطمح في تحقيق شيء ولم أحققه، ولدىّ إحساس يطوقني بأن مستقبلي زاهر، وأن القادم أجمل).