الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

تلفون كوكو والرؤية اليمينية للسودان الجديد 

بقلم: كومان سعيد

كثير من الجدل أثاره اللواء السابق في الحركة الشعبية لتحرير السودان تلفون كوكو أبو جلحة، وذلك بإعلانه إقامة مؤتمر سياسي دام لمدة يومين، في عاصمة جنوب السودان جوبا، عزل فيه قيادات الحركة الشعبية بما فيهم الرئيس والقائد العام عبد العزيز الحلو.

تبدو هذه القصة هزلية جداً. الواقع يقول إن تلفون كوكو رغم نضاله وتاريخه الكبير في الحركة الشعبية، لم يعد عضواً في الحركة منذ أن خاض الانتخابات العام 2010 نداً ومنافساً للحركة في ولاية جنوب كردفان.

ولكن حتى لا نعتدي فكرياً دون قصد على الرجل، ونحن ندعو للديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، دعونا نناقش ما يريده تلفون كوكو، وما هي رؤيته للتغيير وبناء وإعادة هيكلة البنية المختلة والعنصرية للدولة.

الأوراق الثلاث التي ناقشها مؤتمر تلفون كوكو، كانت تتمحور حول رؤيته للأزمة داخل الحركة الشعبية، وضرورة إصلاح التنظيم، ومخاطبة الأسباب التي أدت إلى فشل وانقسامات الحركة الشعبية كما يدعي. في عالمنا اليوم وفي عصر الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، الكل لديه حق التغريد والتعبير عن رأيه، وهي قيم حداثوية لم يكن من السهل يوماً ما الحديث عنها.

في عالم الفعل الاجتماعي السياسي، وفي كل المؤسسات السياسية والأحزاب، هناك إشكاليات وتحديات داخلية تؤثر وتتأثر بالتحولات الخارجية المحيطة بها.

في اعتقادي، أنه لا يهم الكثير من السودانيين الحالمين بالتغيير ما يدور من شأن داخلي خاص بالحركة الشعبية، ما يهم الناس هو موقف الحركة الشعبية من التغيير والتحول الديمقراطي ومخاطبة جذور المشكلات التي أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي في السودان.

حتى لا نتعدي على  الرجل فكريا هناك تساؤلات تفرض نفسها على هذا الحدث: أولاً: ما هي رؤية تلفون كوكو السياسية  في ما يتعلق بإعادة هيكلة الدولة ومخاطبة بنية الدولة العنصرية والتمييزية؟  ثانياً: على أيِّ أساس فكري يستند تلفون كوكو في تنظيره السياسي لمخاطبة جذور التهميش الثقافي الديني؟

تحدث تلفون في مؤتمره الأخير عن كيفية إدارة التنوع في السودان في إحدى أوراقه، لكن الغريب في الأمر هو الردة الفكرية الغريبة جداً للرجل عن الرؤية القومية السودانوية لمشروع السودان الجديد. الواضح جداً أن تلفون كوكو يحاول جاهداً أن يتبنى تنظيراً سياسياً لمشروع السودان الجديد من وجهة نظر دينية إسلامية، وهو أمر يتعارض مبدئياً مع منفستو السودان الجديد. أتساءل كيف وما هي الآلية التي عن طريقها يمكن أن يدير تلفون  هذا التنوع؟ ما هي الأسس التي يستند عليها لتأسيس دولة المواطنة؟

الكثير من من لا يجمعهم توافق فكري مع الحركة الشعبية انتقدوا موقف الحركة الشعبية التفاوضي، فيما يتعلق بعلمانية الدولة، ووصفوا إصرار الحركة الشعبية في الاتفاق على دستور علماني من خلال منبر جوبا بالعملية غير الديمقراطية والمزايدة السياسية. هناك كثيرٌ من الانتقادات تبدو مُتفَهَّمة نسبة للاختلاف الأيديولوجي والفكري للفاعلين السياسيين في الساحة السياسية؛ لكن من غير المعقول أن يقوم تلفون كوكو بوصف رفاق الأمس بالملحدين والكفار والشيوعيين، هذه هي ذات لغة الإسلاميين التي ناضل تلفون ضدها سنين عديدة، فكيف له اليوم أن يستخدم نفس تلك اللغة ضد من كانو معه في نفس الخندق طول مسيرة نضاله؟ وعن أي رؤية سياسية يسارية يتحدث تلفون كوكو؟

المقالات التي يداوم على كتابتها في صفحته الشخصية في الفيسبوك، تُناقض تماماً رؤية السودان الجديد× فالسودان الجديد ليس جبال النوبة، والمشكلة ليست مشكلة من يقود الحركة الشعبية، ومن أي إثنية، ولا مشكلة رؤية سياسية أعتقد أن المشكلة شخصية قام تلفون بتعميمها بدعم من آخرين لهم أجندتهم السياسية الخاصة.

لا يمكننا الحديث عن التنمية والتعمير والموارد بعيداً عن الدستور.

إذا أردنا أن نتشارك الثروات والموارد وأن نؤسس لدوالة خدمية علينا أولاً، وأن نجعل المواطنة على أساس الحقوق والواجبات، والحديث هنا عن الدستور. إذن، لا بد أن يكون  الدستور قائماً على أساس المواطنة وعدم التمييز، أعنى لا بد أن يكون الدستور علمانياً؛ فإذا لم نكن متساوين أمام الدستور بكل تأكيد لن نتقاسم الثروة بشكل متساوٍ، وبكل بساطة هذا هو الموقف التفاوضي للحركة.

كيف يستطيع تلفون أن يؤسس وينظر لدولة يقوم فيها الدستور على أساس المواطنة، وهو فاقد لهذه الآليات: تفكيك بنية الدولة العنصرية، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وهي عملية طويلة تحتاج لنظرة عميقة وتحليل تاريخي. الانقسامات المدفوعة بدوافع شخصية لن تحقق سوى مزيد من الانقسامات والتشرذم.

هناك كثير من التحديات يجب علينا الاتحاد لمواجهتها في هذه الفترة الزمنية الصعبة، والتحول السياسي التاريخي على المستوى القومي والإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *