العنصرية.. داء يعاود المحاولة لاجتياح ملاعب العالم والرياضيّون يتصدرون المناهضة
تحقيق: هيام تاج السر
إنها العنصرية.. ذلك الداء الذي عادت محاولات اجتياحه العالم عقب نهائي بطولة الأمم الأوروبية الأخيرة، وإضاعة (3) لاعبين من منتخب إنجلترا ضربات جزاء مما عرضهم لحملة عنصرية. وفي أولمبياد طوكيو الجارية حالياً طلب مسؤولو بعثة ألمانيا الأولمبية من المدير الرياضي للاتحاد المحلي للدراجات الخميس (29) يوليو المنصرم المغادرة والعودة إلى بلاده بعد أن أظهرته لقطات (فيديو) وهو يوجه تعليقاً عنصرياً خلال منافسات للرجال الأربعاء الماضي، واستعداداً لذات الأولمبياد كان المنتخب الألماني قد انسحب من إحدى المباريات بسبب تعرض أحد لاعبيه لإساءة عنصرية.
وتُعتبر العنصرية داءً قديماً، وكان ولا يزال أمر مناهضتها عالمياً، حيث اعتمدت الأمم المتحدة الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وعرضتها للتوقيع في ديسمبر 1965م، ولكن مصدر الغرابة في الوقت الحالي – حسب ما يرى مراقبون – هو ظهور العنصرية في أوروبا التي عاشت عصر النهضة باكراً، وفي ملاعب الرياضة التي تمنع قوانينها أي شكل من التمييز.
العنصرية في الرياضة
وظل رياضيون يعانون من الإساءات العنصرية في مختلف ملاعب العالم مثل لاعبي كرة القدم (رونالدينهو، روبرتو كارلوس، بالوتيلي)، وغيرهم كثر، حتى بلغت الإساءات ذروتها عقب المباراة النهائية لبطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم التي جمعت (إنجلترا وإيطاليا) وفازت بها إيطاليا، ووجهت الإساءات للاعبي منتخب إنجلترا الذين أضاعوا ضربات الجزاء (ماركوس راشفورد، وجيدون سانشو، وبوكايو ساكا).
ردود الأفعال
ووجد الثلاثي الإنجليزي حملة مناصرة قوية من أعلى هرم الدولة ومن الرياضيين، حيث نقلت وسائل إعلام مختلفة استنكار رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، الإساءة العنصرية التي تعرَّض لها بعض لاعبي المنتخب الإنجليزي لكرة القدم بعد الهزيمة من إيطاليا في (11) يوليو الماضي.
ومن جانبه وصف الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم تلك الإساءة العنصرية بأنها سلوك مقزز وغير مقبول، وشدد بالقول حسب ما نقلت وسائل إعلام: (سنقوم بكل ما نستطيع لدعم اللاعبين الذين تعرضوا للإساءة، وفي نفس الوقت سنطالب بأقصى عقوبة على المسؤولين عن ذلك)، كما قال المنتخب الإنجليزي: (نشعر بالاشمئزاز لأن بعض لاعبي فريقنا الذين بذلوا كل جهد مستطاع من أجل الفريق هذا الصيف تعرضوا لإساءة عنصرية عبر الإنترنت).
ومن جهتها أكدت شرطة لندن أنها على علم بهذه الإساءة وأنها ستتحرك وستتخذ الإجراءات المطلوبة، وأشارت إلى أنها لن تتسامح إزاء هذا الأمر وسيتم التحقيق فيه.
وقالت وزيرة داخلية بريطانيا بريتي باتل: أشعر بالاشمئزاز لتعرض بعض اللاعبين الإنجليز الذين قدموا الكثير لبلادنا خلال الصيف الحالي لإساءة عنصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي مقابل إضاعة ضربة الجزاء وتلك الإساءات دفع اللاعب (راشفورد) باعتذار عن إضاعة ضربة الجزاء، لكنه رفض الاعتذار عن أصوله.
موقف بعثة ألمانيا
وتجاه ما بدر من عضوها، قالت البعثة الألمانية في بيان طبقاً لوسائل إعلام: (قرر مسؤولو البعثة في أولمبياد طوكيو إنهاء مهمة باتريك موستر، مع فريق الدراجات الألماني وسيعود إلى البلاد).
وأصدر موستر تلك التعليقات خلال سباق ضد الساعة لتشجيع أحد المتسابقين الألمان، وصرخ متحمساً في المتسابق الألماني نيكياس آرنت أثناء مطاردته متسابقين جزائري وإريتري (عليك بهما.. عليك بسائقي الجِمال).
واعتذر موستر لاحقاً عن التعليقات، وقال: (أنا آسف حقاً، وأقل شيء يمكنني فعله هو الاعتذار، ما كان ينبغي أن يحدث هذا).
وأدان رئيس اللجنة الأولمبية المحلية ألفونس هورمان هذا التصرف، وذكر: (فريقنا يجسد القيم الأولمبية والاحترام واللعب النظيف والتسامح)، كما أدان اللاعب آرنت تصريحات مدربه، قائلاً (أشعر بالفزع بسبب هذه التصريحات، وأريد بوضوح أن أقول إنني أنأى بنفسي عن تصريحاته، الكلمات المستخدمة غير مقبولة).
واقعة أخرى
وكان المنتخب الأولمبي الألماني قد انسحب من المباراة الإعدادية لأولمبياد طوكيو التي جمعته في يوليو الماضي مع نظيره الهندوراسي قبل (5) دقائق على نهايتها، بسبب إساءة عنصرية بحق أحد لاعبي المنتخب الألماني، وحسب موقع (آر تي) فقد غادر لاعبو المنتخب الألماني أرضية الملعب بشكل جماعي تضامناً مع زميلهم.
ومن جانبه، قال نادي هيرتا برلين الذي يلعب له (تورونارايغا) الذي تعرض للإساءة من قبل أحد لاعبي هندوراوس، عبر (تويتر) طبقاً لـ (آر تي): (هذا هو القرار الصائب الوحيد).
وقال شتيفان كونتز مدرب المنتخب الأولمبي الألماني: (إذا تعرض أحد لاعبينا لإساءة عنصرية، فإن مواصلة اللعب ليست خياراً بالنسبة لنا).
محاربة محلية
وللعنصرية أبعاد عالمية ومحلية ولمناهضة العنصرية في السودان والملاعب السودانية المختلفة شهدت مباراة المريخ العاصمي وساهر نيالا في (25) يوليو الماضي، توزيع شباب مبادرة مدينة نيالا (فنائل) عليها شعار المبادرة الذي يناهض العنصرية ويدعو للحب والمساواة، للاعبي فريقي ساهر نيالا صاحب الأرض والجمهور والمريخ العاصمي قبل بداية المباراة التي أقيمت باستاد نيالا ضمن منافسات دور الثمانية من بطولة كأس السودان، في لفتة وجدت القبول والرضا من الجماهير الرياضية بنيالا، وبدورهم أهدى اللاعبون تلك (الفنائل) للجماهير في المدرجات.
الرياضة والمساواة
وقال رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم بروفيسور كمال شداد، في إفادة لـ (مدنية نيوز) إن الرياضة تشكو من أمراض وبها مسائل تتناقض معها مثل (العنصرية والمنشطات)، وأشار إلى أن معنى الرياضة يجمع القيم والصفات المميزة وعلى رأسها المساواة واحترام الآخر، احترام الخصم، وشدد على أن العنصرية بها عدم احترام للخصم، بجانب المنشطات وعدم المنافسة الشريفة (ترتيب المباريات ونتائجها)، وأضاف: (كلها أشياء تنقص من قيمة الرياضة التي تتطلب المساواة والعدالة).
وتابع: (المنظمات الدولية مشكورة لأنها ترفض العنصرية لإضرارها بمستقبل الرياضة)، ولفت إلى أنه في بلد مثل إنجلترا مجرد أن يصيح أحدهم بعبارة (يا قرد) يعتبر عنصرياً، وأبان أن الألفاظ العنصرية تختلف من بلد لآخر ، وأن العنصرية تُقيّم حسب المنطقة وعاداتها وألفاظها، وأردف: (لذلك نجد أن البعض رفض صورة هتلر باعتباره شخصية مرفوضة وعدائياً جداً للرياضة وكان ضد السود).
وشدد رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم، على ضرورة حرص الجميع حتى لا تحدث انفلاتات، واعتبر أن العنف يمثل أحد مظاهر العنصرية، وزاد: (العنف أيضاً مرفوض)، ونبه إلى أن من المشكلات التي تواجه الرياضة أنها تعارك في عدد من الجبهات)، ولكنه تمسك بأن الأمل معقود على قيادات الرياضة في محاربة تلك الأمراض، ودعا لرفع الوعي لمناهضة العنصرية.
منع التمييز
ومن جهته أفاد الصحفي والكاتب الرياضي السوداني د. مزمل أبو القاسم (مدنية نيوز) أمس الأول بأن كل الممارسات العنصرية وكل أنواع التمييز العنصري محظورة تماماً في كل الأنشطة الرياضية وليس كرة القدم وحدها، وقال: (هذا الأمر منصوص عليه في الميثاق الأولمبي الذي يمنع التمييز على أساس الدين أو اللون أو العرق، ويحظر كل أنواع التمييز).
وتابع: يعتبر التمييز العنصري من الكبائر في الرياضة ويستوجب عقوبات كبيرة، وهناك أندية كثيرة في أوروبا تعرضت لعقوبات صارمة بسبب سلوك جماهيرها التي ارتكبت سلوكاً عنصرياً غير مقبول أو رددت عبارات عنصرية أو جاءت بإيحاءات عنصرية، وحتى الإيحاء غير مقبول ناهيك عن الألفاظ، وزاد: (تابعنا جميعاً ما تعرض له لاعبو إنجلترا بعد إهدارهم ركلات الترجيح في نهائي أمم أوروبا وحالة الاستنكار التي عمت العالم والدعم المعنوي الذي حصل عليه اللاعبون الثلاثة).
وعن العنصرية في ملاعب السودان، قال مزمل أبو القاسم: (ظلت الرياضة السودانية في منأى ومعزل عن هذا الداء اللعين، ولم نرصد في السنوات الأخيرة أي سلوك عنصري أو عبارات إساءة عنصرية أو تمييز باللون أو الدين أو العرق).
وأبان مزمل، أن النظام الأساسي للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ينص وبوضوح على منع جميع أنواع التمييز بـ (اللون، العرق، الدين، واللغة)، وأن جميع أنواع التمييز محظورة حظراً مُشدَّدَاً، ونوه إلى أن الاتحاد الدولي يلزم جميع الاتحادات الوطنية المنضوية تحت لوائه بأن تورد نصوصاً تحظر التمييز، وأنه على الاتحادات أن تلزم أعضائها بأن يدرجوا نصوصاً واضحة تحظر كل أنواع التمييز.
دور الجمهور
وحول معرفة دور الجمهور في مناهضة العنصرية، ذكر مشجع نادي المريخ والمنتخبات الوطنية السودانية (خالد ليمونة)، أن الرياضة للجميع (لكل الناس والأجناس) وأنها ليست محصورة على جنس أو فئة دون أخرى، وقال: (العنصرية والتقليل من شأن الآخر سلوك غير مقبول في الرياضة، فالرياضة جسر للمحبة والمودة والتآلف ولا مكان للعنصرية فيها).
تأثير نفسي
وفي سياق متصل بالجانب النفسي، أوضح الاختصاصي النفسي الرياضي السوداني د. الفاتح سليمان، أن ما حدث من إساءات عنصرية في مباراة (إنجلترا وإيطاليا) أثر نفسياً على عدد كبير من اللاعبين، خاصة من هم من أصول غير إنجليزية أو إيطالية، وأن ذلك قد يؤثر على بعض العلاقات أو انتقال اللاعبين المتأثرين من أندية معينة، ولفت إلى أن هناك ما تسمى بالمؤثرات النفسية اللحظية، وذكر: (لكن الاتحاد الأوروبي يتعامل بحسمٍ عالٍ جداً في اتخاذ القرارات في المسائل المتعلقة بالعنصرية).
وأبان الاختصاصي النفسي الفاتح سليمان، أن سمة العنصرية بنيت على اللونين الأسود والأبيض، وأنها تعدت اللون حالياً لتمارس عبر كلمات وعبارات تنطق لاستفزاز الخصم.
وتمسَّك الفاتح، إلى أهمية مناهضة العنصرية، ونبه إلى أن الاتحادات المحلية ليست لديها قوانين واضحة وصريحة للقيام بذلك، وقال: (نجد أن البعض يلجأ للجودية لمعالجة المشكلات، وأتمنى أن تكون قرارات الاتحادات المحلية والدولية صارمة تجاه السلوك العنصري)، وأبان أن الميثاق الأولمبي يعتمد على نشر الحب والسلام والابتعاد عن العنصرية والصراعات.
توازن ورضا
وأكد الاختصاصي النفسي الرياضي السوداني الفاتح سليمان، ضرورة وجود اختصاصي نفسي للرياضيات والرياضيين، لتمكينهم من التعامل بحكمة مع السلوكيات الشاذة التي تتنافى مع الرياضة، وذلك عبر الاستماع لمحاضرات الإعداد النفسي التي تقوم بعملية علاج المشاكل النفسية وتجعل الرياضيات والرياضيين في حالة توازن نفسي.
وقطع الفاتح سليمان بأهمية وجود الاختصاصي النفسي لتهيئة وعلاج الإداريين واللاعبين والأجهزة الفنية ووضع برنامج واضح لمعالجة الإشكاليات المتعلقة بالهزيمة والخلافات بين اللاعبين ورفع مستواهم بالإرشادات النفسية، وتحقيق الرضا الذاتي عبر استمارة خاصة بكل رياضي أو رياضية تتضمن الظروف الاجتماعية والمشاكل الأسرية والسلوك الشاذ.
ونوه الاختصاصي النفسي السوداني إلى مساواة الجميع في الأنشطة الحياتية المختلفة ومنها الرياضة.
وبينما تعمل جميع المنظومات الرياضية حول العالم على مناهضة العنصرية، وتشدد المؤسسات المختلفة على حسمها بصرامة، يجدر الوقوف عند تصريح رئيس الوزراء البريطاني على (تويتر) والذي نقلته وسائل الإعلام عقب ما حدث للاعبي المنتخب الإنجليزي: (هؤلاء المسؤولون عن هذه الإساءة الفظيعة يجب أن يخجلوا من أنفسهم).