(المبادئ فوق الدستورية).. تحصين الحقوق وضمان عدم الردة
تقرير: الواثق تبيسة
أكد المشاركون في ندوة (المبادئ فوق الدستورية) ضرورة تضمين قيم حقوق الإنسان المتعلقة بالحرية والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز في الدستور القادم.
ونظمت إدارة التدريب والمناشط بهيئة محامي جبال النوبة أمس السبت، ندوة بدار النوبة بأمبدة البحيرة، بعنوان (المبادئ فوق الدستورية).
وانعقدت الندوة بحضور العديد من مراكز وجمعيات وراوبط ومنطمات المجتمع المدني بمجتمع جبال النوبة، تقدمهم رئيس مجلس عموم النوبة بروفيسور شمشون خميس كافي، ورئيس هيئة محامي جبال النوبة عبد العزيز دينار، وأمين عام مجلس عموم النوبة المفوض نور الدين وريمة وجموع من المثقفين والناشطين في مجال حقوق الإنسان.
محاور وحصانة
وقدم الأمين العام لهيئة محامي جبال النوبة مهدي الأمين الديك، محاضرة المبادئ فوق الدستورية التي شملت (7) محاور، وفصّل ماهية المبادئ فوق الدستورية، وعدّد تجارب البلدان التي طبقت تلك المبادئ.
ومن خلال محاضرة المبادئ فوق الدستورية تناول الأمين العام لهيئة محامي جبال النوبة في المحور الأول تعريف مفهوم المبادئ فوق الدستورية بأنها (قواعد دستورية تعطى بوصفها قواعد تمس قضايا كبرى ومصيرية وذات أبعاد استثنائية في الدولة وتتعلق بحقوق ومصالح ومستقبل كل فئات المجتمع دون استثناء، حصانة استثنائية تجاه التغيير والتعديل تفوق الحصانة التي تعطى لغيرها من قواعد الدستور، بحيث يكون تعديلها أو تغييرها أو إيقافها نتيجة تعديل الدستور أو تغييره أو تعطيله أمراً بالغ الصعوبة على السلطات الحاكمة إن لم يكن مستحيلاً، فتصبح لدينا بالنتيجة قواعد دستورية أكثر سمواً من قواعد الدستور).
وأوضح الديك، أن البعض أشاروا لعدم اشتراط أن تكون المبادئ فوق الدستورية موجودة في صلب الدستور، بل قد تكون وثائق مستقلة عنه كإعلانات الحقوق (Bill of rights)، يتم إلحاقها به ومنحه الحصانة اللازمة كمبدأ أعلى.
وفي المحور الثاني تناول مقدم المحاضرة أنواع قواعد المبادئ فوق الدستورية حيث قسمها إلى قسمين: يتمثل الأول في القواعد فوق الدستورية العالمية، حيث تحظى باعتراف واحترام معظم دول العالم وترتبط بحقوق ثابتة كحقوق الإنسان والحريات العامة والمساواة وتتميز بالعالمية والاستقرار والارتباط بحقوق ثابتة لا يمكن التراجع عنها، بجانب أنها مقننة في إعلانات وتشريعات دولية.
ويتمثل القسم الثاني في القواعد فوق الدستورية الوطنية الخاصة بالدول وترتبط بتجربتها وخصوصيتها التي تميزها عن الآخرين، وتتميز بأنها وطنية تخص دولة بذاتها ومرتبطة بمعاناتها وأحوالها ولا تنص عليها تشريعات ومواثيق دولية ولا ترتب على الدولة أية التزامات تجاه الخارج.
الحالة السودانية
وقال الأمين العام لهيئة محامي جبال النوبة إنه بخصوص الحالة السودانية، فلا بد من إقرار مبادئ فوق دستورية تحترم التنوع والتعدد وتكفل الحريات وقبول الآخر واحترام خصوصياته، وتضمّن في الدستور ولا يمكن تعديلها أو إلغاؤها، وهذه المبادئ تحدد شكل الدولة وهويتها.
وفي المحور الثالث تناول الديك، الخصائص العامة للمبادئ فوق الدستورية وحتى تكتسب القواعد فوق الدستورية الحماية العالمية والتحصين ضد التعديل على المدى البعيد، ولكي لا يكون تجميدها الصارم معيباً لتطوير وتحديث الدستور عندما يتطلب الأمر ذلك، وتمسك بأنه يجب أن تتميز بميزات حددها في أن تتعلق بقضايا مهمة ومصيرية للمواطن والدولة، ألا تكون مرتبطة بقضايا تتطلب التعديل، أن تكون بعيدة عن الأيديولوجيات والتحزب والتجاذبات السياسية، أن تهم جميع المواطنين بكل فئاتهم.
مراجعات وحاجة
وفي المحور الرابع تحدث الأمين العام لهيئة محامي جبال النوبة عن الحاجة إلى إقرار مبادئ فوق دستورية، وذكر أنه بإلقاء نظرة سريعة على الأوضاع الدستورية في السودان نجد أنه ومنذ الاستقلال تم تعديل الدستور عدة مرات ابتداءً من الدستور المؤقت ١٩٥٦م مروراً بدستور جمهورية السودان لسنة ١٩٥٨م، ثم الميثاق الوطني ١٩٦٤م، ثم دستور السودان الدائم لسنة ١٩٧٣م، ولفت إلى أن النظام المخلوع عبر ثورة ديسمبر جاء إثر انقلاب عسكري وحكم البلاد بمراسيم دستورية بلغت حوالي (١٤) مرسوماً، وغيرها من الأوامر حتى جاء دستور ١٩٩٨م، ثم دستور السودان الانتقالي لسنة ٢٠٠٥م، ثم الوثيقة الدستورية لسنة ٢٠١٩م تعديل ٢٠٢٠م، وأضاف: (لذلك عدم وجود دستور دائم أدى إلى عدم الاستقرار).
وتناول الديك، في المحور الخامس حاجة الدولة السودانية للمبادئ فوق الدستورية نظراً لعدم استقرارها، والذي بدوره أدى إلى عدم وجود تنمية متوازنة، مما أثر على الواقع السوداني.
وفي المحور السادس تحدث الأمين العام لهيئة محامي جبال النوبة، عن مدى استعداد حكومة الفترة الانتقالية لإحداث تغيير حقيقي وموضوعي للبنية المعتلة للدولة السودانية، وتوصل إلى أن الحكومة الحالية ليست لديها الرغبة في مخاطبة جذور المشكلة السودانية، (خاصة أنها غير جادة وخاصة الشق العسكري منها).
وختم الأمين العام لهيئة محامي جبال النوبة ورقته بأن المبادئ فوق الدستورية لا تتعارض مع المبادئ الديمقراطية، وتابع: (توصلت إلى أنه لا بد من تفادي طغيان الأغلبية بفرض قيود على قدراتها التشريعية ومنعها من المساس بحقوق أساسية ثابتة وبأسس النظام السياسي والاجتماعي القائم)، وأردف: (الخلاصة لا بد من وجود مبادئ فوق دستورية تحصن الحقوق الأساسية والحريات العامة، وتمنع انتهاك حقوق الإنسان والتغول على السلطة).
مواءمة
وأشار الأمين العام لهيئة محامي جبال النوبة في إفادة لـ (مدنية نيوز) إلى الحالة السودانية والوضع الراهن، ولفت إلى أهمية مواءمة وثيقة المبادئ فوق الدستورية واتفاق جوبا للسلام المنتظر توقيعه عبر المفاوضات المقبلة، وشدد على ضرورة اشتراك الجميع في خطوات صناعة الدستور، وتحصين تلك المبادئ، وطالب بالخروج من الدائرة الشريرة –في إشارة إلى الحروبات والانقلابات العسكرية-.
نموذج
ومن جانبه نبه الناشط في مجال حقوق الإنسان القانوني عوض الله غبوش، في تعقيبه على المحاضرة، إلى دستور (كازاخستان) الذي اعتبره نموذجاً للسكان، ومساحة الحريات المكفولة عبره وتبيِّن معنى المساواة بين المواطنين، وشدد على ضرورة مراعاة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب والمواطنة في عملية صناعة الدستور وأن تضمن فيه، وعدد نماذج لبلدان وضعت المبادئ فوق الدستورية بتحصين لا يسمح بالانقلاب عليها.
محاضرات تثقيفية
ومن جهتها قالت مسؤولة إدارة التدريب والمناشط بهيئة محامي جبال النوبة سلوى سعيد عباس، في تصريح لـ (مدنية نيوز): هذه المحاضرة هي الأولى من سلسلة محاضرات أعدتها إدارة التدريب والمناشط للتعريف والتثقيف بالحقوق والواجبات وتمليك المواطنين ثقافة حقوق الإنسان.
تفاعل الحضور
ومن ناحيته وصف نائب رئيس مركز جبال النوبة الثقافي لتطوير اللغات الناشط عادل إبراهيم، في إفادة لـ(مدنية نيوز) ما تقوم به هيئة محامي جبال النوبة بالعمل الكبير، ونوه إلى حاجتهم لذلك العمل بشدة لمعرفة الحقوق والواجبات.
وبدورها أشارت الناشطة في مجال حقوق الإنسان وفاق بشرى، (من مكتب إعلام محامي جبال النوبة) إلى دور الإعلام في طرح القضايا التي تهم المواطنين وحقوقهم بكل شفافية.
دولة المؤسسات
وفي السياق أكد رئيس هيئة محامي جبال النوبة عبد العزيز دينار لـ(مدنية نيوز)، أهمية دور القانونيين في تمليك الرأي العام الطرق القانونية الصحيحة وإبراز الوجه المشرف لدولة المؤسسات وتبصير المواطنين بحقوق المواطنة التي تقود لوطن آمن ومستقر، وتطبيق شعارات ثورة ديسمبر التي نادت بالعدالة مرتركزاً للانتقال والتحول الديمقراطي، في وطن يحترم فيه التنوع والتعدد وتكفل فيه الحرية ويتحقق السلام والعدالة والمساواة، وقال إن نشاطهم سيستمر في سلسلة محاضرات للتوعية والتبصير وتثقيف المواطنين للوصول لوطن ينعم بالعدالة، وحل جذور الأزمة السودانية.