النساء ذوات الإعاقة.. الظلم المُركّب (1)
كتبت: صفية الصديق
عندما تستيقظ من النوم على صوت (أم بتّال)، وهي تئن من ألم وتقرُّحات الأصفاد وتتوسل والدتها بأن تفتح لها الباب لترى العالم والنور دون جدوى، فقط يخالجك شعور الغبن والظلم، فـ (أم بتّال) وُلِدت بإعاقة ذهنية وحركية هي وأخوها، ومنذ أن فقدت القدرة على الحركة نهائياً بشكل تدريجي تم حبسها وقيدها والداها بضغط من المجتمع (وعدم رغبة منهم في بذل أي مجهود في أشخاص يرونهم عالة) في غرفة (الجالوص) بملابس متسخة ومُهترئة تلتحف الأرض وتفترش سقف غرفتهم ذات الأغراض المبعثرة.
هي وأختها وأخوها، كانوا يُدخِلون لهم الطعام مثلهم مثل الأسود المفترسة المحبوسة في (القفص) لا اهتمام بصحتهم الشخصية ولا النظافة فوق كل ذلك يتمنى لهم أهل القرية الموت جهراً دون حياء ويتم تقييدهم بالسلاسل والحبال في حال أيام (الهيجان)، مات ثلاثتهم مقيدين بالحبال ولم يتم بكاؤهم بحُرقة كما يفعل مع الغير، بل كانت الدعاوات الخفية والمعلنة لوالدتهم من نساء القرية (الحمد لله هم وفات وبركة الله الشال أمانتو)، لكنهن لم يعرن هذه الأمانة أي اهتمام بل مارسن في حقها أقسى أنواع التعذيب التي تتنافى وأبسط أساسيات حقوق الإنسان.
معنى الكمال
تحكي (م. ن): أنا من ذوات الإعاقة الحركية (إعاقة بيدي ورجلي) متصالحة تماماً مع إعاقتي ورغم التمييز والتنمر كنت متفوقة في دراستي، حالياً أعمل بوظيفة مهمة إضافة لمواصلة مشروعي لنيل درجة الماجستير، مشكلتي الحقيقية هي أهلي (لحمي ودمي) فكلما يقرر أحد أبنائهم ترك الدراسة أو يفشل فيها يقولون له: ما ينقصكم ألم تروا حتى هذه المعاقة تمكنت من إكمال دراستها لا بل لديها وظيفة؛ يصرون دائماً بمناسبة وبدونها أن يشعروني بأنني ناقصة ولا أرى غير أن ليس بي ما يمنعني من أكون ما أريد سوى مجتمعي!. لم يقفوا عند ذلك الحد بل تدخلوا أكثر في موضوع الزواج، فكبار السن يريدون الزواج مني لا عن قناعة بل (دايرين يستأجروا فيني) الأعزب، من توفت زوجته، من لا يصلح للزواج، ذوو الإعاقات الذهنية كل هؤلاء يرى أهلهم أنه يجب أن يرتبطوا بي كنوع من الشفقة، ودائماً ما يقولونها لي صراحة (ما في راجل كامل بستاهلك)، وحتى اللحظة لم أفهم معنى الكمال لديهم.
(هي أذكاهم)
أخبرتني أنها حبيسة المنزل لأكثر من (40) عاماً وعندما قرر أهلها ترك القرية والسكن بالمدينة تركوها مع أخيها لكي تخدمه وزوجته، تبكي بحسرة لأنهم استغنوا عنها بعاملة منزلية بأجر!!.. تروي كنت استيقظ باكراً لإعداد (الكِسرة) من كمية تفوق (3) كيلو جرامات من الدقيق، وقبلها أخرج لجمع الحطب حيث أنه متنفسي الوحيد، وفور فراغي من إعداد (الكِسرة) علي أن أقوم بترتيب منزل به (7) شقيقات أنا ثامنتهم و(5) أشقاء، كل هؤلاء أقوم بغسل ملابسهم وكيها وترتيبها في (الدواليب)، تلبية كل طلباتهم بيد واحدة كما يقولون لي، فقد ولدت بإعاقة في يدي اليمنى لم تعطلني سوى من حبهم لي، يخجلون مني، لم أكن جزءاً من مراسم زواج إخوتي كان مكاني الدائم (بيت الخدمة) ينتهرونني وأنا كبيرتهم بأن أختفي من الأنظار في حال وجود ضيوف أو أي أغراب، يعاملونني مثل الآلة التي صُنِعت لتُريحهم، حُرِمت من التعليم مبكراً بدعوى ترك الفرصة لإخوتي القادرين على هذه المهمة!!.. أهدوني هاتفاً صغيراً بعد أن غادروا القرية لكي يطمئنوا على أشجارهم، أمتعتهم وكي يأمرونني بالمحافظة على المنزل وطاعة أخي الذي يصغرني بـ (10) سنوات، يقمعوني عندما أقرر الخروج لزيارة الجيران على الأقل ويستهزؤون من مشاركاتي في (الونسة) مع الأهل والأصدقاء، يضربون بي المثل في الغباء رغم أنني أذكاهم؛ وتتجاهلني أمي عندما تدعو لأخواتي بالزواج.
غياب من الأجندة
قصص ذوات الإعاقة تمتلئ بها كثير من البيوت السودانية، وفي أغلبها قصص تكشف حجم الحسرة والألم، تروي المواجع فكثيرات من ذوات الإعاقة يتم إيداعهن كـ(هِبة) لخدمة الشيوخ في الخلاوى، وأخريات يُحرمنّ من الحق في التعليم والصحة لأن المجتمع والأسرة لا يرون أنهنّ أولوية بل يعتبرونهن عبئاً عليهم يتخلصون منه بأي ظرف، حتماً ليست كل الأسر التي لديها بنات من ذوات الإعاقة، لكن ما يُروى من قصص يجعلنا نشعر بالخوف والرعب فكثير منهنّ مشردات لا يبحث عنهنّ الأهل ولا توفر الحكومة آلية لحمايتهنّ، وكثير منهنّ يتعرضنّ للمعاملات المهينة، الانتهاكات الجنسية، الحرمان من الحقوق الأساسية بسبب الإعاقة وليس هنالك من يسمع.
لم نسمع أبداً بسياسات تمييزية صالح النساء ذوات الإعاقة من حكومة الفترة الانتقالية، كما أنهنّ غِبن من أجندة النساء السياسيات ونساء المجتمع المدني المطالبات بدمج ومشاركة النساء في صناعة القرار.