السبت, يوليو 27, 2024
مقالات

أيهزل هؤلاء القوم أم هم جادون؟

بقلم: خالد فضل
ذكرت في مقالة سابقة أنّ الطبقة السياسية عندنا تجتر التجارب الفاشلة، تسوقها في مسميات جديدة، تصدق نفسها أنّها أتت بما لم تستطعه الأوائل، ثمّ جاء الإعلان السياسي مصدقا لما زعمته، حتى بعض القوى السياسية التي يفترض نظريا أنّها مشمولة بمسمياته يبدو أنّها تتحفظ عليه، باختصار شديد لا جديد في الإعلان، بل هو القديم نفسه يعاد ويكرر، وإنّي صراحة أعجب من التفكير الرغبوي الذي يتملك بعض من يتزعمون السياسة عندنا، ثم ينشئون من تفكيرهم ذاك جسما، ثم يصورون ذاك الجسم بأنّه فلتة زمانه، ثمّ رويداً رويداً يكتشف الناس أنّه عبارة عن عبوب، أمّا أصحاب براءة الإختراع فإنّهم يعرفون من البداية أصل الحكاية، لقد عشنا تجربة الإسلاميين نكبة نكبة كارثة إثر كارثة، خمجا وهزلا وفرقعات، وكان الحصاد مما نعيشه الآن، صدقوني لو أنّ راشدا جادا من بين طبقتنا السياسية أمسك ببرنامج الإسلالميين وكل ما طبقوه على رؤوسنا (باعتبارنا يتامى)، ثمّ مضى يفعل عكس ما فعلوه طيلة عهدهم الغاشم، لوجدنا أنفسنا أمام المعادلة الرابحة دون الحاجة لبذل جهد وعصف ذهني وتفكير كثير، فقط انظر فيما فعله الإسلاميون على مدار سنواتهم القاتمة وافعل ضده فقط، سيكون ذاك هو برنامج الخلاص الوطني، وبرنامج قوى الحرية والتغيير في مرحلة الدولة.
أمّا اجترار ذات التجارب البائسة، فإنّك لا يمكن أن تحصل على نتائج مختلفة بإعادة نفس التجربة لمليون مرّة، هذا في حكم البدهيات، دعونا نتأمل في الموضوع، ولعل المرء بحاجة لكتم الغيظ قبل الضحك، لأنّ شر البلية ما يضحك، قوى الحرية والتغيير نفسها تعلن عن نفسها من جديد، ثمّ تتلفت لتجد أنّ ما أعلنته هو تكتل لبعض قوى الحرية والتغيير المزعومة، وهو تكتل بين بعض الأحزاب التي تشكل الحكومة الإئتلافية الحزبية الانتقالية الحاكمة لا أكثر ولا أقل، لقد فشل الإعلان في ضم الحركة الشعبية / شمال قيادة عبد العزيز الحلو، وهي من أهم فصائل قوى الكفاح المسلح إن لم تك أهمها على الإطلاق؛ باعتبار أنّها الحركة الوحيدة التي تمتلك جيشا نظاميا مؤسسا منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، هذه فرضية واضحة لمن يسعى لتكوين كتلة انتقال جاد وحقيقي صوب مطلوب الثوار في ثورتهم المجيدة وصدحهم الداوي ب ( حرية سلام وعدالة) تشق ظلمات الديكتاتورية، وتحشد الشباب والنساء والأطفال وبعض الكبار حولها، غياب أكبر قوة كفاح مسلح عن مرحلة الإنتقال يجعل السلام حلما ما يزال، فما هو الجديد الذي يقدمه الإعلان السياسي الجديد للقوى القديمة ؟؟ هل تواطأت على طبيعة الدولة السودانية العلمانية، وبدون لف ودوران لا يمكن تصور عدالة وسلام وحريات تحت راية دولة منحازة تكوينيا لمعتقد أو عرق أو ثقافة، الدولة العلمانية ليست ضد الدين بل هي تحتفظ بمسافة متساوية من جميع الأديان التي يعتنقها البشر، وهذه هي الضمانة الوحيدة لبناء الدولة الوطنية السودانية ذات التركيبة السكانية المتعددة، وإذا كان بعض السياسيين المستهبلين يتصورون أنّ بامكانهم خداع كل الناس لكل الوقت فهذا وهم ! هناك الحزب الشيوعي السوداني، ومن ينكر الدور النوعي للحزب الشيوعي السوداني وقدراته السياسية والحركية فهو في واد العمى، كان الإعلان السياسي سيكون ذا قيمة عملية لو أنّه نجح في إعادة اصطفاف الشيوعيين إلى جانب رفاقهم في تحالف يحقق الانتقال الكامل للبلاد من مربع الفشل إلى رحاب البناء الوطني الرصين، الحزب الشيوعي تعرّض للضرب والتنكيل عبر كل أنظمة الحكم في السودان منذ الاستعمار، وفي فترة الديمقراطية نفسها في الستينات، وارتكبت ضد قيادته مجزرة بشرية لم ترتكب في تاريخ السودان منذ الإستقلال ضد أي حزب ؛ حتى حركات الكفاح المسلح لم يقتل من قادتها إلا أفراد معدودين مثل الشهيد خليل ابراهيم، فيما تمت تصفية كل قادة الصف الأول في الحزب الشيوعي تقريبا لم ينج إلا المرحوم محمد ابراهيم نقد بالإختباء حدث ذلك في أيام نظام مايو، أمّا في عهد الإنقاذيين فحدث ولا حرج، كيف تستقيم خطوات ثورة شارك فيها الشيوعيون بفعالية عالية ثم عادوا فعافوا خطوات سيرها وخط مشوارها ؟ الأوفق مناقشة الحزب الشيوعي السوداني للوصول معه إلى مشتركات، ولن ينفع التعميم، مثلما لا نفترض صحة موقف الشيوعي السوداني مطلقا، لكن لا يمكن تجاهل قراءته للموقف بأي حال، والشعور بالنشوة لأنّ حزب الأمة مثلا فك تجميده في مركزية قوى الحرية والتغيير أو أنّ المركزية ذاتها راحت في (شان الله)!!.
أما نازحو دارفور ولاجئوها، فإنّ معظمهم فيما يبدو يؤيد مواقف حركة عبدالواحد محمد النور، من حقهم أن يروا في الحركة ممثلهم، من حقهم أن يروا العدالة تتحقق والموت سمبلا يتوقف والإفلات من العقاب ينتهي، ساعتئذ ربما صدقوا أن هناك اتفاق سلام وليس اتفاق اقتسام وظائف!!.
لجان المقاومة بشبابها وشاباتها الذين قاوموا الديكتاتور وجها لوجه وصارعوه في الشوارع والأزقة والمعتقلات، ودفع بعضهم الثمن عاليا أرواح ودماء وإعاقات، لم ينتظروا مكاسب لأنفسهم بل تطوعوا لخدمة شعبهم، ماذا يرد لهم الإعلان السياسي الجديد من روح الثورة ؟؟ وقد أخرجوا المواكب وسيروا المليونيات تصحيحا للمسار في أكثر من مناسبة، فهل تمّ تصويب المسار بالإعلان السياسي الجديد أم تمّ توثيق الصلة بمسار الإنحراف؟؟.
عشرات الأسئلة التي تخطر على البال، وفي تقديري، التحالف الوطني الرشيد لم يقم بعد، تحالف المبادئ والقيم المشتركة لا تحالف المكاسب الوقتية والنظرة القصيرة، السودان مدمر هذه حقيقة، كل أوجه حياة الناس سيئة لدرجة تثير الشفقة، ومع كل ذلك لم تخرج الطبقة السياسية بخطة وتحالف رصين بين قوى الثورة، لا ننكر أبدا تضحيات وبسالة ومعاناة معظم مكونات التحالف القديم الجديد، ولكن كان العشم أن تكون تلك البسالات الجمعية والتضحيات الكبيرة بمثابة بوصلة هادية للمضي إلى المستقبل بخطوات واثقة على الدرب الصحيح رغم وعورته، الآن لا أرى جديدا فيما تمّ سوى التاريخ الذي أعلن فيه الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *