مجانية التعليم.. الحلم والواقع!!
بقلم الأستاذ: محمد دهب عبد ربه
بدءاً التحية والتجلة لمعلمات ومعلمي السودان الذين ضحوا بأعمارهم من أجل إنارة الطريق لتلاميذهم وتلميذاتهم ونشر الوعي والمعرفة في بلادهم والمساهمة في تقدم ورفعة السودان في نكران للذات فهم كالشموع يحترقون ليعم الضياء وتنتشر المعرفة ويغيب الجهل فحق لي أن أستعير ما قاله أحمد شوقي:
قم للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
والمعلم ركن ركين من أركان العملية التعليمية وهو أساسها وقوامها وبه تقوم وتستقيم العملية بأكملها، ويجدر بي أن أحيي آباءنا وأمهاتنا من المعلمات والمعلمين اللائي والذين رصفوا لنا الطريق لنتحمل معهم وبعدهم مسؤولية القلم الأحمر والطبشورة، لتتواصل الرسالة القيمة الرفيعة في استمرار المعرفة ونور العلم في مهنة الأنبياء.
وبجانب المعلم تحتاج العملية التعليمية لتصل حد الاكتمال لتلميذ وبيئة مدرسية ومناهج، لتكون العملية ذات جدوى وتخلص لمخرجات تفيد الأسر والمجتمع والبلاد ويعم نفعها كل العالم.
موضوع مقالنا اليوم هو مجانية التعليم بين الحلم والواقع، الحلم الذي أحيته أشواق ثورة ديسمبر2018م المجيدة لإزالة الفوارق الاقتصادية بين التلاميذ والتلميذات في كل السودان وتحقيق العدالة في فرص التنافس دون التأثر بالوضع الأسري، فالدولة معنية في المقام الأول بتوفير فرص التعليم المجاني خاصة في مرحلة الأساس.
وفي هذا المقال سأركز على بعض الإشراقات التي تحققت عبر ثورتنا المجيدة المشار إليها سابقاً عقب رفع شعار (مجانية التعليم) الذي أنجز بنسبة تقارب (80%) خلال العامين الماضيين وذلك بمجانية الامتحانات (امتحانات الفترة والنقل) بمنع إدارات المدارس من تحصيل أية رسوم من التلاميذ والتلميذات)، وقد تحقق ذلك بالفعل للفصول الصغيرة (من الصف الأول وحتى السابع) في مرحلة الأساس وفي المرحلة الثانوية للصفين (الأول والثاني)، وكان ذلك قبل أن يقطع انقلاب (25) أكتوبر الماضي الطريق أمام استمرار تلك التجربة التي بدأت الأسر تجني ثمارها، خاصة الأسر الفقيرة ذات الدخل المحدود التي تعاني الأمرين في سبيل المحافظة على فرص أبنائها وبناتها في التعليم.
وبالرجوع إلى تجربة النظام المخلوع الذي أسقطته ثورة ديسمبر نجد أن ذلك الشعار (مجانية التعليم) لم يكن متوفراً حيث اكتوت الأسر بنيران الرسوم المتحصلة من قبل المدارس، والمطلوب هو التحقق من قيمة تلك الأموال وأوجه صرفها، حيث كانت الرسوم تفرض حتى على تسجيل التلاميذ في الصف الأول بمرحلة الأساس، والصف الأول بالمرحلة الثانوية من قبل إدارات كثير من المدارس وفي بعض الأحيان تكون الرسوم دون علم مكتب التعليم، وفي عهد الثورة أصبح لمكتب التعليم دراية بعملية التسجيل، ولا يتم تحصيل رسوم إلا بالتراضي مع ولي الأمر أي أنها ليست شرطاً للتسجيل والقبول (غير إجبارية).
وفي العهد الذي أعقب سقوط النظام وخلال العامين المنصرمين تم تقديم منحة من الحكومة الانتقالية للمدارس كل حسب عدد التلاميذ فيها، هذه المنحة تصرف لتوفير الكهرباء والمياه والطباشير ومستلزمات التسيير لتجنب إثقال كاهل الأسر التي تعاني شظف العيش وتعمل جاهدة لتوفير لقمة العيش الكريم، وبتلك المنحة أزيلت التشوهات والشوائب التي التصقت بالعملية التعليمية حتى أثرت على النظرة تجاه المعلم نفسه وبالتالي الحط من قدر العلم والتعلم، لأن فترة النظام المخلوع شهدت تحصيل الرسوم بواسطة المعلمين في المدارس فتأثرت النظرة تجاه المعلم من قدوة ومثال وقائد ورمز يحظى بمكانة رفيعة إلى متحصل رسوم فتأثر المعلمون الأصلاء الحريصون على الحفاظ على مكانة العلم ومكانتهم المقدسة في المجتمع وعملوا جاهدين لتغيير تلك النظرة وذلك الواقع إلى ما هو أفضل.
وأعاد وقف تحصيل الرسوم للمعلمات والمعلمين هيبتهم ومسح ما علق من غبار على مكانة العلم وأعطى بارقة أمل للفقراء في مستقبل واعد بتحسين أحوالهم عبر مدارج العلم فكم من أسر فقيرة رفعها تعلم أبنائها درجات وتغير وضعها حتى أصبحت مثالاً يحتذى به!!.
ولم تكن الرسوم هي الإنجاز الأوحد في فترة العامين الماضيين، فقد تمت إزالة التشوهات في المرتب الأساسي للمعلمين وتمت إضافة البديل النقدي (مرتب ثلاثة أشهر)، ولم يكن ذلك موجوداً قبل الثورة التي شهد عهدها كذلك وقف الاستقطاعات من قبل النقابات الفرعية والنقابة العامة من مرتبات المعلمين، وقد أوقفت تماماً وما يستقطع حالياً هو فوائد ما بعد الخدمة والتأمين الصحي فقط.
هذه بعض الإشراقات التي حققتها ثورة ديسمبر المجيدة خلال عامين فقط بفضل تضحيات بنات وأبناء السودان، وهنا لا يفوتني أن أدعو بحسن القبول لمن نحسبهم شهداء بإذن الله تعالى وبينهم زميلنا المعلم الأستاذ أحمد الخير، والشفاء العاجل للجرحى والمصابين والعودة الآمنة للمفقودين، الذين قدموا أعظم التضحيات من أجل واقع أفضل انقطع الطريق إليه بفعل الانقلاب على الثورة وحال دون إكمال أهدافها، ويتبقى العهد لأصحاب التضحيات بالمضي قدماً في سبيل الغايات التي خرجوا من أجلها وتحقيق أحلامهم (عشان عيون أطفالنا ما تضوق الهزيمة).
هذا ما أردت قوله باختصار على أمل اللقاء بكم قراء (مدنية نيوز) في مرات قادمات للحديث عن الثورة وما تحقق في العملية التعليمية حتى تسمو بلادنا بعد تلك الجراح.