الأحد, أكتوبر 6, 2024
تقاريرسياسة

السودان وشراهة آلة الموت.. انتهاكات في الطريق نحو الدولة المدنية (1)

الخرطوم: نصر الدين عبد القادر

(3) أيام فقط وتبلغ العدة (3) أشهر كاملة على انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان دون أن تُطَهر آلة القتل من الدماء، بل ما تزال تواصل حصدها لأرواح الثائرات والثائرين الرافضين لقرارات الخامس والعشرين من أكتوبر والتي فضت شراكة الحكم بين العسكريين والمدنيين، وأسكنت شركاء الأمس خلف قضبان السجون وقيدت إقامة رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك، والذي عاد أو أعيد وفقاً لرؤية البعض إلى منصبه بعد اتفاق سياسي مع البرهان، قام الشارع برفضه، وكان تبرير حمدوك لفعلته تلك أنه أراد حقن دماء السودانيين، لكنها لم تُحقن، فاضطر الرجل للترجل من منصبه بحجة عدم توافق الساسة.. بينما يرى الثوار أنّ الأمر لا يعنيهم كما لا يعنيهم حمدوك نفسه بعد أن كان من أكثر الرؤساء شعبية في تاريخ السودان.

مجزرة (17) يناير

في (17) يناير الجاري وبينما كان مجلس الأمن يستمع إلى التقرير نصف السنوي للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حول الانتهاكات في السودان، كانت آلة حصد الأرواح تعمل بشراهة، فاكتظت المستشفيات بالمصابين الذين خرجوا في مظاهرة سلمية، ثم بدأت الأرواح تصعد إلى السماء شهيداً إثر شهيد حتى بلغوا (7) شهداء، وقد تجاوزت الإصابات بعبوات الغاز المسيل للدموع وشظايا الرصاص الـ (100) إصابة في ما تم وصفه بالمجزرة.

وبحسب بيانات الإدانة الأممية والمحلية للمجزرة، حيث اعتبرت من أكبر انتهاكات حقوق الإنسان، لتضاف إلى قائمة المجازر المصاحبة لكل مسيرة سلمية منذ صبيحة الانقلاب بحسب تسميته من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ودول الاتحاد الأوروبي والمنظومة السياسية، حتى من أولئك الذين كانوا جزءاً منه وعلى رأسهم رئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، الذي وصف ما يحدث للمتظاهرين من تقتيل بالمجزرة.

لم يكن في الإمكان أخذ إفادة من أهالي الضحايا أو رفاقهم في ذلك اليوم، فقد كانت القلوب تنز بالألم والدموع تفيض بالحزن والمأساة.. ومن أكثر المواقف تراجيديةَ أمام مستشفى الجودة بالخرطوم كان حضور رجل طاعن في السن، يسأل الطبيبة عن ابن له أخبروه بأنه مصاب، وأعطاها اسمه ووصفه، فإذا بها تعود بلسان يتلجلج حيث كان الفتى ممن اصطفاهم الله إليه في ذلك اليوم، فطلب منها العودة للتأكد مرة أخرى غير مصدق لرحيل فلذة كبده وسنده في الحياة… بينما كان شاباً يستعد للسفر خارج البلاد في منحة دراسية، فتأخر لأن والدته كانت في رحلة علاج من مرض السرطان بواحدة من دول الجوار…!

حصاد آلة الموت

بحسب آخر تحديث للجنة أطباء السودان المركزية بقائمة الشهداء بتاريخ العشرين من هذا الشهر، فقد بلغ عدد الشهداء 72 شهيداً من بينهم 67 إصابة بالرصاص المباشر، منها 29 رصاصة في الرأس، و6 رصاصات في العنق، و24 في الصدر، و6 شهداء سقطوا برصاصات مباشرة في البطن، بينما سقط شهيدان أحدهما برصاصة في الحوض والآخر برصاصة في الفخذ. أما الموت بعبوات الغاز المسيل للدموع فقد غيَّب (3) شهداء بإصابات مباشرة في العنق والرأس والصدر، بينما سقط شهيدان نتيجة للضرب المبرح على الرأس بحسب التقرير الطبي للجنة.

وبالرغم من أن الحراك الشعبي السلمي يقوم على أكتاف الشباب، إلا أن الموت لم يكن ليختصهم بالشهادة، فحصدت تلك الآلة الدراكولية (8) أطفال، وأنثى وشيخ سبعيني، والشاب الثلاثيني جون أشويل كورال من دولة جنوب السودان، والذي لم يعترف بالانفصال السياسي، فمات واقفاً أمام واحدة من المتاريس بأمدرمان في (19) من هذا الشهر.

القضاء ووكلاء النيابات يحتجون

في مشهد يؤكد تصاعد الحالة السودانية، تقدم ما يزيد عن (60) من وكلاء النيابات بمذكرة إلى النائب العام احتجاجاً على القتل الخارج عن إطار القانون للمتظاهرين السلميين والعنف المفرط .. مؤكدين على حق الجميع في التظاهر والتعبير عن الرأي، مع المطالبة بضرورة تقديم الجناة للمحاكم وتحميل السلطة الانقلابية مسئولية حماية المتظاهرين. وفي ذات الاتجاه أصدر نادي القضاة السوداني بياناً أدان فيه مجزرة (17) يناير، حيث اشتمل البيان على عدة نقاط أهمها: أن السلطات العسكرية في السودان قد خالفت كل المواثيق والعهود التي تكفل للإنسان حق التظاهر منذ انقلابها في الخامس والعشرين من شهر اكتوبر 2021 فقد مارست أبشع أنواع الانتهاكات ضد المتظاهرين العزل حيث وصل عدد الضحايا الذين سقطوا في تلك التظاهرات إلى أكثر من سبعين شهيدا، وعليه، وفي ظل هذه الانتهاكات الجسيمة المتمثلة في القتل خارج القانون والعنف المفرط الذي لم يستثنِ أحداً نعلن إدانتنا بأشد العبارات وشجبنا الشديد لهذه الانتهاكات ونؤكد من منطلق واجباتنا الدستورية والقانونية أن هذه الانتهاكات يجب أن تتوقف فوراً وألا تمر دون تقديم مرتكبيها للتحري الجنائي وتقديم مرتكبيها للعدالة وعدم إفلاتهم من العقاب. في ظل هذه الأوضاع يجد المواطن السوداني نفسه يعيش تحت ظل اللا دولة.

الاتحاد الأوروبي يدين بالإجماع

ومن جانبه صوّت برلمان دول الاتحاد الأوروبي بالإجماع على قرار حق الشعب السوداني في التظاهر، وقبل القرار أدان البرلمانيون الأوروبيون أحداث القتل المتفشية منذ انقلاب (25) أكتوبر، مطالبين السلطة العسكرية بضرورة الإسراع بتسليم السلطة لحكومة مدنية تلبي تطلعات الشارع السوداني وتحقق أحلامه في بلد ينعم بالحرية والسلام والعدالة والديمقراطية.

من سيوقف آلة الموت؟

سيقول كثيرون إنّ من بيده هذه الآلة هو من سيوقفها متى ما أراد.. لأن الطرف الثائر ضد الانقلاب لا يملك غير الحناجر الصادحة بهتافات الحرية والمشرئبة بأعناقها ناحية الانعتاق بصدور عارية غير آبهةٍ بمصيرها حرية كانت أم رصاصة.. بينما يدافع الطرف المناصر للانقلاب والمتمثل في مجموعة الخبراء الاستراتيجيين بأن الثورة بعد استشهاد عميد الشرطة علي حامد بريمة في موكب 13 يناير مطعوناً قد خرجت عن سلميتها.. وهو ما اعتبره الثوار اعترافاً بأن القتل قبل وفاة العميد كان رغم أنف السلمية، كما وأن الثوار ينفون صلتهم بمقتل العميد. وبين الاثنين يبدو أن جنرالات المجلس العسكري الحاكم ليس في رغبتهم التوصل إلى حل يوقف الموت غير الانتخابات.. وهو الأمر الذي تشك في مصداقيته المنظومة السياسية والثوار في الشارع الذي وصل به الاحتقان حداً لم يبلغه من قبل… غير أن التاريخ الإنساني يؤكد على أمر واحد، وهو أن السلاح لا يقهر إرادة الشعوب إذا قررت أن تقاوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *