الخميس, نوفمبر 21, 2024
تقاريرسياسةمجتمع

النساء في السودان.. ظلم قانون الأحوال الشخصية ومحاكم النظام العام

الخرطوم: عائشة السماني

(المرأة السودانية مظلومة من المجتمع ومن القانون السوداني)، هكذا بدأت السيدة (م . ع) حديثها لـ (مدنية نيوز)، وقالت: (انفصلت عن زوجي ولدينا بنت وولد وهو لا يصرف علينا ولذا ذهبت للمحكمة وطالبت بالنفقة، وحتى وقتنا هذا ظللت أتابع في المحكمة “3” سنوات ولم أحصل على حكم بالنفقة التي تعيش أبنائي).

مصاعب إثبات الدخل

وأضافت (م . ع): تطالبني المحكمة بإثبات أن طليقي ميسور الحال لتتخذ قرارها، ولأنه يعمل في التجارة الحرة فأنا لا أستطيع أن أثبت حجم دخله.

وواصلت: القانون يظلم المرأة المطلقة حين يطلب منها أن تثبت حجم الدخل لطليقها ولا يطلب من الرجل إثبات دخله، ولا تواجه المرأة المطلقة ظلم القانون وحده بل المجتمع والأسرة بالطلب من الزوجة أن تظل مع زوجها من أجل الأطفال حتى لو كانت تُضرب وتُهان كرامتها، وعندما تحصل على الطلاق فإن المجتمع لا يرحمها بالكلام والنظرات القاتلة.

لم تكن (م.ع) وحدها، بل هنالك مئات النساء اللائي تنظر قضاياهن أمام المحاكم من أجل النفقة، وقال المحامي سمير مكين، لـ (مدنية نيوز) أس، إن لديه حالياً (9) قضايا للمطالبة بالنفقة أمام المحكمة، ورأى أن النفقة التي تُقرر للمطلقة والأبناء بسيطة ولا تتماشى مع الوضع الاقتصادي الموجود في البلد، وأن قانون الأحوال الشخصية معيب وجائر على النساء اللائي يواجهن عبره مشاكل كبيرة.

ومضى سمير في إفادته بأن المحكمة تطلب أولاً من المرأة المطلقة إثبات الزواج ثم إثبات أن الأطفال أبناء طليقها، وإثبات أن الطليق ميسور الحال، وأبان أن لديه قضية في الوقت الحالي يقيم الزوج موضوع الدعوى فيها في ليبيا أي خارج السودان، وطلبت المحكمة من الشاكية أن تثبت أنه ميسور الحال حتى يصدر لها الحكم، ووصف القانون بالمعيب والمتحيز للرجل.

نهج النظام المخلوع

وعلّق المحامي سمير مكين، على القضايا التي تقام حالياً ضد النساء في محكمة النظام العام بالحاج يوسف، وكشف أن محاكم النظام العام لم تتغير وتسير بنفس العقلية والنهج الذي كانت عليه في عهد النظام المخلوع، وأوضح أن لديه في الوقت الراهن في (7) قضايا تخص بائعات خمور في محكمة الحاج يوسف، صدرت أحكام بالإدانة والحكم بالسجن والغرامة في جميعها، وأردف: (الآن في مرحلة الاستئناف)، ولفت إلى أن إحدى هذه القضايا في مواجهة امرأة مسيحية وجد عندها الخمر (حيازة)، ورغم أن التعديلات الأخيرة في القانون تضمنت عدم محاكمة المسيحي في مثل تلك الحالة، لكن المحكمة افترضت أنها سوف تبيع الخمر للمسلم ولذا حكمت عليها بالسجن (6) أشهر والغرامة (50) ألف جنيه سوداني، وزاد: (هذه القضية تم الاستئناف فيها ورفعت للمحكمة العليا وكل المحاكم أيدت الحكم، وحالياً هي في المحكمة الدستورية).

معاينة إثبات الدعارة

وذكر سمير مكين، أن أمامه قضيتان وجهت فيهما تهمة ممارسة الدعارة في النيابة، لكن لم تحكم المحكمة بالدعارة لأن الحكم لا يتضمن الغرامة رغم أن النيابة سجلت ممارسة الدعارة، وحولت المحكمة القضية للأفعال الفاضحة حتى تتم الغرامة لأن الموضوع كله جلب للمال وحكم على المتهمتين بالغرامة (500) ألف جنيه لكل واحدة.

وردد: (هذه القضية تمت فيها ممارسة غريبة من قبل القاضي، حيث طلب أن يقوم بمعاينة للبنتين وطلب منهما أن تخلعا “الصدرية” حتى يرى ما إذا كان هناك أثر للممارسة على صدريهما، وقال سمير: قام القاضي بذلك العمل المهين وفيه تعدٍ على جسد البنتين من غير وجه حق، ونوه المحامي سمير إلى أنه استلم القضية بعد الحكم وهي حالياً في مرحلة الاستئناف. وأشار سمير إلى أن لديه قضية أخرى تخص (8) بنات و(14) ولداً تم الحكم فيها بالأفعال الفاضحة، حيث كانوا في رحلة في حديقة وتهجمت عليهم الشرطة وتم ضربهن وإهانتهن إهانات بالغة ثم الحكم على كل واحدة (50) ألف جنيه والسجن (6) أشهر، وبيّن أن القضية في مرحلة الاستئناف. وأوضح المحامي سمير مكين، أن كل تلك القضايا تم الحكم فيها في محكمة النظام العام بالحاج يوسف أمام قاضٍ واحدٍ اسمه فتح الرحمن، ومن غير أن يكون للمتهمين محامٍ، وهي نفس محاكم النظام العام ونفس القضاء والهدف كله جلب الأموال.

رفض الحمض النووي

وواصل سمير مكين، في حديثه بأن هناك محاكم لا تبحث عن تطبيق العدالة، واستند على ذلك بوجود (3) بلاغات بالزنا وفيهم إنجاب أطفال وأنكر الرجال نسب الأطفال، ومضى للقول: (طلبنا أن يتم الإثبات عبر الحمض النووي حتى يتم قطع الشك ومعرفة نسب الأطفال ورفضت المحكمة الإحالة للكشف الطبي، وحتى المحكمة العليا رفضت التحويل للمعمل الجنائي لإثبات نسب الأطفال، وهذا إن دل إنما يدل على أن المحاكم لا تنصف النساء ولا تبحث عن حل حتى وإن كان موجوداً، واعتبر أن محاكم النظام العام مستمرة بعقلية (جلب الأموال وهي عبارة عن جبايات).

وفي ذات السياق قال مصدر عليم في الجهاز القضائي لـ(مدنية نيوز) إن هناك مطالبة بأن ترجع محاكم النظام العام بنفس النهج الذي كانت عليه في زمن النظام المخلوع وحتى تتم تغطية التكاليف الإدارية للمؤسسات العدلية، وكشف أن هناك شبه إجماع على عودة محاكم النظام العام بقوة من أجل الجبايات.

استهداف بائعات الخمور

ومن جهته تحدث موظف من داخل إحدى محاكم النظام العام في الخرطوم لـ (مدنية نيوز) بالقول: ما تزال محاكم النظام العام تعمل بنفس العقلية التي كانت في عهد النظام المخلوع وأنها لم تتوقف، وأضاف: (هي مستمرة في جلب الأموال والهدف الأساسي من هذه المحاكم هو الجبايات، وهي ما زالت تستهدف بائعات الخمور وما يسمى بالأفعال الفاضحة، حيث تستهدف أماكن الرحلات والتجمعات، ويتم استغلال خوف بعض الشابات والشباب من أهاليهم، والحكم عليهم بالغرامة فقط وتكون قيمة الغرامة عالية جداً وللقاضي والعسكريين نصيب من هذه الغرامات)، وذكر: حتى بعد الثورة وأثناء فترة حكومة رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك لم تتوقف هذه المحاكم، بل أصبح أغلب العائد يذهب للقضاء والعسكريين.

وكان تحقيق استقصائي أجرته الصحفية عائشة السماني، في عام 2017م في (7) محاكم للنظام العام داخل ولاية الخرطوم نشر في (شبكة عاين) ayin.com بعنوان: (محاكم-النظام-العام-غرامات-وابتزاز) خلص إلى نتيجة أن هذه المحاكم عبارة عن جبايات لخزينة الدولة وأيضاً للقضاء ومنسوبي الشرطة، وأن الحكم فيها يتم خلال (24) ساعة من غير وجود محامٍ يمثل المتهم أو المتهمة، وكشف التحقيق أن (80%) من إيرادات هذه المحاكم تأتي من بائعات الشاي والخمور ولابسات الزي الفاضح، و(70%) من إيراداتها من النساء الفقيرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *