الخميس, نوفمبر 21, 2024
تقاريرسياسة

التعثر الديمقراطي في السودان.. كتاب جديد للبروفيسور عطا البطحاني (11)

الخرطوم: حسين سعد
يناقش البطحاني في كتابه (التعثر الديمقراطي في السودان) أسباب فشل التجربة الديمقراطية الثالثة التي حلت عقب إسقاط نظام مايو العسكري بعد انتفاضة شعبية في أبريل 1985. والقوة السياسية خلف الانتفاضة كانت تحالف قوى الانتفاضة التي تشكلت من معظم الأحزاب السياسية ومعظم النقابات العمالية والمنظمات المهنية وقد انحاز الجيش إلى الانتفاضة الشعبية. وكما هو معتاد في إنتفاضات السودان الشعبية، كانت هناك فترة إنتقالية لعام واحد ابريل 1986. وخلال هذه الفترة، تشكلت حكومة إنتقالية، بقيادة مجلس عسكري ممثلاً رأس للدولة ومحتكراً السلطة التشريعية، وتولت التحضير للإنتخابات الديمقراطية. وقد ورثت الحكومة الإنتقالية اقتصاداً ضعيفاً، وحرباً أهلية متصاعدة في الجنوب، ومجموعة من القوانين الاسلامية المثيرة للجدل، أو ما يسمى بقوانين الشريعة أو قوانين سبتمبر1983. وهذه القوانين صدرت ونُفذت من قبل نظام نميري في 1983، مع دعم كامل لها من قبل حركة الاخوان المسلمين، التي كانت جزءاً من النظام حينذاك. وكان دافع النظام وحركة الاخوان المسلمين من تأييد ودعم قوانين سبتمبر التصرف على أساس المصلحة السياسية البحتة.

إلغاء القوانيين

وأضاف عطا انه من دون الدخول في التفاصيل، لابد من ملاحظة أنه كانت هناك مطالبة سياسية شعبية بإلغاء تلك القوانين لقد سعت القوى السياسية للانتفاضة لإزالة العقبات القانونية الموروثة من النظام السابق. إن أتباع الترابي، الذين يعيدون الآن بناء تنظيمهم السياسي بوصفه الجبهة الاسلامية القومية ، والذين دعموا القوانين غير المحبذة وكانوا جزءاً من النظام المخلوع، كانوا حقاً في وضع سياسي محرج جداً. ومن شأن بعض المحلِّلين أن يتصوروا أن الظروف التي سادت في تلك المرحلة السياسية كان يمكنها بسهولة إنهاء الاسلام السياسي في البلاد بسبب تعاون الجبهة الاسلامية القومية النشيط مع النظام السابق. ولكن الغريب بالنسبة للسودان أن العكس هو ما حصل. ففي ظل الجبهة الاسلامية القومية، وبمساعدة رأسمالهم المالي المتراكم، كان الاسلاميون قادرين على قلب الطاولة بوجه كل من يعنيهم الأمر، وشن الهجوم على الحكومة الإنتقالية (والقوى السياسية التي تمثلها)، ومعارضة التسوية السلمية للحرب الاهلية، وفرض طرح قضية تأييد الشريعة على المناقشة السياسية،وبرز عدم الاستقرار السياسي بحسب عطا فى تعدد وتقلب التشكيلات الوزارية اِذ جاءت أربع حكومات فى ثلاثة أعوام ولم تكمل دورتها:
(1) الحكومة الاولى من 1986 الى 1988 بقيادة الصادق المهدي (حزب الامة) رئيسا للوزراء وأحمد الميرغني (الاتحادي الديمقراطي) رئيس لمجلس السيادة.
(2) الحكومة الثانية من 1988 الى 1988 بقيادة الصادق المهدي (حزب الامة) رئيسا للوزراء وأحمد الميرغنى (الاتحادي الديمقراطي) رئيس لمجلس السيادة وحسن الترابي(الجبهة الاسلامية القومية) وزيراً للخارجية.
(3) الحكومة الثالثة من 1988 الى 1989 بقيادة الصادق المهدي (حزب الامة) رئيسا للوزراء وحسن الترابي (الجبهة الاسلامية القومية) (3) الحكومة الرابعة من 1989 الى 1989 بقيادة الصادق المهدي (حزب الامة) رئيسا للوزراء واِئتلاف واسع من الأحزاب.

الدسائس والمؤامرات
ويضسف البطحاني انه بعد 16 سنة من الحكم العسكري، أُجريت إنتخابات في مايو 1986؛ وفي يونيو شكّلَ الصادق المهدي الحكومة الأولى من خمس حكومات ائتلافية. إن لعنة ديمقراطية التعددية الحزبية، القديمة، في السودان قد عادت بكامل قوتها، بما في ذلك حبك الدسائس والمؤمرات، واِنتشار العلاقات المصلحية والمحاباة والمحسوبية، والسلطة الحكومية المشّخصَنة، مما قاد لإنعدام الإستقرار السياسي والتذمر العام، و في أقل من سنة، ألغى الصادق المهدي الحكومة وشكّلَ حكومة ائتلافية جديدة مع الحزب الاتحادى الديمقراطى والأحزاب الجنوبية. ومن زاوية تواصل الممارسات السياسية، تنبغي ملاحظة أنه عند حل الحكومات الائتلافية المختلفة التي شكّلها الصادق المهدي أثناء الديمقراطية الثالثة، فإنه لم يختر الانسحاب كرئيس وزراء. وهذا السلوك غير معتاد، طبعاً، في السياق البرلماني حيث تكون مسؤولية الحكم جماعية عادةً. وهو شبيه بالسلوك السياسي للأزهري أثناء الديمقراطية الثانية. والحادث الشهير الآخر الذي يدلل على تواصل الممارسات السياسية يخص معالجة مبادرات رئيس الوزراء عن السلام في ذلك الوقت. منحَ تحالف قوى الانتفاضة الأولوية لإنهاء الحرب الأهلية، ووقع إعلان كوكا دام، مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في مارس 1986. وكان ممثلو حزب الأمة ضمن الموقعِّين؛ ولكن الحزب الاتحادي الديمقراطي تغيبَ بشكل ملفت للنظر. وتضمنَ الاعلان إتخاذ خطوات مسبقة معينة تمهّد لعقد مؤتمر قومي دستوري، ومن بينها إلغاء قوانين الشريعة أو على الاقل تجميدها. ورغم توقيعها على إعلان، بيد أن الحكومة الائتلافية التي يقودها حزب الامة والتي تشكلت بعد الإنتخابات لم تحقق المستلزمات المسبقة المتفق عليها.

فشل الحكومات الحزبية

ويقول عطا من دون مناقشة التفاصيل التاريخية، سارع الحزب الاتحادي الديمقراطي للتوصلَ إلى اتفاق سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. ومن المعروف أن شروط اتفاق الحزب الاتحادي الديمقراطي والحركة الشعبية لتحرير السودان تشبه شروط إعلان كوكا دام، بما في ذلك تجميد قوانين الشريعة. وهكذا، لم يبقَ خارج عملية السلام حينذاك سوى الجبهة الاسلامية القومية. وربما بسبب الالتزام الايديولوجي لزعماء حزب الأمة بشكل ما للقانون الاسلامي، وربما لأنهم أرادوا حرمان الحزب الاتحادي الديمقراطي من الميزة السياسية من اتفاقه مع الحزب الاتحادي الديمقراطي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، فإنهم عارضوا اتفاق السلام بين الميرغني وقرنق ، كما أصبح يُعرف حينذاك. وهكذا رفضَ البرلمان، بما لديه من أغلبية ميكانيكية من حزب الامة و الجبهة الاسلامية القومية ، اتفاق السلام، ولكنه خوّلَ رئيس الوزراء التفاوض مع الحركة الشعبية لتحرير السودان مع الأخذ بالاعتبار كل اتفاقات السلام السابقة. وفي النهاية، تم رفض مبادرة سلام مكِّملة لتلك التي تم التوقيع عليها بالفعل، وتمت التضحية بعملية السلام على مذبح التنافس السياسي. ويشير البطحاني الي تعدد عوامل فشل الحكومات الحزبية نتيجة للتشرذم والتجاذبات السياسية لتعظيم الفائدة العاجلة على حساب المصلحة الوطنية، زيادة حدة الاستقطاب السياسي، بروز الاسلام الحركي والسياسي واِبتزازه للحزبين الكبيرين بدعاوى الدستور الاسلامي، الضيق بقيم ومبادىء الديمقراطية المتمثلة فى احترام القضاء والفصل بين السلطات.

الاسلام السياسي

واضح إذن انه وبالرغم من المحاولات لتغيير التركيبة الإجتماعية للسلطة السياسية والتحالفات السياسية بعد أكتوبر 1964م و بعد أبريل 1985م، إلا أن الطبيعة الاجتماعية للسلطة ظلت في الغالب كما هي. وظل التحالف العريض للقوى التقليدية – الراسمالية ـ البيروقراطية هو المسيطر على السلطة السياسية للحكم وذلك بالرغم من الاختلاف المؤسسي والدستوري في بنية الحكم من عهد ديمقراطي لآخر ديكتاتوري ما بين 1956 حتى عام 1989. إلا ن ما حدث فى عهد حكم الانقاذ الاسلامى 1989 – 2019 غير كثيرا فى بنية السلطة من حيث اختلت المعادلة ما بين الاطراف الحاكمة تاريخيا، وذلك باِضعاف أطراف القوى التقليدية والبرجوازية المحلية، مع تقوية أجنحة شبه الراسمالية ـ البيروقراطية، من قوات مسلحة وأجهزة أمنية مرئية وغير مرئية، ودعمها بفصائل تجار الحرب من مليشيات وحركات مسلحة، تغيير جذرى ذهب فى اِتجاه تضييق الاجتماعية للسلطة مع ربطها بقوى خارجية تتكالب على المخزون المواردى للبلاد. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *