النظام العام.. عودة المحاكمات والإيرادات وإهمال التعديل القانوني المتعلق بالخمور
كتبت: عائشة السماني
حكت (ت. س) إحدى اللاجئات قصتها وقالت إنها تم القبض عليها فيما يعرف بـ (الكشة) هي ومعها (5) نساء أخريات بسبب عدم حيازتها أوراقاً قانونية وحكم عليها بغرامة قدرها (500) ألف جنيه سوداني ولم تستطع الدفع في المحكمة لذا تمت إحالتها إلى السجن، ومكثت حوالي أسبوع إلى حين تمكنها من السداد وتم إطلاق سراحها.
ومضت (ت.س) في سرد حكايتها لـ (مدنية نيوز) أمس، بأن الأسبوع مرّ عليها وكأنه شهر تذوقت خلاله الأمرين بمعاملة قاسية جداً واضطهاد من سجينات أخريات ومعاناة من التزاحم في الحمامات القليلة مقارنة بالعدد الكبير من النساء الذي يبلغ ما بين (50-60) امرأة، في مساحة صغيرة جداً تسع أقل من العدد الموجود، وقالت إن أغلب السجينات من بائعات الخمور وجزء منهن لاجئات من إحدى دول الجوار ودولة أخرى عربية، ووصفت بيئة السجن بالسيئة جداً وأن رائحته نتنة.
عودة المضايقات
ومن جانبها ذكرت إحدى بائعات الشاي بالخرطوم لـ(مدنية نيوز) أن مضايقات الشرطة لهن بدأت منذ انقلاب (25) أكتوبر، حيث تأتي قوة من منسوبيها يومياً وتأخذ منهن مبلغاً من المال يصل ما بين (30-50) ألف جنيه، وكل من لم تتمكن من الدفع يتم رفعها هي ومعداتها وتؤخذ إلى محكمة النظام العام وتقوم بشراء ممتلكاتها مجدداً، وأشارت إلى استمرار المداهمات على بعائات الخمور، وأحياناً لا يجدون عندهن خمراً لكن يتم أخذهن ويكون الخمر الموجود كمعروضات قد أحضره أحد منسوبي الشرطة، وختمت حديثها بالسؤال: (هل أسست الشرطة لتعيش على عرقنا؟).
الغرامات والسجن
ومن جانبها قامت (مدنية نيوز) بزيارة محكمتين من محاكم النظام العام في ولاية الخرطوم، وأفادت المتابعات أن المحكمة الأولى تحكم يومياً حوالي (20) امرأة كلهن من بائعات الخمور، وذكر مصدر مطلع أنه في البدء يتم الحكم عليهن بالغرامة التي تتراوح ما بين (200-300) ألف جنيه، وفي حالة عدم الدفع يكون السجن وفي الغالب تكون فترته (3) أشهر.
وفي المحكمة الثانية كشفت المتابعات عن إحضار ما بين (10-15) شخصاً يومياً من اللاجئين أغلبهم من النساء وبعضهن بائعات شاي وتتراوح الغرامات ما بين (500-700) ألف جنيه، وأن الأغلبية منهن يسددن الغرامات عقب الحكم داخل المحكمة.
وأبانت مصادر مطلعة أن محاكم النظام العام رجعت تعمل بكثافة وتحصل على إيرادات مقدرة، هذا خلافاً للمساومات التي يقوم بها بعض منسوبي الشرطة مع بعض المتهمين ويحصلون منهم على مبالغ كبيرة جداً مقابل إخلاء سبيلهم.
رؤية قانونية
ومن جانبها أوضحت المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان يسرا كرم الدين، لـ (مدنية نيوز) أن قضايا النظام العام منذ نشأته هي مصدر إيرادات للدولة التي تتحصل مبالغ هائلة أغلبها من قضايا متعلقة بـ (الخمور، الآداب العامة، واللاجئات) حيث يتم إحضار المتهمات بأعداد كبيرة وبصورة دورية، وتمكث المتهمة في الغالب نحو أسبوع في السجن وتخرج بعد سداد الغرامة، ويمكن أن يتم إحضارها مرة أخرى، وقالت يسرا: (إذا لم يتمكنّ من السداد فإنهن يستهلكن موارد السجن التي يفترض أن تكون موفرة للنزيلات ذات الأحكام الطويلة سواء كانت موارد صحية أو غذاء أو غيرهما.
إهمال التعديل
ولفتت المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان يسرا كرم الدين، إلى عمل النظام العام رغم تعديلات القانون في سنة 2020م في مواد التعامل بالخمر التي جوّزت لغير المسلم بيع الخمر وعرضه وشربه، لكن لا يحق التعامل به مع المسلم، وقالت: (لكن لا يوجد تحقيق فيما إذا كانت الخمر قد بيعت لمسلم أو غيره من أصحاب الديانات الأخرى)، ونبهت إلى أن أغلب منسوبي الشرطة يعملون بالعقلية القديمة وهي عقلية ما قبل إجراء التعديلات القانونية (عقلية الكشة)، وأضافت: (حتى إذا لم يجدوا تعاملاً ببيع الخمر ولم تتم حيازة الخمور أو ضبط أحد يشرب الخمر ووجدوا المواد التي تعبأ فيها تتم الكشة).
تجديد التأكيد
وجددت المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان يسرا كرم الدين، التأكيد على أن المحاكمات في قضايا النظام العام تعتبر مصدر دخل لمحاكم النظام العام، حيث توفر موارد عالية، وأبانت أن الغرامات حالياً تتراوح بين (100 -150 – 200) ألف جنيه في قضايا الخمور.
وفصلت يسرا، بأن القضايا المحكومة في الغالب في تلك المحاكم هي قضايا الخمور، الهجرة واللاجئات وما إذا كان لديهن أوارقاً ثبوتية أو إذن عمل، وقالت: هؤلاء (كشاتهن) كثيرة جداً لأن بعضهن يعملن في بيع الشاي والأخريات في المطاعم والكافتريات، وكررت قولها بأنهن يعتبرن مصدر مصدراً كبيراً للإيرادات، ووصفت قيمة غراماتهن بالكبيرة جداً وتبلغ (200) ألف جنيه وفي البعض الأحيان (500) ألف جنيه، وأبانت أن المحكومات يفضلن الدفع على العقوبة البديلة المتمثلة في السجن.
عمل في ظل الفترة الانتقالية
وفي ذات السياق أكد مصدر مطلع من داخل محاكم النظام العام أنها لم تتوقف، وأنها كانت تعمل حتى في ظل حكومة الفترة الانتقالية عقب سقوط النظام عبر ثورة ديسمبر، وأفاد بأنها كانت موجودة وتمارس عملها (لكن بصورة أقل وعلى نطاق ضيق).
وأبان المصدر ذاته أن تلك المحاكم منذ فترة حكومة النظام المخلوع (الانقاذ) كانت تمثل مصدر دخل أساسي للجهاز القضائي، وكشف أنه حتى عندما توقفت كانت هناك أصوات داخل وزارة العدل تطالب بعودتها من أجل توفير الإيرادات.
وذكر المصدر أن محاكم النظام العام عادت بقوة بعد انقلاب (25) أكتوبر، وأن سقف الغرامات أصبح عالياً جداً ويبدأ من (100) ألف جنيه، وزاد: (أحياناً يصل مليون جنيه) أي (مليار جنيه بالقديم).
وفي مارس 2021م كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد ضجت بآلاف المناشير والتعليقات التي تتحدث عن عودة النظام العام، وذلك بسبب تصريحات لمّح بها مدير عام شرطة ولاية الخرطوم آنذاك عيسى آدم إسماعيل، بعودة قانون النظام العام، لكن وزارة الداخلية سارعت بالنفي عبر بيان وقالت إنها ملتزمة بمعطيات المرحلة، وليس هناك أي اتجاه لعودة تشريعات توافق الشعب على رفضها وعلى رأسها قانون النظام العام الذي أعلنت أنه لن يعد بأية صورة من الصور.
لكن في سبتمبر 2021م تعرضت فتاتان والمحامي الفاتح حسين، للاعتداء والضرب والاحتجاز بواسطة أفراد ما يعرف بـ (الشرطه المجتمعية) التي حلت محل شرطة النظام العام، ومن تلك الحادثة ظهر النظام العام بصورة واضحة، وعقب انقلاب (25) أكتوبر الماضي بشكل أقوى.