السبت, يوليو 27, 2024
مقالات

لا للعنصرية نعم للسلام والتسامح والتعايش(1)

بقلم: حسين سعد

حصدت المصادمات القبلية الدامية المئات من الارواح وتسببت في إصابات بعضها خطيرة، وحالات نزوح وتهجير فضلا عن فقدات للمتلكات، ووجد السودانيون أنفسهم كل ليلة في مواجهة العنصرية وخطاب الكراهية التي غرسها النظام البائد بشكل ماكر، وبعد انقلاب 25 إكتوبر مضى الانقلابيون في ذات الطريق وظلت بعض التصريحات تغذي تلك النار والفتن، ووجد خطاب الكراهية والعنصرية، حاضنة خصبة وفضاءا رحبًا، وزادت معه التحديات التي يواجهه الانتقال المتعثر في السودان، ونجد ان أسباب إنتشار خطاب الكراهية والعنصرية يعود لحزمة من الاسباب من بينها المحاصصات القبلية في السلطة والصراع علي الموارد الطبيعية، والهجمة على الحريات والديمقراطية، ويهدد خطاب الكراهية والعنصرية السلم الاجتماعي، ويتسبب في بعض الأحيان إلى اندلاع حرب أهلية ويساهم في تقسيم المجتمع، ويقود أيضًا إلى ترسيخ ممارسات عنصرية قد تصل إلى حد ارتكاب المذابح والحرب الأهلية، مثلما حدث في المانيا وكمبوديا والبوسنة ورواندا خلال تسعينيات القرن الماضي حيث لعبت وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في إذكاء تلك المذابح والتشجيع عليها.

ست عقود من الدماء..

فخطاب الكراهية هو المنبع الأول للإرهاب وللحروب، لذلك فيجب تحصين أفراد المجتمع ضده، لأنه من الصعب جداً تكميم تلك الأفواه التي تنشر السموم بين الناس، وأهم وسائل التحصين هي تعزيز القيم الإنسانية المشتركة كنبذ العنصرية والدعوة للمساواة واحترام الاختلاف والتعددية الدينية والفكرية والإجتماعية، فخطاب الكراهية المعتمد علي الشتائم واثارة الفتنة لايمكن ان يخدم اي مجتمع او بلد في العالم اللهم الا اذا كان ذلك البلد يهوي الفوضي والاضطراب السياسي الذي لاينتهي الا بمصائب علي الجميع كما حدث في رواندا. واليوم وبعد مرور اكثر ست عقود قضتها بلادنا في أتون الحروب الاهلية سالت من خلالها دماء عزيزة الى جانب انتشار العنصرية والقبلية علي حساب الهوية الوطنية وتمزق وحدتنا وانفصال جزء عزيز من السودان وهو انفصال الجنوب وتشريد ملايين السودانيين نازحين ولاجئين داخل وخارج السودان فاننا مدعوون جميعاً للابتعاد عن لغة القبيلة والعنصرية وكل ما من شأنه استهداف فئة مجتمعية بذاتها، وتفادي منزلقات الكراهية التي تمنهجت في الفترة الأخيرة، فمجتمعنا اليوم بحاجة ماسة إلى التسامح وادارة تنوعا العرقي والثقافي والديني بحكمة وغسل كل الأحقاد والكراهية لأن العالم اليوم بات يهتم بمجتمعاته وأن الثقافات والهويات المختلفة والمتناقضة بدت متعايشة وغير متنافرة وأن الحياة لم تعد تتصارع بشكل دموي بل تتنافس بسلمية وديمقراطية وأن المجتمعات الذكية غدت تسعى للحصول على مكتسبات أكبر.كما أن ثقافة الكراهية لابد أن ازالتها من العقول والأنفس وأن تعمل كل وسائل الاعلام والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني على استئصالها.

الحرب أولها كلام..

خطورة خطاب الكراهية في دعواته المباشرة وغير المباشرة لممارسة العنف وتبريره، فخطاب الكراهية هو خطاب تحريضي في المقام الأول يهدف إلى إشعال كل انواع العداوات، محترفو خطاب الكراهية يحاولون دائما نبش قبور الموتى لتعكير حياة الأحياء، ويجهدون انفسهم في البحث عن بقايا الخلافات التاريخية لتظل جذوة النزاعات والفتن مستعرة سواء أكانت بين العرقيات المختلفة أو بين مذاهب الدين الواحد، أو بين أبناء الأديان المختلفة،هناك عدة فئات وأصناف من خطباء الكراهية فهناك فئة من السياسيين الذين يمتهنون نشر الكراهية والتحريض عليها وهؤلاء خطرهم كبير، فجميع الحروب تبدأ بخطبة كراهية عصماء، وهناك فئة أخرى من مثيري الكراهية محسوبة على أهل الدين وهناك كذلك نوع من خطاب الكراهية يعمل على المستوى الإجتماعي، حيث يوجه إهتمامه وكراهيته لفئة من الناس أو لمجموعة عرقية داخل المجتمع للنيل منها وإلصاق كل التهم بها، ومن الممكن قياس مستوى تغلغل خطاب الكراهية في المجتمع من خلال قياس مستوى العنف اللفظي الممارس في الحوارات العابرة في الشارع أو في الحوارات التي تتم عن طريق الإنترنت، فالعنف اللفظي هو إنعكاس صادق لمستوى الكراهية والإحتقان النفسي.فعندما يختلف أحد هؤلاء مع قضية فكرية فإنهم يشنون حربا تحريضية ضد صاحبها ويعمدون إلى النيل من كرامة وسمعة ذلك الإنسان والحط من قيمته، (تلميحاً أو تصريحاً) او من خلال تلفيق الإشاعات.

توظيف العنصرية..

كثيرا ما يتم توظيف خطاب العنصرية من أجل السلطة وتحقيق مكاسب إقتصادية وهنا يمكن ان نشير للعديد من هذه الحالات علي مستوي بلادنا والعالم اجمع وكما قال الامين العام للامم المتحدة (ان الكراهية خطر محدق بالجميع ) أيضا هناك توظيف سياسي ،واعلامي وديني للعنصرية ،ويعتبر الاخيرمن أخطر أشكال العنصرية وأكثرها تغلغلا في وعي الانسان فقد رفع الصرب في يوغوسلافيا القديمة شعار الشعب المغبون، مدّعين أنهم كانوا يشاركون في كل الحروب العادلة إلى جانب الحلفاء، خلال الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، لكن نصيبهم السياسي كان معدوماً باستمرار. ولذلك إدعوا العمل على تحصيل هذه الحقوق السياسية والتاريخية المهضومة، بقوة السلاح، بعد إنهيار يوغوسلافيا السابقة، لكن مؤسسات دولية، كمنظمة الأمم المتحدة، حاولت من ناحيتها استكتاب مفكرين عالميين كباراً للتذكير بأهمية شرعة حقوق الإنسان التي أطلقتها الثورة الفرنسية قبل قرنين من الزمن. كما أن عدداً آخر من هؤلاء المثقفين قد قام بتأليف كتب رصينة جداً تظهر زيف المقولات العنصرية، واعتماد البشرية جمعاء، في السابق كما في الحاضر، على التنوع الثقافي كأساس للتبادل الحضاري. ومن أبرز هذه المؤلفات كتاب الأنتروبولوجي الفرنسي كلود ليفي ـ (شتروس العرق والتاريخ).

العنصرية والتعصب..

وبحسب الكاتب إيان لوو في كتابه(العنصرية والتعصب العرقي من التمييز الي الابادة الجماعية) تتدرج أشكال الممارسات العنصرية من أخفها وطأة التمييز الي أكثرها دموية وهي الابادة الجماعية والتطهير العرقي،ومن أبرز أشكال التمييز كما وضح (إيان) ذلك النوع المنطوي على الحرمان من الحصول على الفرص المجتمعية و استخدام اللغة الازدرائية التي تميل لأن تكون عدوائية مصحوبة بنكات عنصرية، ويبدو أنه من النوع الصعب أن نجد دولة في العالم أو مجتمعآ صغيرآ ينجو من الوقوع في آفة العنصرية القائمة على التمييز فأغلب المجتمعات الإنسانية تتجاهل المساواة في الجوهر الإنساني او المساواة الوجودية التي خلق الله البشر عليها، فلكل فرد وجود انساني حر ،و يندر ان نجد دولة من دول العالم اليوم لا تعاني فيها جماعات بشرية ما من غياب المساواة في فرص العمل و التعليم و الرعاية الاجتماعية سواء على اسس من الطبقة او الجنس اوالعرق أو معايير الاستبداد الأخرى و في ظل استقطاب الثروات و الموارد و تركزها في كثير من الأحيان في أيدي جماعات بعينها تظل جماعات بشرية اخرى داخل الدول والاقاليم محرومة من عدالة إعادة توزيع الدخول و الثروات والعوائد. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *