الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

الصين والقرن الإفريقي (27)

بقلم: حسين سعد
نخصص في المحور الثاني والاربعون من سلسلة حلقاتنا التي نحاول من خلالها متابعة (الازمة السودانية والتطورات الاقليمية والعالمية والمحلية)،وفي هذه الحلقة نتابع أهمية القارة السمراء بالنسبة للصين التي تتبع الدبلوماسية الناعمة التي تشمل الثقافة ، والقيم السياسية والعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية ،كما تعتمد الصين على رفض التدخّل في الشؤون الداخلية للأمم الإفريقية، كما تعتمد على كونها حليفاً لإفريقيا، وعلى تقديم خدمات وقروض ومشاريع صناعية وتنموية، ولا شك أن هذه السياسة تدفع الصين لتحقيق نفوذ اقتصادي، وعسكري عالمي أكبر من نفوذها الحالي،وقد لعبت الصين على كل جوانب هذه القوة الناعمة في تقديم نفسها كنموذج اقتصادي محبوب يقترب من النمط الإفريقي، حيث تشغيل العمالة البشرية بصورة أكبر من الآلة، والاستناد إلى مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية، وتشجيع شركائها التجاريين الإفريقيين لتطوير اقتصادهم من خلال التجارة والاستثمار في البناء التحتي والمؤسسات الاجتماعية، دون فرض شروط سياسية أو إصلاحات اقتصادية. وتستخدم الصين أدوات القوة الناعمة من خلال دعمها للدول الإفريقية اقتصادياً عبر رعاية الصين لـ (منتدى تعاون الصين وإفريقيا) الذي أنشئ بمبادرة من بكين عام 2000م، وإنشاء مجلس الأعمال الصيني – الإفريقي بغرض دعم استثمارات القطاع الخاص الصيني في كل من: الكاميرون، وغانا، وموزنبيق، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، وتنزانيا،وسعي الجامعات الصينية إلى تقوية العلاقات بالمؤسسات الإفريقية، وهذا يؤدي إلى إنشاء الروابط الدائمة بين المؤسسات الصينية والإفريقية والأشخاص.بجانب ترويج (دبلوماسية الصحة) مع الشركاء الإفريقيين.
التواجد الصيني..
يعود الحضور الصيني في القارة إلى التقدم الذي شهدته السياسة الخارجية الصينية، و ما صاحبها من تصاعد دور ونفوذ الصين كقوة عالمية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم في ظل سياسة الهيمنة والقطب الواحد. اتجهت الصين إلى سياسة التوسع والعمل على التوازن الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، والبحث عن أحلاف لها لإثبات وجودها ونفوذها، حيث وجدتهم عبر القارة الإفريقية من خلال شركاتها التي ترعاها الدولة، وتديرها مؤسسات، هدفها تأمين مصادر النفط. واستطاعت الصين خلال سنوات قليلة أن تصبح الشريك الذي يلي الولايات المتحدة وفرنسا في القارة الأفريقية، حيث تضاعفت التجارة بين الصين وإفريقيا إلى أضعاف منذ بداية هذا العقد، فقد ارتفعت إلى 36% في عام 2005، إلى 39.7 بليون دولار، بناء على الإحصائيات الصينية الرسمية، بالإضافة إلى توقيع عدد كبير من الصفقات والعقود التجارية، بلغت قيمتها حوالي 2 بليون دولار.قامت الصين بتمويل وتنفيذ مشاريع تنموية في دول المنطقة بدأ من جيبوتي التي تعتبر المحطة الأولى والبوابة الرئيسة للمنطقة، فقد مولت الصين عددا من المشاريع التنموية، ومنذ اليوم الأول لتدشين منتدى التعاون الصيني الإفريقي عام 2000، قدمت بكين 16.6 مليون دولار لتمويل المشروعات التنموية في جيبوتي وحدها، ووفقا للموقع المعني بالتنمية الاقتصادية المتبادلة بين الصين والقارة الإفريقية، فقد قدمت بكين مساعدات غذائية بقيمة 1.75 مليون دولار خلال الجفاف الذي ضرب جيبوتي عام 2005، فيما أغدقت على بناء مقر جديد لوزارة الخارجية الجيبوتي يتكلف 2.41 مليون دولار.
الصين وأثيوبيا..
أما بالنسبة لإثيوبيا فإن الصين تزود اثيوبيا بكميات كبيرة من المساعدات الخارجية، المرتبطة في الأغلب بمشاريع البنية التحتية التي تقوم بها الشركات الصينية، وتتزايد الاستثمارات الصينية في الاقتصاد الاثيوبي مع استيراد السلع الاستهلاكية الرخيصة من الصين وتزايد صادرات إثيوبيا للصين أيضا،وتولي الصين لإثيوبيا اهتماما بالغا بشكل رسمي إذ تعتبرها في المقام الأول كسوق أساسي وكمصدر رئيسي لتصدير منتجاتها، بما في ذلك النفط والغذاء، ولأن الصادرات الصينية تتوسع مع استمرار النمو الاقتصادي السريع لإثيوبيا ذات الكثافة السكانية العالية،وخلال زيارة رئيس الوزراء الصيني الى أثيوبيا منتصف عام 2014 وقع وزراء ورجال الاعمال المرافقون له على ستة عشر اتفاقية مع نظرائهم الأثيوبيين، وهذه الاتفاقيات شملت اتفاقيات تمويل وقروض ومساعدات اقتصادية لتشييد طرق ومناطق صناعية. كما قام رئيس الوزراءالصيني أثناء تلك الزيارة بالمشاركة في افتتاح أول طريق سريع بطول 80 كيلومتر يربط العاصمة الإثيوبية اديس ابابا بالطريق الذى يمر بجنوب البلاد ويمتد إلى ميناء جيبوتي، وتم تشييده بقرض من بنك الصادرات والواردات الصيني. وفي عام 2014 كانت تعمل فى إثيوبيا أكثر من 500 شركة صينية باجمالي استثمارات تفوق 1.5 بليون دولار. والأمر ذاته حدث مع الصومال، ففي الفترة من عام 2000 إلى عام 2011، تم إطلاق حوالي سبعة مشاريع تنموية صينية في الصومال. وفي المقابل وقعت شركة بترول مملوكة للدولة الصينية في يوليو من عام 2007 اتفاقا مع الحكومة الصومالية للتنقيب عن النفط في إقليم مدغ والذي يتمتع بحكم ذاتي.
والحضور الصيني في دول المنطقة لا يقتصر على دول القرن الأفريقي الأساسية، بل يمتد وبكل عمق الى جميع دول منطقة شرق أفريقيا، حيث ساهمت الشركات الصينية في التنمية الاقتصادية السودانية، ففي نوفمبرعام 2016، أعلنت السودان عن وجود 126 شركة صينية استثمارية على أراضيها، أوصلت تلك الشركات قيمة الاستثمارات الصينية في السودان إلى 15 مليار دولار في كل المجالات، وقد دخلت الصين بوابة الاستثمار في السودان خلال تسعينيات القرن الماضي من بوابة قطاع النفط.
وللصين حضور في كل من اريتريا وجنوب السودان بشكل متفاوت، كما أن لها استثمارات ضخمة في كينيا ويوغندا ابعض الدول الواقعة في منطقة شرق أفريقيا بشكل عام، ويعتبر شريكا مهما في تنمية العجلة الاقتصادية لتلك الدول. يذكر أن الحضور الصيني في المنطقة المتمثل في تقديم المساعدات الانسانية والتنموية لدول المنطقة إضافة إلى الاستثمارات الضخمة والتبادل التجاري والتواجد العسكري بات يؤرق مضاجع القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *