حكاية نازحة.. حربٌ على جسدي
كتبت: صفية الصديق
كانت “حواء” طفلة بريئة القلب، كل ما يهمها هو العودة من الدراسة لتكمل ما تركته من لعب في يومها السابق، لتعود لمنزلها ليلاً لتستمع من أمها للأحاجي وحكاوي سلطنات دارفور، لم تكن تسمع غير حكاوي السلام، هجرات الأهالي لأداء الفرائض الدينية وهجرات تجار منطقتها، لم تسمع يوما ما سوى ما يجعل قلبها ينبض بالحياة وتحلم بحياة أكثر من الحياة؛ كانت لا تعرف سوى الآمان ولم تتخيل سواه.
لم تكن حواء تعلم ما يخططه تُجار الدين لمستقبلها، فهي لا تعرف حدوداً أبعد من قريتها وإقليمها ليس جهلاً لكن كلنا كان مكتفياً بعالمه الذي لا ينقصه شئ!!.. في ذات يوم عادي ذهبت لمدرستها، كانت الأمور تسير طبيعية إلى أن دخل عليهم- نازعو السلام من قلب السودان- نزعوا أمان طفلات قتلوا حرقوا واغتصبوا بريئات يصدح صوتهنّ بالقراءن- قُتِلن وروعِنّ بأيدي من يزعمون أنهم حُماة الدين- لكنه الدين بشكلٍ أبيض وشعر ناعم-.
ماتت حواء فعلياً مع رفيقاتها- وخرجت جسدا يردد: إذا زُلزِلت الأرض زِلزالها- هامت بوجهها وهي ذات عشرٍ وجدت مدينتها “ممسوحة” من الأرض- محروقة- كيف لها أن تعيش بدون أهل- يا للهول إلى أين ستذهب- لم تفكر يوماً أنها ستكون بلا أهل، لا مأوى ولا كرامة- هل فكرتي يوماً عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ في حواء (ات) واجهن الحياة بلا سند؟!! إنها حكاية كل يوم-
فرّت هي مع من نجوا من الموت بأعجوبة- كانوا يحملون ما تيسر من هموم وكانت تحمل هي حقيبتها وذكريات دماء!.. ركضت لأيام لتخرج من دائرة موت الجسد، استقرت مع أناسٌ لا تعرفهم ولا تعرف لماذا هي الآن هنا وكيف ستعود وأين أهلها- أيامٌ بلا مأوى ولا أهل ولا زاد- زادها أنها لا تستوعب هذا- فاقت على حقيقة أنها مع أسرة جديدة جمعهم المُصاب وأصبح عليها أن تستوعب أنها الآن وحيدة بلا أهلّ!.. وإن كان علي أن أعيش بذكراهم!!.. كيف لي أنا ألتي كنت أزرع وأحصد وآكل من عرقي أن أمد يدي لحفنة عيش؟!.. يا إلهي إنهم الأهل والكرامة- فقدت حواء كل شئ.
تنام يومياً وتستيقظ على أمل إنجلاء الحزن ومعه تنهض أيضاً بإنتهاكات أخرى وحروبٌ لا ترضى أن تفارق جسدها- سارت الحياة وهي تعيش حكايات حرب يومية، خرجت من مأمنها (معسكرها) هاجموها واغتصبوها، حرقوا معسكرها، توقف حلمها بالدراسة، وقررت الزواج مبكراً قتلها زوجها الذي لم ينجو هو أيضاً من هول الحياة هناك.. إذ كانت نجاتها الكبرى أنها غادرت لبارئها وهي لا تعرف مصيرها ومصير أهلها عاشت قرابة العقدين من عمرها وهي تبحث عن الحياة وتركتها بذكرى أطفال من جسدها لا تعرف حتماً مصيرهم.
هي حكاية كل نازحة تنجو من الموت الأكبر للحياة الأعظم فلم يستسلمن يوماً للهزيمة، إلا أن إرادة القدر أحياناً ترسم مصير حواء لناجياتٍ كثيرات، ولا زالت، ففي منشور اليوم بصفحة الناطق الرسمي للمنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور آدم رجال ذكر: (أن عملية الاغتصاب والتحرش الجنسي من قبل المليشيات سلاح ظل يتم استخدامه باستمرار لاستفزاز مشاعر الضحايا وذويهم ولتغيير التركيب الديموغرافي بدارفور). قبل أن ننسى فحواء وغيرها من الناجيات من أهوال الحرب، نجون بأطفال اغتصاب ممنهج لتغيير التركيبة السكانية هناك.