الخميس, نوفمبر 21, 2024
Uncategorisedمقالات

السودان في أحوال أبلده أم قاش.. و ود أبوك !

بقلم : محمد بدوي

في منتصف التسعينات دفع القاموس الشعبي بلفظة ” بلده” في أواسط  عساكر الجيش لتعبر عن  ” دفعة ” في سياق التحايا بين العساكر  في الأماكن العامة تحفيزا لتضامن مستند على المهنة، وجاء السياق مرتبط بالفضاء العام الذي اكتسب تمييزا لا يتطلب إشهار البطاقة العسكرية لدخول الاماكن العامة فارتقت كلمات السر إلى ” زميل ” لدى قوات الشرطة والامن بالمقابل، فيما ظلت المدن الصغيرة التي يتعارف  اغلب سكانها تلحق اسم الشخص مع البوليس السري كناية عن رجل المباحث ،  توارت كلمة ” بلده “مع التطورات السياسية التي القت بظلالها  على القوات النظامية ولا سيما مع تأسيس القوات الرديفة او الشبه عسكرية ” المليشيات ” مثل  الدفاع الشعبي وارتباط نشاطها بتديين الحرب الاهلية في جنوب السودان مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل الدكتور جون قرنق دمبيور إلى تسميتها بالحرب الجهادية المستندة على ايدلوجية الاسلام السياسي، فانتشرت لفظة المجاهدين على ارتباط بالدفاع الشعبي ” فعصر الحال “جلالات الجيش التي ظلت تتفتق من عبقرية شعبية وسط قوام الجنود الذين يستدعون محمولات ثقافاتهم في اطار التنوع السوداني أو يصيغون كلماتها في ارتجال منضبط مع ايقاع حركات ،” البيادة” مثل

سمويه،

نادوا لي سمويه،

بشرب الكانجي ، سمويه

ما بدور عرقي، سمويه

سمويه هيي سمويه هيي سمويه،

” الكانجي اشتقاق من الكانجي مرو من انواع المريسة”

نموذج آخر على سبيل المثال لا الحصر

سوقني بعجلة

ماشي وين

ماشي كمبو

امتد التأثير السالب إلى الثقافة المساندة للجيش  في  اغاني الحماسة

جياشة، 

الجيش نقلوا فتاشه ..

إلي آخر كلمات الأغنية التي ترصد حركة الجيش بين معسكر التدريب ومواقع الخدمة الجغرافية مختلفة،

توارت الجلالات المرتبطة بالجيش قبل العام ١٩٨٩ تحت وطأة التأثير الايدلوجي ساهمت السيطرة على وسائل الاعلام العامة وبثها الممنهج لما يصب في تعزيز سطوتها في الفضاء العام، فحمل برنامج ساحات الفداء آنذاك مهمتي الترويج والافادة مقياس ” ترمومتر” ، استدعاء الثقافة الاسلامية المرتبطة بالإسلام السياسي رفدت  بأناشيد مثل قصيدة اماه لا تجزعي للدكتور عمرو خليفة النامي،

 اماه لا تجرعي ، فالحافظ الله ” التي كتبها في محبسه في العام ١٩٧٤.

الحرب  المشتعلة  بلا هوادة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع منذ الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣ كشفت عن استدعاء وتصريف جديد من قبل أفراد الدعم السريع  للفظة ” بلده ” فصارت تنطق  ” بلده ام قاش ” في إشارة إلى عساكر الجيش وبرزت لفظة ” قاش” إشارة إلى الحزام العسكري الذي يبدو عريضا لدي الجيش مقابل ما يرتديه افراد الدعم السريع الذي يظهر اقل عرضا، بالمقابل ظل الجيش على  التزام بإطلاق وصف  المتمردين على الدعم السريع  مع ملاحظة أن بعض الإعلام المناصر للجيش ركن إلى استخدام كلمة “دعامة” كتصريف على نسق ” جياشة ” فيما برز ترديد لفظة ” ود أبوك” كوصف لأفراد الدعم السريع، وهي مرتبطة بثقافة مجموعة  البقارة التي يطلق فيها بعض المجموعات لفظة الأب على العم ايضا.

من ناحية آخرى تصاعد ترديد لفظة “جغم” مع استمرار المعارك بين الطرفين، فبالرغم من أنه يتبادر إلى الذهن ترادفها تصريفا مع “حسم ” التي تمثل اختصار  لشعار الدعم السريع، إلا أن الراجح حسب المصادر الشفوية تعود خلفيتها التاريخية الى  مليشيات المراحيل التي اسسها الجيش في ١٩٨٤ عقب عام من تدشين الحركة الشعبية لتحرير السودان نشاطها، المراحيل مثلت عسكرة لحياة بعض المجموعات التي تقطن  التماس بين شمال وجنوب السودان آنذاك، ” جغم”  في خلفيتها اللغوية الشائعة عند البقارة  “جغم اللبن”: اي تجرعه مرة واحدة، أما دلالتها الحركية مستندة  على فكرة سرعة الفعل بحركة متواصلة أو واحدة ليمكن أن نشير إلى استخدامها كمرادفة ” للكمين العسكري” حيث كان هو نسق  الهجوم الاول من قبل المراحيل والذي يسبق وصول الجيش و ينصب  في استهداف المدنيين في الجغرافيا المحيطة بمسار القطار المتجه نحو محطته الجنوبية الاخيرة بمدينة أويل على نسق العقاب الجماعي المرتبط بانحدار قوام الحركة الشعبية من المجموعات السكانية بإقليم جنوب السودان،  حيث كان ” الجغم” مرتبطا بالفعل والمنقول من الأموال التي تشكل مقابل المشاركة في سلك المراحيل.

 من ناحية آخري تطاول الحرب الراهنة  وتجاوزها  محطة ال” ١٠٠” يوم قاد إلي تواري عبارة ” الحل في البل ”  وارتقاء لفظة ” بل ” منفردة في تعبير عن استمرار البل وغياب الحل.

التحولات في الجلالات والالفاظ تدفع للنظر الي مسار الصراعات الداخلية المسلحة ، والسياق الذي بدأ فيه الارتباط بين القوات النظامية والمليشيات وارتباط ذلك ببنية قوام الضباط الذين يصنفون بالبرجوازية الصغيرة وقوام الجنود والعلاقة بينهم والانضمام الى القوات النظامية بين فكرة الوظيفة وفرصة الدخل الناتجة كبديل لتراجع الدولة في تقديم الخدمات والتي عبر عنها الراحل محمد الحسن سالم حميد في رسائل ست الدار ” يا اسماعين ما كان الديش سد مسامعك بالجبخانة لو المركز قبل اوراقك او في الثانوي لقيت لك خانة ” هذا السياق جعل الجلالات تعبر عن سلوى وثقافة قوام الجنود مثلا

” حريقة للبلدية

حريقة في الملكية

بت الصول

سمحه يا زول ”

ثم القت الادلجة بمحمولها  الديني المرتبط بالمنهج السياسي للسلطة في فترة سيطرة الحركة الاسلامية، فلم يعد بالإمكان ترديد بعض الجلالات ، مثل

سمويه

اشرب الكانجي

مابدور عرقي

سمويه ”

لان تطبيق حد شرب الخمر المعرف في القانون الجنائي لسنه ١٩٩١ انتقل في  تطبيق غير قضائي  من قبل قادة المجاهدين على من يضبط منتشيا بالعرقي او المريسة في مناطق الحرب، كما شهدت المناطق خارج نطاق الحرب ترديد “هي لله ..لا للسلطة ولا للجاه “من قبل مجموعات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تطابق اسمها مع قانون صدر في العام ١٩٨٣، قبل اصدار حزم قوانين النظام العام من ١٩٩٥.

بين “أبلده ام قاش”  و” ود ابوك”  يمضي  تطاول الحرب والدمار حيث ان الواقع الذي يتقاتل فيه الطرفان قد لا يتكرر في مكان اخر فجميع المقار العسكرية ظلت منذ انشاءها في مواقعها حتى صارت في منتصف المدن وملاصقة للأحياء السكنية بما جعل من مما يجري يمضي ” من باب إلى باب” و ” الحل في البل” غير الراجح في القريب على الاقل.

حرب ابريل ٢٠٢٣ تواتر وصفها بالعبثية، اختلط فيها الحابل بالنابل حتى صار الموت بالقصف، القناصة، تحت الانقاض يقابله فريق بالانتصار واخر بالاتهام او التشكيك وما بين الحالتين فهو ” جغم ”  لارتباطها بسياق تطور العلاقة بين القوات النظامية والرديفة، لذا غابت عنها لفظة ” جلابة ” التي يطلقها الجيش الشعبي لتحرير السودان لتعني الجيش وحلفاءه وليس معني اخر خارج السياق

 إستمرار الحرب والنظر اليها من بين ” نفاج ” مقطعي الجلالات ادناه

“بين الجبلين

 فقدنا رجال

طابورنا الحار

 ما بندار

انا ماشي نيالا”

و

 “زايلي دنيا”

قد يقود الي زول موجع وحينها لن يبقي السودان،  ولن يبلغ نيالا أحد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *