الصحفيون السودانيون بين القتل والتهديد والتشريد
القاهرة: هانم آدم
واقع مرير ومستقبل مظلم رسمته سكرتيرة الحريات في نقابة الصحفيين السودانيين ايمان فضل السيد، وهي تكشف عن أوضاع مأساوية لواقع الصحافة السودانية منذ اندلاع الحرب في السودان منتصف ابريل من العام الماضي. واستعرضت أوضاعا صعبة للصحفيين السودانيين بعد فقدانهم لعملهم بسبب توقف مؤسساتهم الصحفية، واحتلال الجزء الأكبر منها من قبل طرفي النزاع، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، الأمر الذي خلف واقعا أشبه (بالإظلام الإعلامي)، كما كشفت عن العديد من الانتهاكات التي مورست، وما زالت تمارس ضد الصحفيين بالسودان.
وكشفت إيمان التي كانت تتحدث في منتدى الصحفيات السودانيات بالمهجر في اليوم العالمي لحرية الصحافة أمس الأول الجمعة عبر تطبيق “قوقل ميت”، عن فقدان نحو ألف صحفي وصحفية العمل بنسبة تفوق الـ50% نتيجة للحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع منذ عام، بالإضافة الى توجه أغلبهم للعمل في مهن اخرى هامشية لتوفير حياة كريمة لاسرهم.
وعبرت ايمان عن حزنها قائلة (يراودنا الحزن أن يأتي هذا اليوم وأوضاع الصحفيين في السودان بكل هذا السوء في ظل الظروف القاسية، والمعقدة التي يعيشونها، والمعاناة المتفاقمة جراء الفوضى الأمنية، والأزمة المعيشية والصحية)، وتابعت أن الصحفيين يعيشون أوضاعاً وظروفا هي الأسوأ على الإطلاق طيلة مسيرة الصحافة في السودان منذ قرن وعقدين من الزمان.
تهجير وصعوبات
وأعلنت عن تهجير (200) صحفية من مناطق تواجدهن، حسب استبيان أجرته نقابة الصحفيين ولكن بسبب ظروف الحرب وانقطاع شبكات الاتصال لم تشارك كل الصحفيات في الاستبيان، مشيرة لإضطرار البعض منهن الى اللجوء لدول مجاورة على رأسها مصر التي بها عشرات الصحفيات معظمهن دخلن بطرق غير شرعية. وتشاد التي واجهت الصحفيات فيها ظروف صعبة أثناء اللجوء.
وأضافت انه منذ الوهلة الاولى تحولت وسائل الإعلام بكافة اشكالها الى اهداف مشروعة لطرفي الصراع وخرجت المؤسسات الإعلامية من سوق العمل، فوجد معظم الصحفيين انفسهم عاطلين عن العمل وأغلبيتهم لم يستلموا مستحقاتهم خلال فترة الحرب، الأمر الذي أدى إلى هجر الصحفيين لمهنة الصحافة، فضلا عن تدمير ونهب 90% من البنى التحتية للمؤسسات الإعلامية تسبب اغلاقها لغياب الإعلام المهني، واغتيلت الحقيقة بغياب المعلومات والأخبار ذات المصداقية.
اخلاقيات المهنة
ونبهت ايمان لتراجع التغطيات الملتزمة بقواعد واخلاقيات المهنة لصالح الاعلام الحربي والأخبار المضللة، الى جانب احتكار طرفي الصراع للمعلومات، وبث معلومات مفبركة خاضعة للآلة الاعلامية للحرب، بجانب تفشي الخطابات الضارة التي تنخر في جسد المجتمع. ونبهت لمعاناة الصحفيات بشكل خاص من تبعات الحرب وتداعياتها بشكل اكثر قتامة، حيث تعرضت صحفيتان للاغتيال.
وواصلت حديثها ان الصحفيات يواجهن تحديات الانتهاكات الناتجة عن العنف المبني على النوع الإجتماعي كونهن نساء، وأيضاً الانتهاكات التي تستهدف الصحفيين بسبب عملهم الأمر الذي أدى لفقدان نحو 80% من الصحفيات وظائفهن، والمئات خسِرن ممتلكاتهن وكافة الحقوق الأساسية المضمنة في المواثيق الدولية، بالإضافة إلى فقدان ذويهن (القرابة من الدرجة الأولى)، مشيرة لفقدان أحدى الصحافيات لثلاثة من أبناءها بمنطقة الجنينة غرب دارفور قبل أن تفر مع بناتها عبر الحدود البرية إلى دولة تشاد، وهي حبلى في شهرها التاسع وتنجب طفلها اثناء رحلة هروبها، كما قتلت والدة أحدى الصحفيات واثنين من إخوتها وابن أختها جراء سقوط قذيفة بمنزلهم بأمدرمان، وقتل شقيق صحفية بالخرطوم بعد اقتحامه، وايضا مقتل والد احدى الصحافيات بمدينة نيالا بولاية جنوب دارفور.
مناطق اشتباكات
واشارت لوجود (20) صحفية مازلن في مناطق اشتباكات ويواجهن تحديات جدية، بينما بلغ مجمل الانتهاكات التي رصدتها سكرتارية الحريات خلال عام الحرب (393) حالة انتهاك مباشرة على الصحفيين ووسائل الاعلام، شملت قتل (6) صحفيين من بينهم صحفيتان والاعتداء الجسدي وإصابة (8) حالات من بينها (3) صحفيات منها حالة اعتداء جنسي واحدة، اما عدد الذين تم اختطافهم أو توقيفهم واحتجازهم من الصحفيين فبلغ (39) من بينهم (5) صحفيات، كما هنالك ثلاثة صحفيين لا يزالون قيد الاحتجاز.
عداوة وتهديدات
ولفتت الى صُدور قرار من النائب العام بحكومة الأمر الواقع بالقبض على عشرين صحفي بتهمة انتمائهم لقوات الدعم السريع لم يتم الكشف عن اسماءهم، كما تشهد نقاط التفتيش التابعة للجيش عداءً سافراً تجاه الصحفيين ويتبعه توجيه اتهامات جزافية لهم. وذكرت أن حالات التهديد تطال الصحفيين حيث بلغ عدد الصحفيين الذين تم توجيه تهديدات مباشرة لـ(43) من بينهم (16) صحفية.
تهديدات عامة
وتم حسب تقرير لسكرتارية الحريات في النقابة رصد مجموعة من الحملات والقرارات التي تشكل تهديدا للاعلام وللحريات الصحفية، منها (4) حملات على السوشيال ميديا و(3) قرارات وزارية شكلت تهديدات عامة للإعلام، بالإضافة إلى تحويل مباني الإذاعة والتلفزيون إلى معتقلات، الأمر الذي يزيد من خطورة تدمير أو إتلاف ارشيفٍ يقترب عمره من المائة عامًا.
انتهاك صارخ
وانتقدت سكرتيرة الحريات السيطرة على الإذاعة السودانية وتلفزيون السودان ببثهما من مدينة بورتسودان الى خطاب داعم لاستمرار الحرب، تتحكم فيه قوات الجيش ويعمل فيها كوادر صحفية محسوبة على فلول النظام السابق ما يشكل انتهاكاً صارخا لمهنية الاعلام وللحريات الصحفية.
واكدت ايمان تعرض صحفيين وصحفيات إلى اطلاق نار في الطرقات أو أماكن العمل، بجانب القصف في مساكنهم ما عرض حياتهم إلى الخطر وأودى بحياة أفراد من عائلاتهم وتدمير واتلاف منازلهم، حيث بلغ عددهم (28) من بينهم (10) صحفيات، بجانب احتجاز في أماكن العمل والمنازل ما لا يقل عن (100) صحفي وصحفية يعملون في مختلف المحطات الإذاعية والتلفزيونية في أماكن عملهم لفترات متفاوتة اقلها (72) ساعة تحت القصف وبدون مؤن غذائية، بعضهم خرج بمهارات فردية خلال ساعات الهدنة والبعض الآخر تم إجلاءه بواسطة الصليب الأحمر بعد مناشدات من نقابة الصحفيين، وهنالك صحفيتين احتجزوا في مساكنهم في ظروف سيئة.
إنتهاكات أخرى
وكشفت سكرتيرة الحريات بنقابة الصحفيين، عن حالات الاعتداء بالضرب ونهب الممتلكات الشخصية الذي تم على صحفيين غالباً بتوقيفهم في نقاط الارتكاز المنتشرة في عدد من الولايات، أو باقتحام المنازل حيث تم تسجيل (27) حالة من بينهم (3) صحفيات، وتوقفت (26) صحيفة ورقية عن الصدور و(10) محطات إذاعية بولاية الخرطوم عن العمل و(8) إذاعات ولائية، وهناك إذاعتين تعملان بشكل متذبذب وهما إذاعتي الأبيض بولاية شمال كردفان والفاشر بشمال دارفور. وهناك إذاعات توقفت لفترة وعاودت البث مثل إذاعة عطبرة بولاية نهر النيل وإذاعة البحر الأحمر بمدينة بورتسودان، بالإضافة إلى توقف (6) محطات تلفزيونية بولاية الخرطوم عن العمل، وعاودت قناة السودان البث من مدينة بورتسودان. فضلا عن صدور قرار بإغلاق (3) مكاتب إخبارية خارجية هي سكاي نيوز والعربية والحدث من قبل وزير الثقافة والإعلام، وايضا تعرضت مقار أكثر من (29) مؤسسة اعلامية ومكتب صحفي إلى الاستباحة والتدمير بالكامل والاغلاق.
ثكنات عسكرية
واردفت انه لا يمضي يوم من أيام الحرب إلا تعرضت منازل الصحفيين إلى المداهمة وعمليات النهب واتلاف للممتلكات وبعضها تم تحويله إلى ثكنات عسكرية حيث بلغت عدد المنازل التي تمت استباحتها ما لا يقل عن (100) منزل.
وفي ذات المنحي انتقدت خبيرة السلامة والصحافة الاخلاقية د.عبير سعدي، استمرار الانتهاكات على الصحفيات السودانيات، واشارت الى خطورة ذهاب الصحفيات الى مناطقهم للبحث عن الأمن والأمان بعد اغلاق مؤسسات الاعلام في الخرطوم، وطالبت الصحفيات باخفاء هويتهم خاصة ان الهوية الصحفية للصحفيات غير مؤيدة من طرفي الحرب.
ونبهت عبير لخطورة فقدان الصحفيين والصحفيات لعملهم بسبب الحرب، مشيرة إلى أن نهب اجهزة ومعدات العمل جعل كل الصحفيات يعتمدن على الهاتف المحمول، وسط ضعف الإتصالات.
تحديات اجتماعية
واقرت عبير بوجود تحديات تواجه الصحفيات على اساس النوع الاجتماعي، مما تسبب في زيادة حالات الإنتهاكات الجنسية والجسدية في السودان، فضلا عن إشكالية الاثنية والقبلية لدى الصحفيات في بعض المناطق تسبب في مخاطر محددة، بالإضافة إلى حملات التشهير وخطاب الكراهية ضد الصحفيين وتحديدا الصحفيات.
وتابعت ان منظمة مراسلين بلا حدود صنفت السودان في المركز (149) في قياس حريات الصحافة وفي الوضع الأمني يحتل رقم (162) وفي الوضع الاقتصادي المرتبة (152) مما يدل على أن الوضع الأمني في السودان من اسواء الأوضاع عالميا.
عنف ممنهج
وفي ذات السياق كشفت مديرة مركز الالق للخدمات الصحفية صباح ادم عن تعرض النساء للعنف ممنهج منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل الماضي، من طرفي القتال، حيث بلغت حالات العنف الجنسي (161) حالة اغتصاب حسب وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، واعتبرت هذه الأرقام غير دقيقة خاصة ان هناك صعوبة في الوصول إلى الضحايا بسبب العادات والتقاليد لدي الأسر السودانية.
انتهاكات ومضايقات
وكشفت عن وجود أكثر من (40) صحفية بدور ايواء بولاية كسلا يواجهن انتهاكات في عدم ممارسة الحق في التعبير، وتابعت الإشكالية هي تواجد الصحفيات في مناطق القتال، ونبهت الى توقف أكثر من 20 صحيفة عن العمل، فضلا عن ايقاف هيئة الاذاعة والتلفزيون التي اغلب العاملات فيها صحفيات مما ادى الى وجود اعداد كبيرة من الصحفيات في اوضاع اقتصادية سيئة.
وأضافت ان الصحفيات أكثر ضررا بسبب النزوح بعد الحرب مع اسرهن إلى المناطق الآمنة حيث يقطن في مراكز الايواء في بيئة غير مهيئة للعمل ، كما أن بعضهن يقطن مع بعض أقاربهن في منازل مكتظة، بالإضافة إلى قطع الإنترنت أو عدم السماح بالخروج إلى الشارع خوفا من المضايقات أو الاعتداء.
الاتهام بالعمالة
واشارت الى ان الصحفيات يتحملن في بعض الأحيان الاتهام بالعمالة والارتزاق. وأعلنت عن دراسة للانتهاكات التي تعرضت لها المدافعات عن حقوق الانسان والصحفيات في الجزيرة وسنار والنيل الأبيض حيث نزحت أعداد كبيرة منهن إلى مناطق آخرى بسبب هذه الانتهاكات واحيانا يقمن بدفن التلفونات في الأرض خوفا من اكتشافه من قبل الدعم السريع، بجانب عدم السماح للصحفيات بدخول دور الايواء في عطبرة الا عبر اذن من الاستخبارات العسكرية، وتعرض البعض للعنف على اساس اثني وعرقي.
محاصرة الحرب
واجهت النزوح والتشرد من مدينة لأخرى وأنا مشلولة بسبب إصابتي بداء عضال (الذئبة الحمراء، وحاليا محاصرة بسبب الحرب) بهذه الكلمات بدأت الصحفية لنا عوض من ولاية شمال دارفور في سرد قصتها مع النزوح باعتبار أن ولايتها من الولايات التي تضررت من الحرب.
وقالت لنا خلال مداخلتها في منتدى الصحفيات السودانيات بالمهجر إن الصحفيات بالولاية هن الاكثر تضررا حيث تعرضن لعديد من الانتهاكات ومضايقات مما اجبر البعض منهن للهجرة الى دول الجوار، وأضافت انها واحدة من الصحفيات اللاتي تعرضن لمعاناة وحصار كبيرة خاصة بعد تعرضها الى داء عضال فترة الحرب بسبب انعدام خدمات الرعاية الصحية واغلاق المستشفيات.