تداعيات مقتل “اللواء علي يعقوب” بالفاشر
بقلم: محمد بدوي
(١) لأول مرة منذ بدء الحرب في 15 أبريل 2023 تصدر قوات الدعم السريع بيانا بتأكيد مقتل أحد قادتها في دارفور، وهو اللواء علي يعقوب جبريل موسى، قائد قطاع وسط دارفور، ورئيس لجنة المصالحات بالدعم السريع.
(٢) انحدرت اصوله المهرية بوسط دارفور، قرية حلة أحمر، في 2004 كان عضو اللجنة الرباعية للمصالحات بين العرب وحركة تحرير السودان قيادة الأستاذ/ عبد الواحد نور، التي ضمت ممثلين من كل طرف ومن جانب الحركة كان من القائد ذو النون والعمدة خضر (عمدة طور)، بحكم عمله في اللجنة اكتسب علاقات مع الادارات الأهلية للمجموعات المختلفة.
(٣) انضم إلى قوات حرس الحدود ووفقا لمصادر موثوقة أنه سرعان ما نشب خلاف بينه وبين موسى هلال قائد القوات آنذاك فعاد إلى منطقته لاحقا وعقب تكوين الدعم السريع في ٢٠١٤ تم تسكينه فيها برتبة المقدم من قبل الفريق اول البرهان بحكم العلاقة السابقة التي ربطته به أثناء عمل البرهان كمحافظ لزالنجي في ٢٠٠٣ ظل بها حتى أصبح قائدا لقطاع وسط دارفور، اكتسب لاحقا صفة وكيل الامير (وظيفة الامير ادخلت في سياق الادارة الاهلية في ١٩٩٤) ثم أصبح في ٢٠٢١ رئيسا للجنة المصالحات بالدعم السريع بعد ترقيته إلى رتبة اللواء خلفا لنائب رئيس قطاع غرب دارفور العقيد موسى امبيلو آنذاك.
(٤) بالرغم من تسمية اللواء عصام صالح فضيل قائد لقطاع دارفور قبل نقله إلى القضاء العسكري وحقوق الإنسان ظل علي يعقوب محوريا في الدعم السريع كرجل ثالث، يحظى بعلاقة خاصة مع قائد ثان الدعم السريع الفريق عبدالرحيم دقلو، لأسباب تتعلق بشخصيته التي وظف فيها علاقاته وخبرته مع الإدارة الأهلية والدعم السريع، بحكم علاقته السابقة بالفريق البرهان وتبعيته اللاحقة للدعم السريع ظهر في الخرطوم (في توقيت بدء الجيش تعزيز القيادة العامة باسوار خارجية) مجتمعا مع الفريق البرهان رئيس المجلس السيادي الانتقالي وقائد القوات المسلحة لبحث حل للتوترات بينه والفريق محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع.
(٥) عقب أحداث معسكر كريندنق ٢ بغرب دارفور في يناير ٢٠٢١ عاد بقواته من منتصف الطريق لحضور اجتماع لجنة أمن الولاية التي بموجبها تم اعتماد تحرك قواته إلى الجنينة، والتي كانت مهمتها حراسة السوق، ظهر في النيل الأزرق كرئيس للجنة المصالحات بالدعم السريع في اللقاءات التي جمعت الفونج والهوسا عقب أحداث ٢٠٢١، وشكل هذا الحضور مدخلا للدعم السريع بشكل أوسع نحو النيل الأزرق عبر بوابة الإدارة الأهلية.
(٦) ظل يحرص على علاقات مع الإدارة الأهلية بوسط دارفور سواء عن طريق سلطته او الترغيب، ففي ٢٠٢٢ تمكن من عقد إتفاق مع بعض قادة الإدارة الأهلية الذين احتجوا لدى الوالي المكلف انذاك سعد آدم بابكر بظهور شركات للتعدين في أراضيهم التاريخية، فتمكن عن طريق سلطة القوة والترغيب من الوصول إلى اتفاق باعتماد ١٠% للإدارة الأهلية المحتجين، ١٠% خصصها للقوات التي تقوم بالحراسة للمواقع (وهي قوات من الدعم السريع)، سجله في قطاع التعدين ممتد منذ ٢٠١٩ حيث يمتلك موقعا بمنطقة سرف عمرة يشرف عليه مهندسين من دولة عربية، كما حاز على اراض بستانية واسعة في وسط دارفور بعضها بالشراء عبر الادارات الأهلية والجزء الاخر بوضع اليد، فقد اشتهرت عنه مقولة (مافي زول اشتكاني في المحكمة) كرد على سؤال سند الملكية، وأشهر هذه البساتين وحدة ابطا الادارية، قرية أيور في مساحة تقدر بـ٢٠٠ فدان مصممة بشكل حديث ومزودة بخدمات الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية قام بشراء جزء منها عبر وسيط من الإدارة الأهلية والجزء الاخر كان يتبع لمجموعة حجار لاغراض زراعة التباكو، والجزء الثالث عبارة عن أرض تتبع للسكان المحليين تعرف (بحرم الرقبة) وهي منطقة لاستراحة الأبقار خارج القرية.
(٧) في ديسمبر ٢٠٢٣ نشر على الوسائط فيديو لطفل يبدو في سن السابعة من العمر، مرتديا زي الدعم السريع، خلف مدفع طلب منه تعريف اسمه فذكر انه موسى علي يعقوب موسى، هذا الفيديو تزامن مع التسريبات بنقل علي يعقوب إلى الخرطوم، وهو التمر الذي لم يرق له بل اعتبره في سياق الاستبعاد من وسط دارفور حيث مصالحه الاقتصادية، فشكل الفيديو رسالة بأن نقله لن يقطع صلته بوسط دارفور، وفقا للتسريبات قادت علاقته بعبد الرحيم دقلو إلى تحويل الأمر إلى ذهابه إلى جنوب دارفور نيالا لفترة موقتة، حيث نجا من القتل حينما اظهرت الوسائط القصف الذي استهدف المنزل الذي كان يقيم به بنيالا حيث غادر آنذاك، ثم عاد إلى وسط دارفور مرة اخرى.
(٨) في فبراير ٢٠٢٤ ظهر ضمن وفد الدعم السريع الذي ذهب إلى منطقة مستريحه للقاء موسى هلال لحمله على الحياد في الحرب الراهنة وسحب تأييده السياسي والعسكري من الجيش، بذات نسق الحركة النشطة ظهر في ديسمبر ٢٠٢١ بمنطقة شرق نيالا عقب الأحداث التي تم فيها الاعتداء على السكان المحليين، ويبدو انه كان ظهورا لتهيئة الحال لزيارة الجنرال حميدتي، لكنه عاد مسرعات إلى وسط دارفور عقب ان تحرك قوات المعارض من أفريقيا الوسطى علي دراسة من منطقة تلس بجنوب دارفور نحو وسط دارفور لعبور الحدود عبر منطقة ام دخن إلى أفريقيا الوسطي، لم يتمكن من اللحاق بها او اعتراضها لتزامن ذلك مع الأحداث التي شهدتها زالنجي في ذات التوقيت (علي دراسة تنحدر اصوله من الفولاني دخل السودان لمناصرة الفولاني بتلس في الصراع مع الزريقات وظل بها لفترة طويلة عقب رحلة للخرطوم نتج عنها كسبه تسليحا ومركبات).
(٩) ظل يعمل على ملف حركة عبد الواحد بدعم المجموعات المنشقة والتجنيد في مناطق مختلفة لصالح الدعم السريع، من جانب اخر لم ييأس من محاولات التقارب مع الحركة رغم اصطدامها بالفشل قبل انقلاب اكتوبر٢٠٢١، يرى ان منطقة جبل مره محصنة عسكريا تمثل مكسبا، أضف إلى ذلك نمو مصالحه الاقتصادية جعلته حريصا على التهدئة في النازعات التي نشأت بسبب سيطرة حركة عبد الواحد على حامية نيترتتي وقولو اللتان انسحب منهما الجيش في نوفمبر 2021، قبل مقتله في الفاشر قاد الدعم السريع للسيطرة على مدينة مليط شمالي الفاشر، ويثور السؤال حول تكليفه بالأمر، هنا برزت حالة شمال دارفور كحالة خاصة ففي بداية الحرب اصيب قائد الدعم السريع اللواء جدو ابو شوك ثم اوكل الأمر إلى النور القبة كقائد ثان، ثم ظهر علي زرق الله (السافنا) كقائد مع بداية الهجوم على الفاشر، ممطرح سؤال القيادة والطموح والقدرة لحالة بحجم الفاشر.
(١٠) ما حدث سيكون له ما بعده فقدان الدعم لعلي يعقوب كشف عن الاعتماد على قادة بقدرات مرتبطة بطبيعتها وتجربتها، فعلي يعقوب وظف خبرته الأهلية وتجربته الخاصة المرتبطة بعلاقات الترغيب والترهيب لصالح الدعم السريع، واعتمد على نسق السرعة والتحرك في كل الظروف كنسق اكثر التصاقا بقادة الصراعات الأهلية اكتر منها الجيوش المنظمة والمنضبطة، سيفتح غيابه ملف من يحل محله في وسط دارفور بشكل خاص ودارفور بشكل عام، لان الحرب الراهنة يظهر فيها قادة اهليون يلعبون أدوار مختلفة ومؤثرة في مختلف السودان وفي دارفور بشكل واسع مثل سلطان المساليت سعد بحر الدين، موسى هلال ناظر المحاميد، وصوصل أمير المهرية.
(١١) اخيرا: الهجوم على الفاشر وعلى المناطق التي تمثل مراكز للايواء للمدنيين جنوبي المدينة، لا يجد معه تبرير خروج الحركات المسلحة من الحياد، لأن الدعم السريع هو من بادر بالهجوم لاكمال السيطرة على دارفور، بعد أن حاصرها بعدة طرق منها التمهيد لذلك بالسيطرة على مدينة مليط المنفذ البري الذي أصبح طريقا للحصول على الغذاء من ليبيا، غير آبه بحماية المدنيين، يطرح سؤال المواجهة مع المجتمع الدولي وفي الاعتبار ان ضحايا القصف الذي يصيب المدنيين لا يستنشي منها طرف، فهل ستكون الفاشر بداية لاعادة النظر نحو حماية المدنيين؟.