الجمعة, أكتوبر 18, 2024
تقاريرسياسة

العنف الجنسي.. حربٌ أخرى ضد المجتمع السوداني

تقرير: مدنية نيوز
تزايدت الاعتداءات على المدنيين مع استمرار الصراع العسكري بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع (الجنجويد)، ووصوله الى ولايات جديدة آخرها ولاية سنار، وذلك بعد جملة انتهاكات وقعت على المواطنين في ولاية الجزيرة وإقليم دارفور والعاصمة الخرطوم، وتمثلت أبرز الانتهاكات في العنف الجنسي والعنف القائم على النوع واستهداف النساء والفتيات، وقد نددت عدد من المنظمات والحقوقية والنسوية بالاتتهاكات المرتكبة ضد النساء، وطالبت بتدخل دولي أكثر فاعلية لوقف جرائم الحرب وإنهاء الصراع.

وتزايدت في الآونة الأخيرة الجرائم ضد النساء التي ترتكبها مليشيات الدعم السريع (الجنجويد)، بجانب فقدان العديد من الفتيات دون معرفة مكانهم، وقد ظهرت الكثير من المفقودات في وقت سابق اتضح حسب منظمات نسوية انهن كن محتجزات لدى مليشيات الدعم السريع.

وقالت المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي شبكة “صيحة”، إنها تلقت تقاريرا لجرائم عنف جنسي، بما في ذلك الاغتصاب في مدينتي سنار وسنجة بعد مهاجمتهما من قبل مليشيات الدعم السريع، وأكدت أنها لا زالت بصدد الوصول الى الضحايا، مبينة أنه كما هو الحال في المناطق السابقة التي بطشت بها مليشيات الدعم السريع، هناك أيضًا عدد مهول من المفقودات والمفقودين والذين تم انتزاعهم من عائلاتهم، وعوائل كاملة في عداد المفقودين.

ودعت المنظمة لزيادة الدعم الإنساني وتأمين توفير المساعدات الإنسانية الكافية للمدنيين المتأثرين بالحرب، عن طريق توفير الموارد والبرامج التي تدعم استقرارهم الاقتصادي، بالإضافة إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي. وأكدت أهمية التعامل بجدية خلال العمليات السياسية مع قضايا العنف الجنسي وضرورة تناوله في العملية السياسية باعتباره قضية جوهرية بما يضمن للناجيات المحاسبة والعدالة، وجبر الضرر.

محكمة دولية خاصة

وطالبت “صيحة” في بيان تلقت “مدنية نيوز” نسخة منه، بإنشاء محكمة دولية خاصة بالسودان للتعامل مع جرائم الحرب الكبيرة والتطهير العرقي والنهب وانتزاع الممتلكات، مثل المحكمة التي تم تشكيلها في رواندا بسبب الإبادة الجماعية نظرًا للحجم الضخم من جرائم الحرب ضد المدنيين العزل، مع التركيز على جرائم العنف ضد النساء والفتيات.

وأشارت إلى ضرورة استمرار توفير الدعم لبعثة مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في التحقيق في الوقائع التي وقعت أثناء الحرب. واتخاذ إجراءات دولية لوقف تدفق الأموال غير المشروعة وأنماط الاقتصاد الإجرامي التي تسهم في إثراء المسؤولين عن جرائم الحرب.

إصابات نفسية وصدمات

وأشارت شبكة “صيحة” الى أن أوجه التشابه بين الهجوم على ولاية الجزيرة والهجوم على سنار كبيرة، واستنادًا إلى التجارب السابقة، من المتوقع وجود حالات واسعة للمفقودين والمفقودات، والأشخاص الذين تم انتزاعهم من عائلاتهم. بالإضافة إلى ذلك: “نتوقع بأسف شديد حدوث موجة جديدة من ضحايا العنف الجنسي، وقد تتعرض الضحايا السابقات لإصابات نفسية وصدمات مرة أخرى.

كما أنه من المحتمل ان يؤدي الهجوم على سنار إلى عودتهن إلى المكان الذي هربن منه في البداية، مما يعيدهن إلى مواقع الحروب والجوع والصراعات والعنف المستمر”. وأكدت أن النساء النازحات من ولاية سنار يحتجن حاليًا إلى دعم عاجل، بما فيه المساعدات الإنسانية وتخفيف المعاناة والحفاظ على الكرامة الإنسانية. يشمل ذلك الغذاء والماء، حيث تشكل المجاعة تهديدًا كبيرًا. كما يحتاج الآلاف من النازحين إلى إمدادات غذائية وصحية عاجلة، بالإضافة إلى احتياجات صحية خاصة للنساء.

وشددت على أنها تلح على التعجيل بتشكيل آليات حماية صارمة تراعي النوع الاجتماعي، وتضمن وصول المساعدات الإنسانية للناجيات/ين والمتضررات/ين من الحرب، وتضمن عدم قمع وإرهاب أصوات ومطالبات النساء والمجتمع المدني. والوقف الفوري للعدائيات تتم مراقبته عن كثب، مع اتخاذ إجراءات عملية في حالة انتهاك وقف العدائيات من قبل آليات دولية وإقليمية، مع ضمان مشاركة المجتمع المدني والنساء في الصفوف الأمامية في العملية السياسية.

جرائم مستمرة

وأطلقت مجموعة من الناشطات الحقوقيات والمدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان حملة باسم “معًا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي”، وقالت الحملة في آخر تقرير إحصائي لها قبل أيام إنه حسب توثيق للفترة ما بين ٣١ مايو حتى ٣٠ يونيو ٢٠٢٤، وقعت ٢٨ حالة اغتصاب، بالتصنيف الاتي: ١٩ إمرأة و٩ طفلات قصر.

وأضافت الحملة أن الجرائم وقعت في مناطق الفاشر: ١١ حالة، النيل الأبيض ٨ حالات، الشمالية ٦ حالات، الخرطوم ٣ حالات، مبينة أنه بهذا التقرير وصل عدد الحالات الموثقة بواسطة حملة “معًا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي” إلى ٤٥١ حالة في الفترة من ١٥ أبريل ٢٠٢٣ إلى ٣٠ يونيو ٢٠٢٤.

وقالت الحملة إن توقف هذه الانتهاكات مسؤولية جماعية تبدأ من الأفراد والمجتمعات في دعم الضحايا والمطالبة بمحاكمة الجناة، والعمل على حظر العنف الجنسي بشكل عام في السودان.
وأبانت أن المسؤولية المباشرة عن هذه الانتهاكات في ظروف الحرب الحالية التي تمر بها البلاد تقع على عاتق كل من يحمل السلاح، استنادًا إلى مبدأ مسؤوليتهم في حماية المدنيين الذين لا يحملون السلاح من نساء ورجال وأطفال المتواجدين في مناطق سيطرتهم. كما يتحمل المجتمع المسؤولية عن هذه الانتهاكات المريعة بصمته عليها.

طريقة ممنهجة

وقالت المدافعة عن حقوق الإنسان ومديرة مركز “الجندر” نعمات كوكو لـ”مدنية نيوز”، إن استخدام سلاح الاغتصاب في الحروب والنزاعات ليس جديدا، إذ يتم استخدامه دائما في الصراعات ذات العلاقة بين القوميات والهوية، وأضافت “أول مرة سمعت به كناشطة انه تم استخدامه في حرب البوسنة والهيرسك، وكانت مفاجأة حيث أيقنت بأنه اصبح جزءً من ثقافة الحروب والنزاعات ضد القوميات”.

وشددت على ضرورة التصدي له، وأضافت انها تعتبر ان استخدام العنف الجنسي في الحروب يرتكز على طبيعة الصراعات نفسها، وتابعت: “كل ما كان الصراع فيه قوميات مختلفة وهويات كل ما تم استخدامه بطريقة ممنهجة، ويصبح متجذرا في الثقافة المجتمعية تجاه النساء، مشيرة الى ان استخدام سلاح الاغتصاب في الحروب في السودان ظهر في القريب لانه كان ممنوعا في قانون القوات المسلحة السودانية، ولفتت الى انه إذا ارتكب بعض ضباط الجيش السوداني جريمة الاغتصاب اثناء حرب الجنوب، يتم اعتبارها تفلتات ويتم معاقبة المرتكبين.

وتابعت :”لكن ظهرت في دارفور في حرب الابادة، وتم استخدام سلاح الاغتصاب للهوية بين القوميات، ولم تكن الثقافة الإسلامية رادعا للجنجويد الذين ادخلو سلاح الاغتصاب باعتبار انهم عرب واشراف ضد قبائل دارفورية، حيث استهدفوا شرف القبائل باستهداف النساء”. وأكدت نعمات ضرورة عدم العفو عن جرائم الاغتصاب والاستغلال الجنسي التي تمت في الحرب الحالية في مناطق سيطرة القوات المسلحة. واضافت: “بعد الحرب يجب أن لا يكون هناك تهاون في تقديم هذه الحالات موثقة لضمان عدم الإفلات من العقاب، وتقديم المجرمين للعدالة من الطرفين، مع ضرورة التصدي لثقافة الاغتصاب كسلاح ضد النساء والقبائل في الحروب”.

احتجاز وإذلال

ومن جهتها كشفت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، أن نحو (20) امرأة وفتاة، بالإضافة إلى أطفال وكبار سن، تتراوح أعمارهم بين (7) – (75) عامًا؛ ظلوا محتجزين قسريًا لنحو خمسة أشهر في مساحة محدودة في منطقة أمبدة الراشدين في أم درمان، في ظروف قاسية تحت سيطرة مليشيات “الدعم السريع/ الجنجويد”.

وقالت الوحدة في بيان صحفي، إن التقارير التي تلقتها أفادت أن المحتجزين حُرموا من أبسط الاحتياجات، ومُنعوا من التواصل مع العالم الخارجي، وعاشوا في أوضاع إنسانية صعبة، تنعدم فيها الكرامة الإنسانية، قبل أن يُفرج عنهم بعد المعارك الأخيرة بين الجيش والدعم السريع في المنطقة في الأيام الماضية.

الإفلات من العقاب

ويتلقى معظمهم الرعاية الطبية، بعد تدهور أوضاعهم الصحية، ولا سيما كبار السن، جراء عدم حصولهم على الرعاية الصحية والعلاجات اللازمة، وذلك بعد ترحيلهم إلى منطقة آمنة نسبيًا. وأكدت الوحدة أن هذه الحادثة ليست معزولة، بل امتداد لانتهاكات “الدعم السريع” في مناطق سيطرتها، بما فيها الاعتقالات التعسفية، وتقييد حرية الحركة، والحرمان من أبسط الحقوق، إلى جانب العنف الجنسي الممنهج الذي ثبت استخدامه وسيلةً للإخضاع والسيطرة وإذلال المجتمعات وإرهابها.

وأبانت الوحدة انه خلال أكثر من عامٍ من الحرب، اتضح بما لا يدع مجالًا للشك، أنها حربٌ على المواطنين، تستهدف حيواتهم ونهب أموالهم وتدمير مصادر دخلهم، وإخضاع من بقي منهم لسلطة البندقية. وأضافت “في حين تلقي هذه الحرب اللعينة بوطأتها الثقيلة على كاهل المواطنين، تدفع النساء والفتيات ثمنها تشردًا ونزوحًا أو حرمانًا من حرية الحركة، فيما تُستهدف أجسادهن إمعانًا في القهر والإذلال”.

وأضافت: “إزاء التأثير متعدد الأبعاد للحرب في النساء والفتيات في أنحاء السودان، نجدد دعوتنا –في وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل– للمجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية، لا سيما المعنية بالمرأة والطفل، إلى إدانة هذه الانتهاكات صراحةً، وتكثيف جهودها في الضغط على قادة “الدعم السريع” وضمان محاسبة جميع المسؤولين عن هذه الجرائم المروعة وعدم إفلاتهم من العقاب”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *