قانون الأوراق الثبوتية.. معاناة الأمهات وضياع الأطفال
الخرطوم: ملاذ عصام
“كل يوم يمر أفكر في مستقبل ابنتي وهي بدون هوية”.. هكذا بدأت مروة حديثها عن طفلتها ذات السبع سنوات، والتي تدرس في المنزل، حيث لم تجد مدرسة تقبل الطفلة بدون إثبات هوية أو أي أوراق رسمية، فقد اختفى والد الطفلة عندما كان عمرها أسابيع ولا تعرف عنه أي شيء، وعم الطفلة الوحيد يعتذر في كل مرة عن مساعدتها في استخراج الأوراق متحججاً بعمله أو انشغاله بأي أمر، مع وعد بأنه سيفعل ذلك، ولكن لم يقم بأي خطوة حتى اليوم.
ويوجد حسب الإحصاءات حوالي 3.6 ملايين طفل خارج التعليم في السودان، عدد منهم حُرموا من التعليم بسبب عجز ذويهم عن استخراج على أوراق ثبوتية.
وقت ضائع
أما “ن” وهي أم لثلاثة أطفال والتي لم يكن لدى أطفالها رقم وطني، وكانت شهادات ميلادهم عند والدهم بعد إنفصالها عنه؛ ظلت تحاول إستخراج الأرقام الوطنية لأطفالها لمدة ثلاث سنوات، حتى وافق والد الأطفال على الذهاب معها وإكمال الإجراءات، وظلت “ن” خلال هذه السنوات عاجزة عن السفر أو عمل أي شيء بسبب أوراق أطفالها، وكان والدهم في كل مرة يأتيها بعذر ليؤجل استخراج الأرقام الوطنية للأطفال، وفي مجمع الجمهور وعند استلام الأرقام الوطنية تمت مطالبتها بأن يأتي الأب، لكن استطاعت إخراج الجواز بعد كتابة إقرار.
وبدورها قالت المواطنة رانيا مزمل ل”مدنية نيوز” والتي يقيم زوجها خارج السودان، إنها واجهت مشكلة في إستخراج الجواز، حيث تمت مطُالبتها بالرقم الوطني للأب وحضور شخصي للعم أو الجد، وأن توقع على تعهد بأنها أمينة على الأطفال وقادرة على حمايتهم، وخلال إستخراج كل الأوراق كان لابد أن يذهب معها عم الأطفال نسبة لسفر والدهم، واضافت رانيا (كانت هذه الخطوات أمر مزعج جداً طبعاً، ويقلل مني كإنسان قبل تقليله مني كأم، ولم يكن لدي حل غير أن أنتظر إذا كان عمهم مشغولا حتى تسمح ظروفه، وحدث هذا في أغسطس 2022 أي بعد إلغاء إذن الأب كشرط لسفر الأبناء).
إلغاء إذن الأب
وفي يوليو 2020 ألغى وزير العدل السابق نصرالدين عبدالباريء، إذن الأب لسفر الأبناء، وأقر القانون السوداني حق الأمهات في إصطحاب أطفالهن عند السفر بدون إشتراط موافقة الأب، ولكن ذلك لم ينهي معاناة الأمهات والأطفال، حيث مازالت ضوابط إستخراج الأوراق الثبوتية للأطفال كما هي لم تتغير، وأيضاً قانون الأحوال الشخصية للعام 1991م المبني على “الولاية” والتي تعتبر أن النساء دائماً في حاجة إلى موافقة رجل، وأن المرأة في درجة أقل من الرجل وغير قادرة على تحمل المسؤولية، الأمر الذي يتيح التمييز ضد النساء وفقاً للقانون، واستمرار العنف المبني على النوع الإجتماعي، وهذا ما منعته القوانين والإتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ومنها إتفاقية القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة “سيداو”، وبروتكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة الأفريقية، “بروتكول ماوبوتو”،والسودان من الدول الموقعة على هذا الميثاق.
إشتراطات الداخلية
وبحسب قانونيين فإن المشكلة التي تواجه الأمهات عند السفر مع أطفالهن وحتى خلال أي خطوات ومراحل أخرى؛ هي إشتراطات وزارة الداخلية التي تتطلب حضور الأب إذا كان موجودا في ذات البلد، أو إقرار بموافقته لإستخراج الرقم الوطني مع حضور شاهد من جهة الأب “أخت أخ أو أب أو غيره”، ويُطلب من الأم كتابة إقرار لإستخراج جواز السفر، ويصبح هذا الأمر أكثر تعقيداً في حال سفر والد الأطفال أو إنفصال الأزواج، حيث تنص الضوابط العامة لإستخراج الرقم الوطني للأطفال على ضرورة حضور شاهد من جهة الأب، مع ابراز هويته السودانية وإحضار مستندات من أصول الأب، وفي حال شهادات الميلاد مطلوب هوية والد الطفل أو شاهد من جهته.
الخلاصة
وبسبب هذه المعاناة تستمر المنظمات والمجموعات النسوية والحقوقية؛ في المطالبة بإلغاء الإشتراطات المفروضة عند إستخراج الأوراق الثبوتية للأطفال، وإلغاء قانون الأحوال الشخصية للعام 1991م وإستبداله بقانون مدني يستند على الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وذلك لتحقيق العدالة والمساواة المبنية على النوع الإجتماعي.