شرق الجزيرة.. الحرب تخاض على أجساد النساء (3-5)
رغم الألم… نساء- جبال- صامدات
كتبت: صافية محمد
اثنان من ذوات الإعاقة ممددتان في الأرض يغطين جسدهن بـ (بطانية ثقيلة) في عز هجير البطانة يجلس بالقرب منهنّ والدهنّ وكأنه يحرسهنّ من عيون الناس، اقتربت منهم سلاماً وطمأنينة، فما كان من الأب إلا أن نهض من مكانه مستجمعاً قواه: أهلا، لو سمحتي أتركينا بحالنا (جينا هسي تعبانين وعطشانين)، حسناً أخبرني كيف سأساعدك؟ هل أنتم بخير؟ سأحضر الماء.. (نحنا كويسين بس جيبي لينا الموية).. ذهبت وأحضرت الماء بعد معاناة فالعدد كبير والماء نادر… شربوا الماء وهنّ ووالدهن في حالة إعياء شديد، أحضرت لهم بعض الأدوية والطعام وودعتهم مُغادرِة، ليلحقني صوت أحد البنات (تعالي لينا تاني) حسناً سأعود، (ما تغشينا عليك الله)… مستحيل أن أخدعك لا يمكنني أن أكون مثل من حرموك بيتك وأمنك حتماً سأعود..
عدت بعد يومين باحثة عنهم في كل المعسكر، لم أجدهنّ ووالدهنّ فقدت الأمل، ذهبت للوافدين معهم من القرية وأخبروني أن والدهنّ أخذهنّ ليلاً وذهب لا نعرف إلى أين؟ يا إلهي كيف ذلك وأنا وعدتهنّ بالعودة، لا يمكن أن يذهب بكل هذا الألم، فالبنات لديهنّ ما يردن قوله ومن المؤكد يحتجن للمساعدة وفي الحد الأدنى (الكلام).. بحثت عنهن لثلاث أيام متتالية وفي النهاية فقدت الأمل وشغلتني القصص الكثيرة.. فجأة يظهر والدهنّ منهاراً باكياً، يبدو عليه حزن السنين؟ يا إلهي ماذا حدث؟ (تعالي يا بتي أنا ما عارف أعمل شنو خلاص حيلي اتهدا) لا يا أبي فأنت قوي بنجاتك وببناتك (أنا ما قوي ولا شي أن ضروني وكتلتا في بناتي حيلتي العاجزات، لم يراعوا لي إنهن معاقات ما بتحركن ولا راعوا لي جسمهن النحيل).
ليسرد: كان نصيبي من الولادة بنتين، شاءت إرادة رب العالمين أن يولدن بإعاقة حركية وهذا في حد ذاته كان حمل ثقيل أحمله بحب طيلة سبعة عشر عاماً بلا كلل ولا ملل، أكافح من أجلهنّ أن ووالدتهنّ، إعاقتهن قربتنا وجعلتنا أقوى كأسرة، كيف لا أنهار وأنا الذي لا أعلم عن والدتهنّ شئ، فعندما اشتدت الملاحقات والضرب حملتهنّ في عربة (كارو) وذهبت، وفي الطريق عذوبنا وضربونا وعزلوا النساء منا وتركوا بناتي معي، لا نعرف وِجهة والدتهنّ حتى الآن، والأمرّ أنه تم اغتصاب بناتي أمام جموع رجال القرية، وواصلنا مسيرتنا أنا وبناتي بجروحي المعنوية وجروحهنّ التي تنزف دماً..