الجمعة, أبريل 18, 2025
مقالات

حول قرار مسجل تنظيمات العمل بوزارة العدل

بقلم: سنية أشقر 

في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد نتيجة الأزمة الاقتصادية والحرب المستمرة، أصدر مسجل تنظيمات العمل بوزارة العدل قرارات بإعادة مراجعة وتسجيل تنظيمات العمل، لقد أثار هذا القرار جدلاً واسعاً حول أهداف هذه الخطوة وتداعياتها على الحقوق النقابية والعمالية.

قرار مسجل تنظيمات العمل في السودان – خاصة في السياقات الاستثنائية مثل النزاعات أو فترات الطوارئ – يحمل أبعادًا قانونية معقدة تتقاطع مع التشريعات الوطنية والمعايير الدولية.

يجب علي مسجل تنظيمات العمل عند اصدار اي قرار أن يُستند إلى نصوص قانونية واضحة ومُحكمة. يُراعي التزامات السودان الدولية. يُتاح الطعن فيه أمام جهة مستقلة. في ظل الظروف الاستثنائية، القيود يجب أن تكون مؤقتة ومتناسبة، لا أن تُستخدم كأداة لتقييد حرية التنظيم. وأي تجاوز لذلك يُعد خرقًا قانونيًا محليًا ودوليًا.

أما الأبعاد القانونية لقرار مسجل تنظيمات العمل
استند قرار مسجل تنظيمات العمل إلى قانون تنظيمات العمل لسنة 2010 ، والذي ينظم تسجيل النقابات والاتحادات العمالية. والذي جاء فية للمسجل سلطات تقديرية في التسجيل والحل والإشراف، ولكن يجب أن تكون هذه السلطات مقيدة بالقانون وقابلة للطعن القضائي. أي قرار يصدره يجب أن يكون مبرراً قانونياً، خاصة إذا تعلق بحل نقابة أو منع تكوينها. اما في ظل الظروف الاستثنائية (مثل الحرب أو الطوارئ) تُعلق بعض الحقوق، لكن الحق في التنظيم النقابي لا يُلغى بل يُقيد بقدر الضرورة فقط.. الإعلان الدستوري بعد الثورة منح حرية التنظيم والتكوين، وأي تقييد يجب أن يكون مبرراً ومتناسباً..اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 (حرية التنظيم وحماية حق التنظيم)، والتي صادقت عليها السودان.
اتفاقية رقم 98 (حق التنظيم والمفاوضة الجماعية).وتحظر هذه الاتفاقيات التدخل الإداري في شؤون النقابات أو منع تكوينها بقرارات تعسفية…إن كان القرار يمنع أو يحل تنظيمات نقابية دون مسوغ واضح (كالمشاركة في أعمال عنف مثلًا)، فهو مخالف لهذه الاتفاقيات.والمعايير الدولية تشدد على استقلالية التنظيمات النقابية من التدخل الحكومي، خاصة في أوقات الأزمات والنزاعات، إذ تُعد أداة لحماية حقوق العمال.

الثغرات القانونية المحتملة
السلطة التقديرية الواسعة للمسجل..عدم وجود معايير واضحة وشفافة لتسجيل أو رفض النقابات يُشكل ثغرة، ويتيح اتخاذ قرارات سياسية.
▪غياب آلية فعالة للطعن
رغم أن القانون قد ينص على إمكانية الطعن، فإن تعطل السلطة القضائية أو عدم استقلاليتها يُضعف هذه الحماية.
▪عدم مواءمة القانون المحلي مع الاتفاقيات الدولية…القانون السوداني، في بعض مواده، لا يتماشى تماماً مع اتفاقية 87، مثل اشتراط موافقة مسبقة أو عدد معين غير منطقي لتكوين نقابة.

الأهداف المُعلنة للقرار
بحسب التصريحات الرسمية، يُبرر القرار بأنه يهدف إلى حماية أموال وممتلكات النقابات
بدعوى أن النزاع المسلح والفوضى قد تُعرّض الممتلكات للخطر.
هناك حديث عن تجميد الحسابات البنكية مؤقتًا لحمايتها من التلاعب..
وضع حدّ للفوضى أو الانقسامات داخل بعض الكيانات النقابية..دعوة لتنقيح السجلات وإعادة تنظيم الهياكل بشكل قانوني..إعداد الأرضية لانتخابات نزيهة بعد “الاستقرار”.

لكن كل هذه الأهداف، رغم وجاهتها ظاهرياً، تفتقر في الغالب إلى آليات شفافة وتأتي في توقيت حساس سياسياً واجتماعيا ..
▪ الأهداف غير المعلنة للقرار (الواقعية أو المفترضة) إضعاف النقابات المستقلة والنقابات ذات الطابع الثوري دا هدف أساسي…خاصة تلك التي لعبت دوراً بارزاً في الحراك الشعبي مثل لجان المعلمين، المهنيين، النقابات المفككة سابقاً. ويتم ذلك عبر تجميد نشاطها أو تقليص شرعيتها القانونية.
▪التمهيد لتكوين نقابات بديلة أو موالية تُستخدم هذه الإجراءات لإعادة ترتيب الساحة النقابية عبر “تفصيل” نقابات جديدة أكثر توافقاً مع السلطة القائمة أو الجهات المهيمنة حالياً…قد يُعاد تفعيل اتحادات ونقابات كانت موالية للنظام السابق تحت غطاء قانوني جديد.
كل ذلك يتم في ايطار السيطرة على الموارد المالية للنقابات، تعطيل الحسابات البنكية أو وضع اليد على الأصول العقارية يمكن استخدامه كوسيلة ضغط سياسي.قد يؤدي إلى شلّ عمل النقابات المستقلة. وكل ذلك ليس من أجل تمكين القواعد، لكن لكي تعود الدولة لتلعب دور المهيمن على البناء النقابي، كما كان يحدث في العهد السابق. الهدف الأساسي والغير معلن هو إعادة هندسة المشهد النقابي بما يخدم مصالح سياسية معينة، خصوصاً مع التوجهات السلطوية في فترات الأزمات.

الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية علي قرار مسجل تنظيمات العمل بوزارة العدل
الأبعاد الاجتماعية:
تهديد محتمل لاستقلالية التنظيمات النقابية، خاصة في ظل غياب بيئة سياسية مستقرة.
القلق من الإقصاء أو التلاعب بتمثيل العمال عبر آليات غير شفافة.
ضعف ثقة القواعد العمالية في قرارات صادرة من جهة حكومية دون مشاورات واسعة.

الأبعاد الاقتصادية:
تقليص قدرة العمال على الدفاع عن مصالحهم في ظل تدهور الوضع المعيشي.
إضعاف التفاوض الجماعي وغياب النقابات الفاعلة قد يزيد من هشاشة الوضع العمالي ويفقد العمال وسيلتهم الأساسية للدفاع عن مصالحهم.
قد يؤثر القرار سلبآ علي المطالبات بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل،

أثر القرار على الحقوق النقابية:

تهديد حرية التنظيم النقابي ومبدأ الاستقلالية.
زيادة فرص التمييز بين العمال بناءً على المواقف السياسية أو الجغرافية.

التحديات :

التدهور الأمني في مناطق النزاع.
صعوبة الوصول الجغرافي لبعض المناطق.
ضعف القدرة التقنية لإجراء انتخابات واسعة.
قد تستغل بعض الجهات القرار لتصفية خصومها النقابيين، مما يؤدي الي تفكيك المنظومة النقابية بالكامل أو خلق تنظيمات صورية تابعة للحكومة.
يُستخدم القرار كأداة لإعادة هندسة النقابات بما يخدم مصالح معينة ويقضي على التعددية.

اخيرآ
إن قرار مسجل التنظيمات بوزارة العدل فيما يخص تقييد أو تعطيل عمل النقابات يمثل حلقة جديدة في مسلسل تقويض الحريات العامة وتكميم الأفواه الذي ظلّت الأنظمة المتعاقبة تمارسه ضد الحركة النقابية الحرة. وهو لحظة مفصلية في مسار الحركة النقابية في السودان. النقابات لم تكن يوماً مجرد أجسام مطلبية، بل كانت وما زالت طليعة النضال الوطني والاجتماعي، ومنابر مقاومة ضد الاستبداد والاستغلال.

منذ معركة الاستقلال، مرورًا بانتفاضتي أكتوبر وأبريل وثورة ديسمبر المجيدة، ظلّت النقابات الحيّة شوكة في خاصرة الأنظمة القمعية، ورافعة وعي للعمال والموظفين والمهمشين. فكيف يُعقل أن تُحارب هذه المؤسسات الجماهيرية، ويُفرض عليها الوصاية من جهة حكومية لا تمثل إرادة القواعد، بل تخدم مصالح النظام السلطوي؟
لن تقبل الحركة النقابية السودانية الحقيقية بأي تدخل يُفرغ العمل النقابي من مضمونه النضالي، أو يحوله إلى أداة بيروقراطية خانعة. المعركة الآن ليست فقط حول “شرعية نقابية”، بل حول من يملك القرار جماهير العاملين والعمال أم الدولة العميقة؟
على القوى النقابية الثورية أن تتوحد دفاعًا عن استقلال النقابات، وتواجه هذا القرار بكل الوسائل السلمية والاحتجاجية، لأن كسر النقابات هو كسر لظهر العمال .

أبريل/٢٠٢٥م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *