الشبكة الشبابية.. رؤية جيل
تقرير: نصر الدين عبد القادر
في وقت تتسارع فيه الخطى نحو تحديد مستقبل السودان بين الأطراف الفاعلة، والبلاد تشهد حربا ضروسا دخلت عامها الثالث، وموت آلاف المواطنين، وموجات النزوح واللجوء التي عصفت بالملايين نحو المجهول، وفقدان الأحلام، وتدمير البنى التحتية وتعطيل الحياة بصورة عامة… في ظل هذه الأوضاع طُرحت العديد من الرؤى للحل من جميع الأطراف: الجيش السوداني، ومجموعة تأسيس، ومن قبلها تقدم في أيامها الأولى، وصمود في الوقت الحاضر، مع وجود منابر متعددة للتفاوض بشأن إيقاف الحرب، منذ منبر جدة في بداية الحرب، والمنامة وجنيف والقاهرة، وجميعها لم تستطع الوصول إلى حل، مع غياب تام للحراك الشبابي المنظم، بالرغم من كونهم الأكثر فاعلية سواء أكان ذلك في الحراك الثوري، أو في الحرب، “حيث أن غالبية الذين فقدوا حياتهم هم من فئة الشباب من جميع الأطراف”، حيث دُشنت المبادرة في العاصمة الأوغندية كمبالا في الأسبوع الماضي، كما كانت هناك فعاليات بالقاهرة.
و في الأربعاء الماضي، الموافق للحادي والعشرين من شهر مايو، انطلقت فعاليات الشبكة بالعاصمة الكينية نيروبي عبر ندوة تحدث فيها عضو المبادرة نجم الدين داوود، والأكاديمية د. عزة مصطفى التي قدمت قراءة نقدية للرؤية المتمثلة في وثيقة الشباب التي حملت اسم (رؤية جيل)، كما انطلقت أمس الخميس فعاليات الشبكة بولاية نهر النيل عبر الزوم، بعد منعهم في سبتمبر الماضي من قبل السلطات الأمنية في مدينة عطبرة.
قال عضو تنسيقية الشبكة، نجم الدين داوود إنَّ المشاورات انطلقت في شهر نوفمبر من العام الماضي، تم الوصول خلالها إلى (2,500) شاب وشابة، شملت جميع مدن السودان، في مناطق سيطرتي الجيش الدعم السريع، كما ضمت مناصرين للطرفين، وشباب من الإسلاميين، للوصول لرؤية مشتركة تحدد مستقبل البلاد، ومستقبل الشباب، ولمواجهة خطر التقسيم، والتنسيق بين أصوات الشباب المنادية بالسلام، وهو ما يتطلب تقاسم المسئوليات بين الأطراف السودانية.
وأضاف داوود: أن واحدة من التحديات تتمثل في غياب الثقة بين الأطراف السودانية، (مدنيين/ مدنيين، عسكريين/ عسكريين، مدنيين/ عسكريين)، مؤكدا أن الشبكة تتبنى موقف الضغط على جميع الأطراف، عبر حملة مناصرة لتنفيذ أجندة الشباب، مشيرا إلى أن الجميع يبحث عن تحالفات، لكنهم يبحثون كيفية توحيد الرؤى، وبناء شراكات بين الذين لديهم مصلحة مباشرة من إيقاف الحرب، في ظل الانشقاقات السياسية، والاجتماعية الحادة، وتفشي خطاب الكراهية.
وأردف عضو التنسيقية الشبكة أن يعملون تحت مبادئ السودان الموحد، والدعوة إلى حوار يجمع السودانيين، والضغط على المجتمع الدولي للاستجابة الإنسانية العاجلة وتوفير المساعدات، والضغط على جميع الأطراف بعدم تسييس المساعدات.
واختتم داوود حديثه برسائل وجهها للشباب متمثلة في التمسك بالأمل، وعدم الاستسلام، وأن يكون صوت الشباب عاليًا، حيث لا شيء يدعو للخوف وهم ينادون بالسلام، وأنهم قادرون على التصدي لخطاب الكراهية، كما تصدوا للأزمة الإنسانية عبر غرف الطوارئ.
من جانبها تساءلت د. عزة مصطفى عن الآليات التي يمكن اتباعها لتحقيق وثيقة أجندة الشباب التي طرحتها الشبكة، خاصة وأن هناك أطراف متضررة من مناقشة بعض القضايا، خاصة في ما يتعلق بالإصلاح الأمني والعسكري، وبالتالي على الشباب مناقشة الضمانات أولا، وتقديم التنازلات، والتفاوض للوصول إلى نقطة ترضي الجميع، خاصة وأن جميع المبادرات تتحدث عن الحوار السوداني/ السوداني.
وترى عزة أنّ مثل هذا الحراك الشبابي يمثل بادرة أمل في حال أن القائمين عليه لم يقفوا عند هذا الحد، لأن التفاعل مع الحالة السودانية بإمكانه أن يؤدي إلى التغيير، مشيرة إلى أن الوثيقة تعتبر بداية لفتح باب الأسئلة، وتوسيع ماعون التفكير.
بينما قال إدريس بابكر، أحد الحاضرين للفعالية إن الاستعلاء سبب أساسي في الحرب، وبالتالي لا بد من من إصلاح المجتمع بغية الوصول إلى تعايش سلمي. في ما قالت د. سهام طه المجمل إنّ المسألة منذ فض اعتصام القيادة العامة، القصد منه إيقاف ثورة ديسمبر، والمشروع برمته هو مشروع نخبة استعمارية.
وأضافت المجمل أن الثورة جاءت لتأسيس ديمقراطية شعبية، لكن البناء القاعدي للثورة تعرض إلى تشويه كبير، مما يستوجب على الشباب الانخراط في تأسيس الديمقرطية الشعبية، مشيرة إلى الرؤى التي جاءت في الوثيقة صعبة التحقيق، لأن إيقاف الحرب في يد من بيده السلاح، وبالتالي على الجميع العمل في البناء القاعدي، لأن الحرب إذا توقفت ونحن واقفون في مكاننا دون العمل على القواعد، لن نقدر على فعل شيء بعدها، مختتمة حديثها بأن الجيل الحالي يسير على خطى الجيل السابق.
وفي مداخلة أحد شباب حزب الأمة وجه لوما إلى الشبكة الشبابية، بسبب وجود أعضاء داعمين للحرب.
وفي ندوة مكتب الشبكة بولاية نهر النيل، قدم الباحث خالد سراج ورقة عن الهجرات السودانية إلى الدول المجاورة، منذ عهد الاستعمار، وما حمله المهاجرون من التراث السوداني معهم، خاصة هجرة النوبة إلى دولة كينيا منذ مائة عام، لكنهم ما يزالون يأكلون نفس الطعام السوداني، ويستخدمون ذات التراث، وهو ما يعني أن السودانيين ثمة الكثير الذي يجمعهم، حتى إذا هاجروا.
واشار إلى تجربته في فرنسا، حيث وجد أن السودانيين في الخارج يكونون أكثر تعرفا على بعضهم البعض. لكنهم بسبب الحرب تحولوا من سفراء سلام، إلى سفراء حرب، وبالتالي يجب على دعاة السلام نبذ مثل تلك الأصوات، ومواجهتها، وتوجيه اللوم لها، خاصة وأن حالة الضياع أخذتهم إلى نوستالجيا ترجع بشكل إثني إلى القرية والقبيلة، وبالتالي الانغلاق في رحلة البحث عن الذات.
وشهدت الفعاليات مشاركة الشاعر، عثمان بشرى، بقصيدة مسجلة بعث بها من مركز غسيل الكلى، بعنوان “مناجاة الله على حافة الخراب” يقول في مطلعها:
“كنا جديرين بالحياة”
ثم ماذا بعد؟
ربما تطرأ أسئلة كثيرة عن مدى إمكانية هذا الحراك من إحداث اختراق في المشهد السوداني بأزماته المتراكمة، والآليات التي سوف تستخدم لإنزال الوثيقة إلى أرض الواقع، مع الأخذ في الاعتبار أنها نتاج مشاورات بين 2500 شاب وشابة من جميع أنحاء السودان بحسب تنسيقية الشبكة، وما هو مدى تأثير هذا الحراك على بقية الشباب، وغير ذلك من التساؤلات التي سوف تجيب عليها الأيام المقبلة، وكأن التسمية تأخذنا إلى عنوان بعيد، كتاب “كفاح جيل” لأحمد خير المحامي، صاحب مقترح مؤتمر الخريجين، وبين الكفاح والرؤية ثمة مشتركات كثيرة