الإثنين, يونيو 16, 2025
تقاريرسياسة

السودان أرض البطولات والثورات (الأخيرة)

كتب: حسين سعد

تلعب النقابات دور محوري في إعادة بناء المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز التماسك الإجتماعي،وتعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية بإعتبار أن النقابات جزءًا أساسيًا من النسيج الديمقراطي لأي مجتمع، وهي صوت قوي يدافع عن حقوق العمال ،ويطالب بالإصلاحات السياسية التي تضمن حقوق الجميع، وتحسين ظروف العمل وحماية حقوق العمال وتحقيق الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي، حيث تعمل على ضمان توفير بيئة عمل آمنة وصحية، والمطالبة بتحسين الأجور وتأمين الحقوق الاجتماعية مثل التأمين الصحي والتقاعد، كما تقوم النقابات بدور فاعل في تعزيز الوحدة والتضامن بين العمال، من خلال بناء شبكات قوية من الدعم والمساعدة المتبادلة بين العمال، مما يسهم في تعزيز قوتها التفاوضية، والضغط من أجل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تصب في مصلحة العمال والمجتمع بأسره، من خلال الضغط على الحكومات وصناع السياسات، يمكن للنقابات أن تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، والمشاركة في الحوار الوطني وبناء السلام من خلال العمل على تحقيق المصالحة والتعاون بين مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية، ولكن نجاحها يعتمد على قدرتها على التكيف مع التحديات والمستجدات والعمل بروح التضامن والوحدة، ومن الامثلة لذلك:

عوامل النجاح:

القيادة الموحدة والمؤسساتية، كما في الثورة الأمريكية.
الإصلاح الاقتصادي العاجل وتجنب السقوط في الفوضى كالحالة المصرية بعد 2011.
التوافق الوطني، كتجربة جنوب إفريقية بعد الفصل العنصري (نيلسون مانديلا، 1994).
الحيادية الأمنية، كدور الجيش التونسي في حماية الانتقال.

أما عوامل الفشل:

الفراغ السياسي، حيث يؤدي إلى صراعات داخلية كما في ليبيا.
التدخل الخارجي، والذي يدمر السيادة الوطنية، كالحالة السورية منذ 2011.
الانقسامات داخل النقابات وهذا خطر كبير علي وحدتها وعملها تجربة إنقسام تجمع المهنيين
غياب الرؤية الاقتصادية، والذي يؤدي إلى تفاقم الأزمات المعيشية، مما يغذي السخط.

ماهي التحديات الرئيسية:

• الانقسامات القبلية والنقابية، وتمدد خطاب الكراهية والعنصرية ،والتي تحتاج إلى مصالحة وطنية وعدالة انتقالية كتجربة جنوب إفريقيا.
• البنية التحتية المدمرة، وهذه تتطلب خطة إعمار بدعم دولي، مع تجنب التبعية الاقتصادية.
• التدخلات الإقليمية والدولية، والتي قد تعيق بناء دولة مستقلة.
• الجيوش الموازية، كالفصائل المسلحة التي قد ترفض نزع السلاح، أو تعود لحمله.

ماهي عوامل النجاح المطلوبة:

1.. إشراك جميع المكوّنات في الحكم، عبر دستور يرسخ التوافق الوطني ،ويعبر عن التنوع والتعدد.
2..دعم اقتصادي مع ضمان الشفافية، لتجنب الفساد الذي دمّر تجربة العراق بعد 2003.
3.. محاسبة المجرمين دونما انتقام، كتجربة “لجنة الحقيقة والمصالحة” في جنوب إفريقيا،وتشكيل تحالف نقابي مدني يعمل علي إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية، ضمن قواسم مشتركة لتنسيق العمل والتشاركية في مواجهة التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية.
4.. تعزيز النضال النقابي المطلبي في إطار معايير الحوكمة والإدارة الرشيدة، والحفاظ على استقلالية ووحدة الحركة النقابية.
5..العمل على تعزيز مصداقية العمل النقابي انطلاقاً من هويته وتراثه النضالي، وفلسفته المتأصل بحماية حقوق ودفاع عن مصالح العمال، والحفاظ على ممارسة العملية الديمقراطية في الانتخابات واتخاذ القرارات، وتعزيز العمل الجماعي والتشاركية، والتنسيق في النضال المطلبي.
6..التوسع والانتشار النقابي، وفتح المجال لإنشاء نقابات جديدة يقودها ممثلون حقيقيون، وقيادات ذات قدرات ومهارات متنوعة تستطيع أن تعبّر عن حقوق الأعضاء من القطاعات العمالية المتنوعة في ظل التطور والمتغيرات والاحداث…

7..العمل على زيادة مشاركة الشباب والنساء في المواقع القيادية والنقابية، وتعديل اللوائح والأنظمة الداخلية بما يحقق التمييز الإيجابي للفكرة وإقرارها حسب الأصول بشكل ديمقراطي.
8..العمل على التشبيك،وبناء شبكة علاقات قوية بين النقابات العمالية والمؤسسات الأهلية والاجتماعية في المجتمع.
السيناريوهات المحتملة للنقابات في المستقبل:
مستقبل النقابات يتأثر بالعديد من العوامل والمتغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية.

سيناريو سلبي:

في هذا السيناريو، تعاني النقابات من ضعف وانحسار دورها، ويشمل ذلك استمرار السياسات القمعية التي تعوق حرية التنظيم والتظاهر، مما يؤدي إلى تراجع تأثير النقابات، ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية، مما يؤثر سلبًا على قدرتها على تقديم الدعم المالي والخدمات الاجتماعية للعمال إضافة إلى انقسام النقابات وضعف الوحدة والتضامن بين العمال، مما يقلل من تأثير النقابات في العملية السياسية.

سيناريو إيجابي:

في هذا السيناريو، تتمكن النقابات من التعافي والتطور بشكل ملحوظ، ويشمل ذلك تحقيق إصلاحات سياسية تضمن حقوق العمال وتحسن من ظروف العمل، كتحسين الأجور، وتوفير الحماية الاجتماعية، وضمان حق التنظيم والتظاهر السلمي. وأن تساهم النقابات في تعزيز الديمقراطية من خلال تشجيع المشاركة السياسية والتعاون مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، مع تقديم برامج تعليمية وتدريبية للعمال لتحسين مهاراتهم وزيادة الوعي بحقوقهم وواجباتهم.

سيناريو مقاوم:

في هذا السيناريو، تواجه النقابات تحديات كبيرة، ولكنها تتمكن من الصمود والمقاومة، ويتضمن هذا السيناريو استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية على النقابات مما يعوق قدرتها على تحقيق أهدافها بشكل كامل، والذي قد يجعلها مشغولة في تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات السلمية كوسيلة للضغط على الحكومة والمطالبة بالإصلاحات، بالإضافة إلى بناء التحالفات مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتعزيز القوة التفاوضية للنقابات، ومن هذه التحديات الحرب التي تدور حالياً ،وتشريد النقابات وقياداتها ،ومحاولات السيطرة عليها عبر القانون والمثال لذلك قرار تنسيقية المهنيين والنقابات السودانية ، ورفضها القاطع لإعادة تشكيل (نقابات السلطة) تحت أي ظرف من الظروف، وأكدت التنسيقية على ضرورة أن تتم أي جهود لتنظيم العمل النقابي ضمن إطار مدني ديمقراطي، مع ضرورة الحصول على موافقة القواعد النقابية.

سيناريو واقعي:

في هذا السيناريو، تتكيف النقابات مع التحديات تدريجيًا وتحقق تحسنًا ملموسًا على المدى البعيد، ويتضمن ذلك تحقيق إصلاحات تدريجية تحسن من ظروف العمل وتضمن حقوق العمال، وتطوير علاقة تعاون إيجابية مع الحكومة وأصحاب العمل لتحقيق الأهداف المشتركة، مع زيادة وعي المجتمع بأهمية دور النقابات وتعزيز الدعم الشعبي للنقابات، ستواجه النقابات تحديات كبيرة تشمل الوضع الأمني والسياسي المتقلب مما يعيق عمل النقابات وتحد من تأثيرها، والتحديات الاقتصادية قد تجعل من الصعب على النقابات تحقيق أهدافها وتحسين ظروف العمل، مع استمرار الهجرة والنزوح والتي تؤثر على تركيبة النقابات وتُضعف من تماسكها.

سيناريو الفشل:

أولا:من ملامحه تقسيم البلاد بسبب التدخلات الخارجية والإنقسامات الداخلية، النموزج حكومة بورتسودان وحكومة المنفي التي تم الإعلان عن تكوينها من قبل تحالف تأسيس
ثانيا: عودة الإستبداد.
ثالثا: إستمرار الحرف وانتشار السلاح، وتمدد خطاب الكراهية والعنصرية ونقص الغذاء والدواء والحالات الواسعة للنزوح واللجوء والتشرد وسط المدنين وتدمير البنيات التحتية للسودان ،وتناقص المساحات الزراعية وتدهور الوضع الصحي والتعليمي.

السياق الحالي:

من تداعيات الحرب أصبحت البنيات الاجتماعية ممزقة، واقتصادًا مدمرًا، ومؤسسات دولة منهكة، سيكون التحدي الأكبر هو تحقيق الانتقال من حالة الحرب إلى الدولة الديمقراطية الموحدة، مع تجنب مخاطر التقسيم أو عودة الاستبداد.، وهذا يتطلب:
1 إنشاء “لجنة حقيقة ومصالحة” على غرار نموذج جنوب إفريقيا (1995)، لمعالجة جرائم الحرب دونما إثارة انتقامات عشوائية.
2 حظر الخطاب الطائفي في الإعلام والتعليم لبناء هوية وطنية جامعة،وإعادة بناء المؤسسات وتفكيك دولة الفساد، من خلال:
3 إصلاح القضاء وإنشاء محكمة دستورية مستقلة لضمان سيادة القانون.
4 تفكيك شبكات الفساد الاقتصادي، عبر إصلاح النظام المصرفي وشفافية الموازنة.
5 إعادة هيكلة الجهاز البيروقراطي باستبعاد العناصر المرتبطة بقمع النظام السابق، وتدريب كوادر جديدة.
أما إصلاح القطاع الأمني ونزع السلاح، ويكون عبر:
1 دمج الميليشيات في جيش وطني موحد، مع ضمان تمثيل جميع المكونات.
2 جعل جميع الأجهزة الأمنية تابعة لوزارة الداخلية المدنية.
3 تدريب قوات أمنية محايدة بمساعدة دولية لضمان حماية المدنيين دون تحيُّز.

ونرى بأن التعافي الاقتصادي كشرط للاستقرار، وذلك عبر:
1 إطلاق مشروع إقتصادي بتمويل دولي لإعادة بناء البنية التحتية، مع ربط المساعدات بالإصلاح السياسي.
2 إصلاح النظام الضريبي لتحقيق عدالة اجتماعية وتمويل الخدمات العامة.
3 دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لامتصاص البطالة، خاصة بين الشباب.
وفيما يتعلق بالحفاظ على السيادة ومواجهة التدخل الخارجي، وذلك عبر:
1 إعلان حيادية السودان في الصراعات الإقليمية لمنع تحولها إلى ساحة لتصفية الحسابات .
2 تفعيل الدبلوماسية الشعبية لبناء تحالفات دولية تدعم الانتقال دون شروط مُذلّة.
3 فرض قيود على الاستثمارات الأجنبية لحماية الموارد من النهب (مثال: تجربة العراق بعد 2003).
أخيراً تعزيز المشاركة السياسية عبر الإصلاح الانتخابي من خلال:
1 اعتماد نظام انتخابي نسبي لضمان تمثيل الأقليات.
2 تأسيس مجلس تشريعي انتقالي يمثل كل الأقاليم حتى إجراء انتخابات حرة.
3 حماية حرية الأحزاب والنقابات عبر قانون يمنع احتكار السلطة.
4 إنشاء مفوضية للانتخابات ومفوضية للاعلام بجانب المفوضيات الاخرى

الخاتمة:

إن النقابات العمالية تمثل قوة لا يستهان بها في إحداث التغيير والنهوض بالمجتمع، ولكي تنجح كممثل حقيقي للعمال، يجب أن تدار ضمن معايير الحوكمة والإدارة الرشيدة، وتتميز بتطوير آدائها بالأسلوب الديمقراطي المميز والسليم في القيادة الناجحة باعتبارها أجسام نضالية ثورية تسعى للتغيير نحو الأفضل، وعلى النقابات العمالية أن تسعى جاهدة للتشبيك مع كل مكونات المجتمع المدني، وبناء التحالفات والائتلافات التي تساهم في تحقيق أهدافها وتعزيز قوتها في التأثير والمناصرة لمساندة قضايا العمال، وتحقيق الحماية الاجتماعية والعدالة، وضمان الاستقرار والأمان الوظيفي وتعزيز السلم الأهلي وحماية الحقوق وصولاً للعمل اللائق والكريم، وهذا ينسجم مع التوجهات لتحسين النظام السياسي واحداث الإصلاح المنشود بما يساهم في تعزيز المواطنة والمشاركة الديمقراطية والعدالة، وفي السودان لعبت النقابات دورا سياسيا مهما خلال الثورة السودانية ،ودخل قيادات النقابات السجون، وبعضهم تم فصله من العمل ،وحاليا بعد سقوط الانقاذ ما زال التحدي قائم في كيفية ان تلعب النقابات دور كبير في الانتقال الديمقراطي، وحتي تقوم النقابات بدورها كاملا لابد من تقوية هياكل ومؤسسات النقابات وتسهيل عملها وتصميم خطط استراتيجية للاوضاع الاقتصادية والاجتماعية مثل الحماية والتامين الصحي،وتوحيد النقابات المنقسمة بما يعزز دورها الوطني والتمثيلي في التعبير عن حقوق ومصالح وتطلعات الشرائح الاجتماعية والفئات المهنية التي تمثلها، وإعادة توحيدها وبنائها على أسس وطنية وديمقراطية وتمثيلية ومهنية، حيث أن هذه الوحدة والبناء، سواء للاتحادات أو النقابات، باتت ضرورة، والتغلب على العوامل التي تمد الانقسام الداخلي بأسباب استمراره لاسيما وان النقابات عانت من مشكلات أدت إلى تراجع دورها سواء النقابي التمثيلي المهني أو الوطني السياسي في ظل نظام المؤتمر الوطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *