التداعيات الاقتصادية للحرب (1-8)
بقلم: بخيتة محمد عثمان
لا للحرب.. لازم تقيف
كما ذكرت في مقالاتي السابقة بأن للحرب تداعيات سلبية وكارثية على الاقتصاد.. وستحمل هذه التداعيات(8-1و2)، عنوان انعكاسات سنتين من الحرب على الاقتصاد السوداني وتطوراتها. فبعد 731 يومآ حرب تعرض الاقتصاد السوداني إلى صدمات كبيرة في جميع قطاعاته بلا استثناء.
سنتان من الحرب السودان ينزف.. والاقتصاد ينهار..
سنتان من الحرب توجه ضربة قاضية للاقتصاد، فاالسودان الذي كان يعول عليه أن يكون سلة غذاء العالم، يواجه اليوم أكبر أزمة جوع عرفتها البشرية، حيث بلغ عدد الجوعى فيه، بحسب الإحصائيات العالمية، 25 مليون شخص وهنالك ما يقارب ال30 مليون شخص محتاجون للمساعدات الإنسانية بينهم 17 مليون يحتاجون مساعدات منقذة للحياة. وكما أوردت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء: ” خلال هذه السنتين توفي 45 ألف طفل “. ووفقا لمنظمة الهجرة الدولية، أن عدد الفارين من النزاع في السودان خلال السنتين قارب ال15 مليون شخص بزيادة 27% عن عام الحرب الأول، منهم أكثر من 3,5 مليون لاجئ/ة، وأشارت المنظمة أيضا إلى أن 84% من الأسر النازحة والبالغ عددهم 2,3 مليون أسرة بحاجة ماسة إلى الغذاء. وتسعى الأمم المتحدة إلى جمع أكثر من 4 مليار دولار لتقديم مساعدات منقذة للحياة ل20,9 مليون سوداني/ة بعد أن دمرت الحرب سبل العيش في قراهم ومدنهم، وحتى فبراير عام 2025 قدرت الإحصائيات إلى أن إجمالي أعداد الفقراء بلغ 39,3 فقير بنسبة 83% , من سكان السودان البالغ عددهم 47,4 مليون نسمة، ووفقا للمفوضية السامية للاجئين فإن الاحتياجات الأكثر إلحاحا هي: الماء، الغذاء، المأوى، الرعاية الصحية، المساعدات النقدية، مواد الإغاثة الأساسية، وخدمات الحماية. وأكثر المحتاجين لهذه المساعدات هن النساء، حيث أن تأثير الحرب عليهن كارثي ويعشن أوضاعا مأساوية، بالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة عن أوضاعهن إلا أن تقارير الأمم المتحدة وبعض التقارير العالمية أشارت إلى حجم المأساة الواقعة على النساء السودانيات ومعاناتهن الحقيقية، فبفقدان بعضهن للمعيل اضطررن لتلبية إحتياجات معيشة أسرهن في ظروف النزوح واللجوء البالغة التعقيد، فالنساء والأطفال يمثلون ثلثي النازحين والنازحات واللاجئين واللاجئات، وجراء هذه الحرب الكابوس فقدت النساء وظائفهن وممتلكاتهن ومساكنهن ومصادر دخولهن وحرمتهن الحرب من الاستقلال المالى وانعدم لديهن الأمن الغذائي وتحولن إلى فقيرات يستجدين لقمة عيشهن.
أما بالنسبة للمؤشرات الاقتصادية الكلية، انكمش معدل النمو الاقتصادي من 1% للعام 2022 إلى 12,3% في العام 2023 ليصل إلى -28% للعام 2024، وسيواصل الإنكماش مع استمرار هذه الحرب التدميرية، وكذلك تآكلت قيمة الناتج القومي بنسبة 50%. وتعرض سعر صرف العملة السودانية مقابل العملات الأجنبية إلى انخفاضات مريعة بسبب الحرب! إذ كان السعر في أبريل 2023 يساوي 560 جنيها للدولار الواحد ثم انخفض في ديسمبر 2023 إلى 1090 جنيها ليصل في ديسمبر 2024 إلى 2550 جنيها واليوم 14 أبريل 2025 السعر 2679 جنيها، وهذه الأرقام تعكس تراجعا حادا في قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار، مما أدى ويؤدي إلى تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية وتفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين في ظل هشاشة الوضع الإنساني وانهيار شبكات الخدمات. وبصورة عامة فإن انخفاض الجنيه المريع كمؤشر سالب، انعكس على مجمل الأوضاع الاقتصادية المتردية أصلا وعلى المستوى العام للأسعار وبالتالي على معدل التضخم الذي ارتفع من 83,6% في يناير 2023 ليصل إلى 218,8% في أغسطس 2024، وسيواصل مع تردي الأوضاع وإنعدام الإنتاج.
استمرار العجز في الميزان التجاري كمؤشر سالب على النشاط الاقتصادي، حيث وصل حتى الربع الأول من العام الحالي 4,3 مليار دولار، وكذلك العجز في الموازنة العامة أيضا كبيرا جدا وصل 85% من جملة الإيرادات العامة نتيجة للتدمير الممنهج للاقتصاد وتمويل الحرب التي لا طائل منها غير خراب وتدمير الاقتصاد، وموازنة العام 2025 التي تم التصديق عليها في يناير الماضي لم تعلن أرقامها، فقط تصريحات المسؤولين التي أشارت لتوسيع المظلة الضريبية والجمركية وتمويل المجهود الحربي وعودة أجور العاملين بالدولة بنسبة 100% وقد نفذ البندان الأول والثاني أما الأجور فلم يتم الإيفاء بها. وكمؤشر سالب آخر، ارتفع الدولار الجمركي إلى 1350 و 1700 في اكتوبر وديسمبر للعام 2024 على التوالي ليصل في أبريل 2025 إلى 2167,11 جنيها لتنعكس هذه الزيادات مباشرة على أسعار السلع ليتحمل المواطن المغلوب على أمره أعباء إضافية حتى أصبح عاجزا عن تلبية أبسط مقومات حياته المعيشية. ومن المؤشرات الاقتصادية التي طالتها أيادي الحرب، معدلات البطالة التي قاربت ال50% بسبب استمرار الحرب لمدة عامين وتدمير البني التحتية والخدمية والمصانع، وبالتالي فقدان أكثر من 5 ملايين من القوى العاملة لوظائفهم. وحتى عملية استبدال العملة التي تمت في ديسمبر من العام 2024,، كاستراتيجية اقتصادية، عول عليها بعض المختصين والاقتصاديين بأن يكون لها أثر إيجابي لتساهم في تحسين مؤشر قيمة الجنيه وعودة الكتلة النقدية للمصارف، تمت بشكل جزئي مستثنية 11 ولاية من 18، لذلك الاستبدال جاء خاطئا وواجهته العديد من التحديات والصعوبات، على رأسها خفض الحرب للإيرادات التي بلغت قيمتها 1,5 تريليون جنيه فقط وارتفاع النفقات إلى 30 تريليون جنيه بعجز 28,5 تريليون جنيه في العام الأول للحرب ليصبح العجز 52,3 تريليون جنيه في عامها الثاني، إضافة إلى أن الكتلة النقدية الكبرى- حسب رأي الخبراء الاقتصاديين والماليين – التي تتواجد في مناطق الإنتاج المتوقفة بسبب الحرب، لم يشملها الاستبدال، وبالتالي ستستبعد من الدورة الاقتصادية، وكل ذلك إن لم يكن مؤشرا لفشل عملية الاستبدال، فسيجعلها ناقصة ولم يستفد منها الاقتصاد، كما أراد لها البعض.
نواصل……