السبت, مايو 24, 2025
تحقيقاتسياسة

في جولة توثيقية: الجزيرة.. حياة النساء تحوّلت لكابوس

نيروبي: مدنية نيوز 

في الروايات أو الأحلام البعيدة لم تتوقع النساء أن يكنّ وقوداً للحرب بما تحمل الكلمة من معنى! فكل هموم النساء كانت أن يحصلن على العدالة في مجتمع يميز ضدهنّ وأن ينعمن بحياة بها شيء من الرفاهية النسبية كلٍ حسب بيئتها ووضعها، فنساء الجزيرة الكادحات المقيمات في قلب الخضراء كانت أحلامهنّ تنمية متوازنة ومشروع أخضر، حياة تزهر قمحا ووعدا وتمني، أبناء متعلمون ومنزل يحفظ الأسرار والأحلام. صراع غير عنيف على الحق في ملكية الأرض، الحق في العمل؛ نالت نساء الجزيرة الكثير فهنّ قويات يملكن زمام بيوتهنّ وأبنائهنّ يشاركنّ الرجال في الرأي والمال، يدبرون شؤون الحياة ب(ختة الصندوق، المرتب، التجارة،  الزراعة، بيع الفول والتسالي، بيع الشاي). يواجهن الانتهاكات بسلاح التمكين والاستقلالية.

لم يتوقعن أن تأتي عليهنّ محطات في الحياة تقضي على أحلامهنّ ويواجهن فيها مخاطر الأفضل منها الموت، حرب 15 ابريل 2023 غيرت مسار حياتهنّ وكأن التتار كانوا موصيين على النساء، حيث تعرضت النساء في الجزيرة لانتهاكات فظيعة قادتهنّ للانتحار، فقدان العقل والموت واقفات. في هذه المحطة وبعد خروج الدعم السريع من الولاية نحكي بعض من نمط الانتهاكات الواقعة على النساء على لسان ناجيات وأقرابهنّ. ما تجدر الإشارة إليه أن مجتمع الجزيرة مجتمع محافظ يرفض الحديث عن أعراض النساء وهذا ما أعاق مسيرة التوثيق، كل القصص كانت سرية وما ننشره هو ما سُمِح لنا بكتابته دون الإشارة للأسماء والمناطق.

أنماط الانتهاكات:

مثلهم مثل حال النساء في الحروب تعرضت النساء والبنات في الجزيرة للاغتصاب، التحرشات، القتل، الحبس غير القانوني، الاستغلال الجنسي، الإجبار على إعداد الطعام والحرمان من الطعام، الاغتصابات الجماعية والاغتصاب أمام الأزواج، الأبناء والأخوان إمعاناً في الإهانة والإذلال فقد تم استخدام النساء أيضا لكسر الرجال كما يزعمون، إذ يقومون باختطافهنّ والتهديد بانتهاك حرماتهنّ لطلب المال وأحيانا كثيرة يتم اختطاف بنات يوم زفافهنّ ما أجبر كثير من الأسر عن عدم إشهار الزواج. الحدث الأكبر هو إجبار الفتيات على الزواج خصوصا الطفلات، حيث تأتي مجموعة منهم بكامل سلاحها مساءاً قاصدة أحد البيوت يطلبون منهم أن يجهزوا لهم فلانة بالإسم وسيأتون لأخذها في الصباح الباكر تُجبر الأسر غير القادرة على الفرار على المقاومة ومصيرها القتل أو تسليم بناتهنّ.
الانتقام من النساء كان سيد الموقف حيث ظلت المليشيا تروج وتقولها بصوت عالي (عاملين فيها نسوان الجزيرة سمحات والله نبشتنكن قدام رجالكن) يقتحمون البيوت ويهددون بخطف النسوان بعد أن يخلصوا من سرقة كل شيء في القرية يخبرون أهلها: قوموا بتجهيز النساء لأننا سنأتي لأخذهنّ غداً!!!…

اغتصاب جماعي:

يقول أحد أعيان القرى بالاتجاه الغربي أنهم ظلوا لليلتين كاملتين يسمعون صراخ النساء والرجال في إحدى القرى الواقعة شرق الجزيرة، يسمعون صراخهم قاطعا البحر من هول ما يحدث لهنّ حيث قام المسلحون باغتصابات جماعية لنصف سكان القرية من النساء الذين يوصمون اجتماعيا بأنهم لا يمانعون في أعمال الجنس حيث أتت المليشيات وطوّقت حيّهم وقامت باغتصاب النساء والطفلات جماعيا وأمام الرجال الذين أجبروهم على الوقوف ومشاهدة هذه الأفعال، قتلوا من اعترض ومن طلبت منهم رحمتها قالوا لها أنكم بالأساس نساء بغاء فلماذا تجزعون، ظلوا يصرخون لعشر ساعات لقت النساء فيها الاغتصاب والقتل ومات الرجال من القهر والتعذيب، لم تتمكن هذه المجموعة من مغادرة القرية نسبة لمحاصرتها لأيام عديدة وبعدها فضل جزء منهم البقاء وفرّ آخرون دون تلقي أي برتوكولات للحماية من العنف الجنسي الذي يعتبر رفاهية بالنسبة لهم، إثنين من البنات حدثت لهنّ إعاقات جسدية وعقلية بسبب شدة العنف.

توهان:

نموذج آخر من غرب الجزيرة فقد أتت هائمة منتصف الليل لأحد القرى الواقعة على خط طريق المناقل الحصاحيصا، قاطعة مسافة 30 كيلو سيراً على الأقدام، رفض أهل القرية استضافتها فيما عدا إمام المسجد الذي غامر بذلك، أتتهم ممزقة الثياب ملطخة بالطين، بعد أنا قاموا بغسل ملابسها ومساعدتها في الاستحمام وغسل شعرها، جلست على المصلاة لساعتين تدعي وتبكي، لاحظوا أنها لا تقوى على المشي ورجلها اليسرى شبه مشلولة، سألتهم عن ملابسها الداخلية ليكشفوا لها أنها أتت ترتدي فقط جلباب وطرحة، قالت أنها خرجت من المنزل تبحث عن متجر فاتح لشراء بعض اللوازم وداهموها في الطريق مع تسع أخريات واقتادوهنّ للمزارع (الحواشات) واغتصبوهنّ فوق الحشائش وجداول المياه، قالت: تناوب على أكثر من 10 رجال حتى أغمى على وبعدها ضللت الطريق من قريتي إلى هنا، لا أعرف مصير الباقيات فقد نجوت أنا بسبب الإغماء. غادرت منزل شيخ القرية وهي فاقدة لعقلها تمام كل ما تتذكره اسم قريتها.

تصنيف تمييزي:

هذا قليل من كثير فقد أجبرت المليشيا النساء على إعداد الطعام وحبسهنّ لشهور طويلة للعمل في المطابخ حيث تفيد إحدى النساء أنها تقوم يوميا بإعداد جوال دقيق من (الكسرة) أي ما يعادل 20 جردل سعة 10 كيلو، كما يتم حرمانهنّ من الأكل وأيضاً في الليل يقومون باغتصابهنّ ومنعهنّ من العودة لمنازلهنّ. وأخرى تروي أنها متواضعة الجمال لذلك منعوها من العمل بالسوق واحتجزوها لشهرين لغسل وكوي الملابس. أخريات يتم استغلالهنّ جنسيا مقابل العمل أو الحصول على الطعام، أجبرت جميع النساء اللاتي خرجن للعمل في المهن الحرة على تحمل الاستغلال بكل أنواعه حتى يتمكنّ من العمل، فتقول إحداهما أنها في أيام كثيرة تعود بلا مال ولا غذاء لأنهم يأتون ويأكلون ولا يدفعون قيمة الأكل أو الشاي، وتقول أخرى أجبرونا على نهب المحلات التجارية، فالجميلات يُسمح لهنّ بدخول محلات المواد التموينية والزيوت ومتوسطات الجمال يوزعن على أماكن متوسطة الفائدة وغير الجميلات وهذه تعتمد بشكل أساسي على التمييز العنصري يتم رميهنّ في المحال الفارغة ليقمن بتنظيفها وفي الثلاث حالات يتم استغلال النساء وضربهن، التحرش بهنّ واغتصابهن واحتجاز (المفضلات) لأيام وربما شهور لاستخدامهنّ في أعمال الجنس.

التخلي:

وللانتهاكات وجهٌ آخر، ففي أواخر أيامهم في الجزيرة ضيقوا الحياة على النساء لدرجة أن كثير من الرجال كانوا يتحاملون على النساء ويعتبروهم عبئاً بسبب أن البيت الذي تقطنه النساء والبنات هو محط اهتمامهم لذلك كانت تجبر نساء بعض القرى المحازية للنيل لقضاء النهار كله في البحر وبين أشجار (المسكيت والشوك) خوفا من الاختطاف والاغتصاب يمكثن حتى الساعات الأولى من الصباح ثم يعدن لإعداد الطعام سريعا وحمله للعودة مجددا للغابة. أسهل الأشياء كانت السير لمسافات طويلة تقضيها النساء بين خوفاً من المجهول وبين الضحك على حالهنّ. أيضا يظنون أن نساء الجزيرة يمتلكن ثروات من الذهب وهذا كان سببا أساسيا في التفتيش حتى داخل الأعضاء الأنثوية ومنطقة الصدر.

فجيعة أخيرة نبدأ بها رحلة ثانية من التوثيق وهي لتلك الفتاة اليافعة التي أجبرتها الظروف على الزواج وهي طفلة فأنجبت (5) أبناء وأتت الحرب حيث توفيت والدتها التي تعيلهم معها بالكوليرا وأصيبت أختها التي تساندها باضطرابات عقلية حادة جدا منعتها من العمل وإعداد الطعام بعدها توفي زوجها بسبب الجوع فاضطرت هي للتخلي عن ثلاثة من أبنائها للأهل والمعارف لأنها لم تتمكن من إطعامهم وتبحث حاليا عمن يتبنى الاثنين سواء بالصرف أو أخذهم حتى لا تموت هي ألماً من جوعهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *