القضارف.. النساء النازحات بين حفظ الروح وحماية الجسد
نيروبي: مدنية نيوز
عند اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف أبريل 2023 لم تتمكن السيدة إخلاص من السفر برفقة أسرتها الكبيرة ومغادرة الخرطوم الا بعد مرور عدة أيام، وعندما خرجت حاملة طفلها نحو موقف المواصلات ضربت قذيفة فجأة الارض أمامها في الشارع حتى كادت تفقد حياتها هي وصغيرها، فكان ذلك بالنسبة لها إعلانا لبداية معاناة مع النزوح والهروب المتكرر من منطقة إلى أخرى بحثا عن الأمان، فواجهت الكثير من المعاناة كغيرها من مئات الالاف من النساء السودانيات اللاتي وجدن أنفسهن بين ليلة وضحاها هائمات على وجوههن وسط تهديدات ومعاناة لا حدود لها.
لجأ الاف النازحين الى ولاية القضارف طلبا للأمان بعد تزايد رقعة الحرب، وحسب تصريح لوزير الصحة والتنمية الاجتماعية في القضارف أحمد الامين يوم 8 مارس المنصرم تستوعب الولاية أكثر من (3) ملايين نازح من سبعة ولايات، وأعلن فتح (92) مركزا صحيا و(46) مستشفى، فضلا عن تخصيص (60) من العيادات الجوالة، ساهمت في التدخلات الصحية وتقديم العلاجات.
معاناة في كل مكان
وحسب السلطات المحلية تضم الولاية نحو 100 مركز للإيواء، ما جعل مصادر المياه غير كافية لهذا العدد من السكان فضلا عن كون بعضها غير صالح للشرب؛ الأمر الذي فاقم من الأزمة وضاعف من معاناة سكان القضارف، ويعاني النازحون في ولاية القضارف من التردي البيئي والصحي، ومن التدهور المعيشي، جراء انقطاع أكثرهم عن العمل بسبب انتقالهم من مناطقهم وفقدانهم لمصادر الرزق.
تقول السيدة “إخلاص” من مخيم ام شجيرات انهم خرجوا وطفلها من الخرطوم منطقة الحاج يوسف بعد فترة من مغادرة اسرتها الكبيرة، وعند خروجها يوم أرادت المغادرة كادت أن تلقى حتفها هي وطفلها عندما سقطت قذيفة امامهما في الشارع. وأضافت لـ(مدنية نيوز): “القذيفة كادت ان تقتلي انا وطفلي الذي أحمله” وتحكي اخلاص عن معاناتها خلال رحلة النزوح لأنها امرأة وحيدة، وتقول: “ركبت السيارة وجئنا الى ولاية الجزيرة مدينة ود مدني، ولأن نقودي ناقصة تشاجر معي صاحب السيارة ورفض تركي، واقتادني الى قسم الشرطة ومعي طفلي، حيث حبسوني لمدة يومين، ثم أخرجونا وجئنا الى مدينة القضارف”.
واشارت اخلاص الى انها عندما وصلت مخيم النازحين في البداية حصلت على دعم من المنظمات العاملة، لكن الان توقف الدعم ويحتاج المالوالصابون للنظافة، والغذاء رغم توفر الماء، واوضحت انها تعاني في الحصول على الدواء لها ولطفلها الصغير، وتقول: “نذهب الى العيادة يسجلوننا ويعطوننا الروشتة لكن ليس لدينا نقود لشراء الدواء وكتبوا لنا الكثير من الروشتات وهي موجودة لدي لكن لم استطع صرفها، ودواء طفلي لم استطع ان اشتريه لأنني لا املك المال”.
من جهتها تقول السيدة “عوضية” إنهم نزحوا بعد اندلاع الحرب وتدهور الاوضاع من الخرطوم وتوجهوا الى منطقة جبل موية في ولاية سنار، ثم الى ولاية القضارف، واضافت: “نحن نعاني من صعوية المعيشة، وانا أعاني من مرض الضغط والسكري، والاطفال معنا يتعبوننا كثيرا، وانا ارملة وابونا متوفي له سبعة سنوات وليس معي احد يعينني ووضعنا صعب حاليا”.
وتعيش عوضية وأطفالها في مخيم ام شجيرات في مدينة القضارف، تكابد من اجل توفير الطعام والشراب لأطفالها الصغار، وتضيف: “العلاج غير متوفر وانا اعاني من السكري والاطفال منالالتهابات والملاريا، عندما نذهب للعيادة والمستشفى يعطوننا روشتة ويقولون علاج مافي، والضفط والسكريليس لديهم علاج هنا.. يعطونك روشتة لتذهب الى القضارف وليس لدينا نقود حتى للمواصلات لنذهب الى القضارف ناهيك عن شراء الدواء”.
وأوضحت عوضية التي تبدو عليها آثار التعب والارهاق لـ(مدنية نيوز) ان كل شيء غير متوفر، والمواد التموينية والنقود غير متوفرة في أيديهم ليشتروا بها الأشياء التي يحتاجونها لانها تتطلب وجود الكاش وليس لديهم نقود، وتتابع: “لدينا شهور طويلة لم يعطونا اي شيئ، ومن شهر نوفمبر الماضي المنظمات تأتي تسجل اسمائنا ومعلوماتنا ولا يحضرون إلينا اي اشياء”. وتؤكد عوضية انه لا يوجد عمل حتى يتمكنوا من الصرف على انفسهم، “الوضع صعب ولدي 8 اطفال والدهم متوفي وكنت اسكن في مايو، والان الفتيات يحتاجون الى الملابس ليس لديهم ملابس كافية والصابون غير متوفر للغسيل، لدينا مياه شرب لكن الغسيل مشكلة”.
الشابة “رحاب” في مخيم ود الحوري وجدت نفسها رغم صغر سنها تقوم بدور أمها المريضة بسبب الحرب وتدهور أوضاع أسرتها المعيشية، إذ نزحوا من العاصمة الخرطوم هروبا من الاشتباكات و القذائف المتساقطة الى معسكرات النازحين في ولاية القضارف شرقي السودان. تقول رحاب لـ(مدنية نيوز): “نزحنا من الخرطوم الى ولاية سنار، وبعدها نزحنا مجددا الى ولاية القضارف بسبب ملاحقة الحرب لنا، ثم وصلنا الى مخيمات النازحين، لكن هنا الوضع صعب واخواني كلهم في الخرطوم الكبار، نتواصل معهم بالاتصالات كل فترة”.
وأشارت رحاب إلى أن والدتها تعاني من مرض ضغط الدم والسكري وسوء الظروف المعيشية، كما أنهم لا يحظون بسكن لائق بهن كنساء ويفتقرن الى الاشياء الخاصة بهن مع سوء الحمامات.
وتؤكد الشابة رحاب ان الظروف صعبة هنا و”كنا نشتغل عندما نجد شغل في بيع الحطب وأي شيء، لكن الان الشغل توقف ولدي شقيقان يعملان لتوفير الدواء للوالدة، لان ادويتها صعبة، ونذهب الى داخل مدينة القضارف ونظل نبحث عنها، وعندما نعثر على الدواء يكون سعره غاليا جدا، ونفشل أحيانا في شراءه لأن ظروف المعيشة صعبة معنا، ولا تتوفر لنا الاشياء التي نريدها”.
عراقيل ومضايقات
وبعد سيطرة الدعم السريع على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، اضطر الالاف من نازحي الخرطوم الى النزوح مجددا نحو مدن كسلا والقضارف وبورتسودان وغيرها، ووجدت آلاف النساء النازحات أنفسهن في ولاية القضارف والتي كانت قد اتخذت قرارات في نوفمبر 2023 بطرد النازحين من المدارس والداخليات وترحيلهم الى مراكز ايواء تفتقر الى ابسط مقومات الحياة، وقد تم تفريغ المراكز باستخدام الشرطة وبالقوة الجبرية، على رأسها مراكز إيواء بالمدينة في كلية الطب، داخلية عمر بن عبد العزيز ومدرسة القضارف القديمة، وعندما حضر نازحو ود مدني لم يجدوا حتى من يستقبلهم في القضارف ما اضطرهم الى التوزع نحو مدن أخرى او استئجار منازل للمقتدرين منهم او البقاء في مخيمات ومراكز إيواء غير مهيأة.
وخرج ثوار القضارف حينها في موكب احتجاجي ضد سياسة حكومة القضارف بطرد النازحين من مراكز الإيواء والإعتداء عليهم بالهراوات والغاز المسيل الدموع مما أدى لحالات اختناق كثيرة بين النازحين.
وقد تم لاحقا بمساعدة المنظمات الدولية بناء مواقع لإيواء النازحين لكنها من المواد المحلية ما جعلها تهديدا لحياة النازحين بسبب الامطار او الحرائق المتوقعة، وقد اندلع بالفعل في يناير الماضي حريق في مركز قرية ابو النجا التي تتاخم مدينة القضارف من الناحية الجنوبية الغربية وتتبع لمحلية وسط القضارف، والتهم عددا من الوحدات السكنية المشيدة بالمواد المحلية، إذ يستخدم سكان المركز وقودا من الفحم والحطب في ظل صعوبات الحصول على مواقد آمنة.
وقالت مفوضية العون الانساني بالولاية حينها إن الحريق قضى على اكثر من 14 وحدة سكنية ولم تحدث أي إصابات لأي من سكان المركز، وأقرت بعدم توفر عربة إطفاء بالموقع المذكور او القرية المستضيفة، موضحة انها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها مراكز الإيواء لحوادث الحريق خاصة وان المباني من المواد المحلية لكن هياكلها من الحديد ما يساعد على اعادة البناء.
وقد عاش نازحون الخريف الماضي مآسي مماثلة في قرية حنان بسبب انعدام الخدمات والسكن في كرانك من القش تصب في رؤوس النساء والاطفال. إذ تسببت عمليات الترحيل الثانية للنازحين التي اتخذتها سلطات القضارف يونيو 2024 في تشريد عدد من النازحين بعد رفض العديد منهم الذهاب الى المواقع الجديدة نتيجة الخوف الذي يعاني منه الاطفال بسبب ما مرو به خلال الحرب في مناطقهم، ما جعل أسرهم تتخوف من الذهاب بهم الى مراكز إيواء بعيدة خارج المدن.
ويتهم نازحون في المعسكرات حول مدينة القضارف السلطات المحلية بالتضييق عليهم لمغادرة الولاية والعودة الى مناطقهم، وقال بعض النازحين إن كثير من النازحين الذين تحررت مناطقهم عادوا ولكن نازحي الخرطوم والمناطق الأحرى في كردفان ودارفور على وجه الخصوص لا يستطيعون العودة الا بعد توقف الحرب.
وسبق أن اعتقلت الغرفة الأمنية في الولاية عددا من المتطوعين بدون تهم واضحة، وهو الأمر الذي جعل متطوعين يتهمون السلطات بمحاولة تعطيل العاملين في مجال مساعدة النازحين، وقال متطوعون في بيان اصدروه في 31 ديسمبر 2023 ان ذات الغرفة الأمنية هي التي عطلت نشاط غرفة الطوارئ في يوليو 2023 لمجرد بوست كتبتة إحدى الإعلاميات التابعات للحكومة يحوي اتهامات ملفقة للمتطوعين الأمر الذي فاقم الأوضاع في مراكز الإيواء.
ويعتبر نازحون ان القضارف هي من اسوأ الولايات التي استقبلت النازحين جراء الحرب، وأن المجتمع والمنظمات والمجموعات التطوعية الأهلية هي فقط التي استقبلت النازحين وقدمت لهم يد العون فيما تجاهلتهم السلطات الحكومية وعملت على طردهم الى ولايات أخرى او عرقلة عمل المتطوعين الذين يقدمون لهم الخدمات، قبل أن تضطر لاقامة مراكز ومخيمات بائسة وكرانك من القش بعد ضغط من المنظمات الدولية والاهلية في الولاية.
وفي تقرير أصدره يوم 13 مارس الحالي كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية، عن استمرار طرفي الحرب الجيش والدعم السريع في عرقلة المساعدات الانسانية وعمل المنظمات، وقال إنه في ولايتي القضارف وكسلا، أدى التدخل العملياتي من قبل سلطات الولاية إلى تقييد العمليات الإنسانية، وشملت حالات التدخل مطالبات مالية باهظة برسوم توظيف، مما زاد العبء المالي على الشركاء، وتأخيرًا في توقيع الاتفاقيات الفنية، ورفضًا لتصاريح السفر، وغموضًا في خطوط التواصل، والتدخل في تحديد الأولويات واستهداف المستفيدين، مما ساهم في بطء الاستجابة الانسانية.
ويقول متطوعون إن الكثير من النازحين خصوصا من الخرطوم لجأوا في البداية للإقامة عند أهلهم ومعارفهم، ثم سكنوا في بيوت مستأجرة او قطع ارض فارغة او بيوت مهجورة لانهم لا يريدون ان يكونوا في يد السلطات تخرجهم من موقع لآخر كل مرة ويعانون في مراكز الايواء، موضحين ان هؤلاء النازحين معظمهم نساء واطفال يعانون في الحصول على المواد الغذائية لان المنظمات والحكومة لا تقدم اي مساعدة للنازحين المقيمين خارج مراكز الايواء، وكشف المتطوعون أن السلطات الحكومية تتعامل مع ملف النازحين كملف أمني وليس إنساني. وقد سعت (مدنية نيوز) في هذا الإطار للحصول على معلومات من جمعية الهلال الأحمر السوداني حول النازحين ولم تجد سوى المماطلة.
وتقوم مبادرات أهلية بتقديم المساعدة لكثير من النازحين الموجودين في قرى ولاية القضارف، وبعضهم يقيم في مراكز ايواء عبارة عن خيام او كرانك تم بناؤها بالجهد الشعبي، كما تقدم مبادرات مجتمعية بالقضارف احيانا دعما للاطفال النازحين الايتام والنساء الارامل، ويقيم كثير من هؤلاء في مخيمات النازحين مثل قرية الرفاعيين البحر، ومخيم قرية الهبيكة عكود، بالإضافة إلى نازحين مستضافين بقرية أم سنيبرة بمحلية ريفي وسط القضارف.

مشاكل وتحديات
وتقول نازحة فضلت عدم ذكر اسمها لـ(مدنية نيوز) من مخيم ابو النجا انها عانت خلال الطريق من ود مدني الى القضارف بسبب انتشار مقاتلي الدعم السريع في الطريق واعتدائهم على النازحين، مبينة ان الطريق من الخرطوم لمدني كان اسهل، واضافت انهم تعرضوا للنهب في الطريق للقضارف من قبل الدعم السريع قرب قرية العريباب، وسلمتهم هاتفها وما لديها من مال بسيط لاتقاء شرهم خصوصا ان معها بناتها الاثنين وخشيت عليهم من الاعتداء الجنسي، وابانت ان المقاتلين كان بعضهم ينشغل بالنظر الى البنات اكثر من التركيز على النهب، وتابعت: “انشغلوا بملاحقة نازحين آخرين فتمكنا من المغادرة بسرعة واختفينا وسط الناس ونحن نسير على أقدامنا”.
وتعمل بعض النازحات في غسل الاواني في مطاعم القضارف ولا يحصلن على كثير من المال، وتوضح النازحة حنان انها تحصل على 5 آلاف جنيه في اليوم مقابل العمل في مطعم، لكنها غير كافية لشراء احتياجاتها واطفالها، مبينة ان المنظمات غالبا ما توزع مواد غير غذائية مثل المشمعات وحقيبة الكرامة ورغم انها مفيدة الا ان الحاجة للمواد الغذائية أكثر في ظل مع ارتفاع الاسعار وقلة الدخل وانعدام فرص العمل للنازحين خصوصا النساء.
وتؤكد إحدى النازحات في القضارف إنهن يعتمدن على أنفسهن في توفير المستلزمات الصحية ولا يحصلن على مساعدة حكومية نهائيا، وأن المنظمات الدولية وبعض المحلية هي التي تقدم مساعدة محدودة وغير مستمرة، فيما تعجز النساء عن شراء ما يحتاجونه بأنفسهن من صابون وفوط صحية لعدم امتلاكهم المال اللازم وعدم وجود فرص عمل، مبينة أنه عند حالات الولادة تعاني النساء في الحصول على الرعاية الصحية بسبب أن العيادات التي تقدم الخدمة في المعسكرات صغيرة وليس لدعم شيئ يفعلونه سوى تحويل الحامل الى مستشفيات القضارف والتي تتطلب المال حتى الحكومية منها، وأكدت أن المتطوعين من الشباب والشابات يقدمون ما يستطيعون من مساعدة وكانت لهم جهود أكبر من جهود الحكومة.
وكشف متطوعون ان النساء غير المصحوبات بأزواجهن او ابناء كبار يواجهن الكثير من المشاكل في البحث عن منزل ايجار، إذ يجدن مشكلة في بعض الحالات في اقناع صاحب المنزل بدفع الايجار بسبب انهم نازحون وقد لا يستطيعون الدفع له، وكذلك يعانين من زيادة الايجارات كل فترة واحيانا يرفض البعض تأجير منزل لمرأة واطفالها دون رجل معهم.
خدمات قليلة وأرقام مفقودة
وكانت المبادرات والمجموعات الأهلية والخيرية هي المنقذ الأول للنازحين، إذ قدمت لهم المساعدات أكثر حتى من الحكومة والمنظمات الأخرى التي جاءت متأخرة، ويقول عضو مبادرة القضارف للخلاص الاستاذ عز الدين محمد أحمد لـ(مدنية نيوز)، إنه ليس لديهم أرقام محددة للنازحين، وقد حاولوا الاجتهاد في الوصول لهذه الأرقام بمراكز الإيواء فيما يخص النساء والرجال والأطفال والأمراض، ولكن لم يستطيعوا الحصول عليها لا من وزارة الرعاية الاجتماعية أو المفوضية أو المنظمات العاملة في هذا المجال، وأضاف: “لكن من خلال عملنا في الميدان وعملنا في المراكز تلاحظ أن غالبية الموجودين في المراكز هم من النساء والأطفال، وتقريبا 90% من المراكز الموجودين بها نساء، والرجال دائما يكونون خارج المراكز حيث يخرجون للعمل”.
وأوضح أن الخدمات التي تقدم بصورة أساسية خاصة بالنساء قليلة، و”عملنا استبيان وزعناه في نحو أكثر من 30 مركزا في ولاية القضارف، واتضح أنه لا تأتي اليهم خدمات خاصة بخصوصيتهم الا منظمة المجلس النرويجي للاجئين (NRC) والتي توزع أحيانا الحفاظات للنساء، لكن لا توجد خدمات بصورة خاصة للنساء، والمشاكل هي الدعم النفسي لهن، ومشاكل الهوس، وتابع: “عملت في مركز إيواء مشرف لنحو 6 أشهر، هناك نساء كبيرات يعانين من أنهن لا يعرفن أين أبنائهم، لأن الكثيرين خرجوا وتركوا أولادهم في مناطق النزاع، والاتصالات مقطوعة بينهم وهذا الأمر يمثل لهن هاجسا كبيرا”.
وأكد عز الدين أن المشاكل العامة تتمثل في نقص الغذاء والدواء، إذ وجدوا خلال عملهم في الأدوية والأمراض المزمنة نازحين يحملون صنادق أدوية فارغة ولهم أكثر من أربعة أشهر لم يتناولوا دوائهم لأنهم لا يملكون المال لشراء أدوية السكري والضغط بسبب الضائقة المادية، وهي مشاكل عامة ليس النساء فقط.
وأكد عضو مبادرة القضارف للخلاص، أن شريحة النساء هي شريحة مهمة ومستضعفة وتحتاج لجهد خاص، مبينا ان أغلبهم خرجوا للعمل ومعروف المشاكل التي تواجههم في الفضاء العام بسبب ثقافة المجتمعات، وتابع: “النساء اللاتي خرجن لبيع الأكل والخضار والشاي، أو مثل المراكز الموجودة في المحليات الخارجية تواجههم مشاكل متعددة”، لكن إحصائيات عن العدد في المراكز لا اعتقد أن هناك جهة لديها أرقام، وهناك حتى مراكز سألناهم متى جاءوا لأخذ إحصاء ومعلومات وجدنا أنها تمت منذ شهور، وحتى لو موجودة لن تكون دقيقة وتحتاج الى تحديث”.

تحرش واغتصاب
وحسب المعلومات التي توفرت فإن هناك مشاكل تواجه النساء والفتيات في مراكز الإيواء بأشكالها المتخلفة، وقد وقعت حوادث تحرش واغتصاب واستغلال من أشخاص داخل المراكز وخارجها وحتى من المكلفين بحراسة هذه المراكز التابعين للجهات الامنية الحكومية، وتمكن المشكلة الاكبر انه يتم التكتم على هذه المشاكل ولا توجد معلومات او ارقام عنها حتى لدى الجهات الحكومية، ويتكفل المتطوعون فقط بالتصرف معها عبر الدعم النفسي وتقديم البرامج الثقافية ممثلة في حملات التوعية المباشرة او عبر المسرحيات التي تقدم في المراكز وتستهدف النساء والفتيات.
وقال مصدر ميداني ذو علاقة مباشرة بمراكز الإيواء لـ(مدنية نيوز)، إن المعلومات التي لديهم تفيد بوجود مشكلة التحرش كواقع لا يمكن إنكاره، وأضاف أنه في أحد المراكز هناك تحرش جنسي على نطاق الفتيات والأطفال من الجنسين، وتابع: “علمنا بحالة تعرضت لاغتصاب في الحمام من قبل 4 أشخاص في أحد المراكز البعيدة”.
وحسب المصدر هناك مثال آخر تمثل في طفلة جرت محاولة الاعتداء عليها من قبل شاب يقيم معهم في نفس المركز، ولكن تم الشعور به مما أدى الى تدخل المسؤولين عن أمن الموقع، وأضاف المصدر ان الأمر المؤسف أن هذه الاعتداءات الجنسية تحدث رغم وجود حراسات في المراكز ويفترض أنها مواقع آمنة، ويفيد بأنه لا يوجد تدخل ملموس في هذا الإطار، وأشار الى أن كل الذي يقدم هو برامج ينفذها متطوعون ومجموعات ثقافية تقدم للنازحين جرعات كبيرة عن الوعي والحماية والامانة والدعم النفسي، والتعايش السلمي، وحتى عن الصحة والأمراض المنقولة عبر الأوساخ والنواقل مثل البعوض والذباب، وقد مثلت هذه البرامج متنفسا للنساء والفتيات وعبرت عن مافي دواخلهم واحبوها.
وتابع المصدر: “ما وصلنا من معلومات هناك استغلال حتى من بعض المسؤولين عن تأمين هذه المراكز للنساء والفتيات، ولا يوجد تدخل جذري من أي جهة حكومية أو غيره في هذه المشاكل، وأساسا يكون المتعرض للعنف ضعيف وقليل حيلة”.
وتقول متطوعة تعمل على مساعدة النازحين لـ(مدنية نيوز)، إنه فيما يخص الحمامات ففي بعض المراكز يكون موقعها قريبا وسط الناس وهذا يتسبب في تلوث لأن الروائح والذباب تخلف وضعا صعبا وغير مريح وأيضا بسبب سوء الاستخدام، أما الحمامات البعيدة عن موقع السكن فهي ايضا تعاني من سوء استخدام وفيها عدم أمان، وتابعت: “لا يمكن أن أترك طفلي يمشي المسافات دي كلها ويغيب عن نظري مع التحرشات التي تحدث سواء كانت من أعمارهم أو من الأكبر منهم، ولا أكون متاحة في كل الوقت لأذهب مع الاطفال الى الحمامات”، وتضيف أن النساء أحيانا يكن متعبات ومريضات لذلك يتركن الاطفال يقضون حاجتهم أمام عيونهم القرب منهم وهذا بدوره تلوث ويسبب الأمراض”.
وقالت المتطوعة ان هناك فرقا تقدم توعية ودعم نفسي عبر المسرح البشري ومسرح العرائس، “وهو يقدم دعم نفسي ملموس وأحدث ذلك أثرا جيدا وسط النازحات النساء والفتيات، ويستطيعون من خلال تلك العروض أن يخرجوا الكبت من دواخلهم سواء كان عن طريق الضحك أو التأثير بالبكاء وقد لاحظنا ذلك كثيرا”.