الجمعة, مايو 23, 2025
اقتصادتقارير

كوارث محتملة.. غابات السودان تئن تحت وطأة الحرب

تقرير: نصر الدين عبد القادر حسن

توطئة

تُعد غاباتُ السودان من الثروات العظيمة في بنية اقتصاد البلاد، رغم عدم وجودها في قائمة الأولويات بالنسبة للحكومات المتعاقبة منذ فجر الاستقلال، إلا من ناحية كونها تدر أموالا لخزينة الدولة، حيث كانت تغطي أكثر من 55% من مساحة البلاد، ثم تقلصت إلى 10% خلال عقود ليست ببعيدة، وكانت غابات الهشاب التي تنتج الصمغ العربي، تغطي ما يفوق الـ 80% من الإنتاج العالمي للصمغ، وهو من أجود الأنواع، إضافة إلى محافظة الغابات على التوازن البيئي والمناخي، والأمن الاقتصادي، وغير ذلك من الفوائد العظيمة.. وبسبب الحرب تعرض القطاع الغابي إلى هجمات شرسة بالقطع الجائر من المواطنين وتجار الأخشاب، والعسكريين…إلخ

وبالرغم من أن الغابات تحدد مدى سلامة وصحة النظام البيئي، وبالرغم من المخاوف القديمة/ المتجددة بخطورة الزحف الصحراوي، وتهديده لحياة الملايين من الناس، غير أن محاولات مكافحته لا تتعدى الدعاية السياسية والشعارات، دون ترسيخ مفهوم البيئة كجزءٍ يوميٍّ من حياة الناس، حتى يكون الإنسان السوداني في كل بقعة مهتما بالأرض، وبالطبيعة، وبالتالي مهتما بالحياة نفسها، كما هو الحال بالنسبة لدولة كينيا التي تولي اهتماما كبيرا للقطاع الغابي، حيث جعلت الغابات جزءا من حياة الناس، وفي بعض المناطق الكينية بحسب شهود عيان أن المواطنين يخرجون إلى العمل وهم يحملون بعض البذور التي توفرها لهم الدولة، وينثرونها في طريقهم، والأمطار المستمرة تقوم بالباقي، لذلك فإن الأمطار والأجواء اللطيفة تكاد تكون مستمرة في تلك البلاد، إضافة إلى التطبيق الصارم للقانون، والدور الفعال لجمعيات البيئة هناك.

لم تكن المخاطر التي تواجه الغابات في السودان وليدة الحرب، لكنها تعتبر المحنة الأكبر التي تواجه البلاد في غاباتها، وفي هذا التقرير سنتناول محنة الغابات بصورة عامة، مع أخذ غابة أبو جيلي بشرقي سنار كنموذج لمأساة الحرب، وهي واحدة من الغابات المهمة، المتاخمة لخزان سنار، وما تعرضت له من تحطيب جائر،  بصورة تهدد بزوالها، ومن ثم تعرض حياة الآلاف من المواطنين لضنك العيش، وشظف الحياة.

وفي إفادة مقتضبة أفصح مدير الهيئة القومية للغابات المكلف الدكتور/ موسى سليمان السفوري عن تكوين لجان بدأت مزاولة عملها بعمل حصر أولى للولايات التي دخلتها المليشيات بحسب وصفه، وما تعرضت له الغابات وأصولها المتحركة والثابتة من تخريب”.

استنزاف الغابات..!

المدير السابق للهيئة القومية للغابات د. عبد العظيم ميرغني، في إفادته للمحرر، يقول: إن اثر الحرب على الغابات كبير وعميق، ويتعدى مجرد تدمير الأشجار، ليطال كل وظائف الغابة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك من عدة محاور، أجملها خبير الغابات في الاستنزاف المباشر للموارد بسبب غياب الرقابة أوقات الحرب، ومناطق النزاع، فيزداد القطع الجائر للأشجار واستخدامها في الوقود، ومواد البناء (الأعمدة الخشبية)، وتستباح أراضي الغابات من جميع الأطراف: مسلحين، نازحين، متاجرين، حتى الغابات المحمية لا تسلم من ذلك. ثم يأتي غياب البدائل وارتفاع أسعارها بحسب د. ميرغني، والذي يشير في ذلك اسطوانة الغاز وصل سعرها إلى 50 ألف جنيه ـ في حال توفرها ـ مما جعل الغابات تتحول إلى مصدر بقاء، وهو ما يؤدي إلى تدهور متسارع في الموارد الغابية.

ويضيف المدير السابق للهيئة أن الضغوط على الغابات تتزايد في مناطق النزوح الجماعي بسبب الاعتماد الكلي عليها، خاصة على الحطب والفحم كمصادر رئيسية للطاقة، في ظل صعوبة إمداد الغاز والكهرباء بسبب الحرب، وهذا الطلب الهائل يسرع من وتيرة القطع الجائر، سيما الأشجار بطيئة النمو، وكل ذلك دون أي اعتبار لمبادئ الإدارة المستدامة أو الحفاظ على التنوع الحيوي.

أمثلة من الواقع:

في السودان ومنذ ستينات القرن الماضي نشأت معسكرات النزوح في ربوع السودان، وبلغت أعدادا كبيرة، ويشير خبير الغابات، د. عبد العظيم ميرغني إلى أن ولاية النيل الأبيض وحدها توجد بها عشرة معسكرات، تأوي ما مجموعه نصف مليون لاجئ من جنوب السودان، إضافة إلى المعسكرات الأخرى في ربوع السودان مثل معسكر الطنيدبة بولاية القضارف والذي يضم أكثر من عشرة آلاف مسكن، جميعها من القطاطي والكرنك، ويستهلك الفرد مترا مكعبا من الأخشاب على أقل تقدير، وعلى هذا يمكن تصور حجم الدمار الذي لحق بالغابات منذ أوائل ستينات القرن الماضي، تاريخ بداية اللجوء الأجنبي إلى السودان، هذا بالإضافة إلى ما تستنزفه معسكرات النازحين السودانيين.

والتغول على الغابات يؤدي إلى فقدان التنوع الحيوي، حيث حولت الحرب الغابات إلى مصدر للغذاء، وتدفع بعض السكان لصيد الحيوانات البرية، وغياب الرقابة يسمح بعمليات صيد واسعة، كما حدث في حظيرة الدندر القومية، وأحياناً لأغراض تجارية، مما يخلّ بتوازن النُظم البيئية داخل هذه المحميات ويؤدي إلى فقدان التنوع الحيوي، ويهدد الأنواع النادرة بالانقراض.

أدوار الغابات في الأزمات

تتعاظم أهمية الأدوار التي يمكن أن تلعبها الغابات، خصوصاً في أوقات الحروب والكوارث والظروف الحرجة والاستثنائية الأخرى، وخير مثال على ذلك ما حدث في عام 1986، إبان الجفاف الذي ضرب البلاد في ذلك العام، فلولا ثمرة شجرة السنط “القرضة”، لنفقت الثروة الحيوانية الأليفة والبرية، المستوطنة والوافدة، في الإقليم الأوسط وما حوله من ولايات.

وأثر الحرب على غابات السودان لا يقف عند حدود الاستنزاف المباشر لمواردها، بل يمتد ليشمل تحولات جذرية في أدوارها البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ويتطلب ذلك وعيًا جديدًا يعيد تقييم الغابة ككيان حيّ، لا كمجرد مخزون خشبي أو مورد ثانوي، هذا وقد تُحدث الحرب ارتباكًا كبيرًا في النُظم الزراعية والرعوية، مما يدفع المجتمعات إلى الاعتماد أكثر على الغابات كمصدر بديل للغذاء والرعي.

تدهور الاقتصاد الغابي

يمضي د. عبد العظيم في تشريحه لقضية الغابات المحورية في بنية الاقتصاد السوداني قائلا: إنه في ظل انهيار الاقتصاد الرسمي، أصبحت الغابات مصدراً مباشراً للنقد، حيث يعتمد الكثيرون في مناطق الحرب على صناعة الفحم وبيع الأخشاب كأنشطة تجارية يومية، هذا التحول المفاجئ من الاستخدام المحدود إلى الاستخدام المكثف وغير المنظم، يخلق اقتصاداً هشاً وقصير الأجل، يهدد بفناء الموارد الطبيعية التي بُنيت عليها مجتمعات الريف لقرون، وإن الأثر التراكمي للحرب على الغابات في السودان لا يمكن حصره في أرقام أو تقارير، بل هو خراب يمتد من الجذور إلى الفروع. وإذا لم تُدرج الغابات ضمن خطط التعافي وإعادة الإعمار، فإننا لا نفقد فقط أشجاراً، بل نفقد مستقبلاً كاملاً من التوازن البيئي والعيش المشترك.

إفرازات الحرب على الغابات والمناخ..!

من جانبه يقول الإعلامي المختص في شئون البيئة، ورئيس مبادرة إعلاميون من أجل البيئة والتنمية المستدامة، د. جلال محمد يس: إن إزالة الغابات يفاقم من تأثير التغيرات المناخية، باعتبار أنّ الغابات بالوعة  لامتصاص الغازات الدفينة ذات الخطورة والتأثير العالي، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون، وبالمقابل تنتج الأوكسجين

كما هناك عواقب اقتصادية لإزالة الغابات كفقدان السودان لمورد ومصدر للعملات الحرة متمثل في سلعة الصمغ العربي حيث تأثر حزام الصمغ العربي هو الآخر بالحرب خاصة أن معظم مناطق الحزام تأثرت مباشرة بالحرب فهجرها المنتجين إلى مناطق أكثر أمنا واستغل اخرون ذلك وتم قطع عشوائي وإبادة  لأشجار الهشاب والطلح الإنتاج الفحم وحطب الحريق.

ويشير جلال إلى أن الحرب التي تدخل سنتها الثالثة قد أفرزت واقعا اجتماعيًا واقتصاديًا وبيئيًا أقل ما يمكن وصفه بالكارثي، والظروف الاجتماعية والاقتصادية طيلة فترة الحرب أنتجت جملة من  الصعوبات والتحديات التي واجهت المواطنين سواء كانوا نازحين أو مستضيفين، فبرزت مشكلة الطاقة كأولى هذه المشكلات نسبة لانقطاع غاز الطبخ في أغلب مناطق السودان بسبب دمار المنشأت النفطية وإغلاق مصفاة الجيلي وقطع الطرق الرئيسة الرابطة بين ميناء بورتسودان بمناطق ذات كثافة سكانية عالية، كل ذلك كان له أثر كبير في الاتجاه نحو سد النقص باستخدام الطاقة من الكتلة الحية، كما أن فقدان معظم النازحين لمصادر الدخل وصعوبة إيجاد مصادر دخل بديلة أدى إلى توجه أعداد كبيرة إلى امتهان صناعة الفحم وإنتاج حطب الوقود، وأعمدة المباني فأصبحت الغابات وجهة لكل الناس وهذا بالتأكيد أدى إلى قطع مساحات واسعة من الغابات الطبيعية وكذلك الغابات المحجوزة والأحزمة الشجرية ومصدات الرياح، بل تعدى ذلك إلى قطع الأشجار داخل المنازل والطرقات والضرر الأكبر يقع على المناطق الآمنة، والتي نزح إليها المواطنيون. فمشاهد القطع العشوائي تظهر بكثافة على طول الطريق من ولاية الجزيرة إلى القضارف، حيث طالت الأحزمة الشجرية، والتي كانت تمثل مصدات حية وزينة خضراء  على طول الطريق.

ويضيف اختصاصي البيئة: “تعتبر ولايات سنار والنيل الأبيض والجزيرة والنيل الأزرق والقضارف وشمال كردفان من أكثر الولايات إزالةً للغابات، وهذا مؤشر خطير  سيؤدي إلى عواقب بيئية، وفقدان العديد من الأنواع النباتية والحيوانية، وكما تهدد التنوع الحيوي، وتزيد خطر التعرض للكوارث الطبيعية ومثال لذلك ماحصل من فيضانات وسيول خريف العام الماضي حيث تتسبب عمليات قطع الغابات وازالتها في تذبذب معدلات هطول الأمطار  مما يؤدي إلى موجات الجفاف.

غابة أبو جيلي.. هذه الأرض تغطت بالتعب..!

هناك في شرقي سنار بالقرب على تخوم الخزان، في الناحية الشرقية من نهر النيل الأزرق، كانت كثافة الأشجار تحجب الرؤية، حيث تمتد غابة أبو جيلي لتغطي مساحات شاسعة، الأجواء كانت لطيفة، والناس يجدون متكأً للراحة والأنس، والقرى آمنة بمصدات رياح طبيعية تقيها من هيجان النيل حين يفيض غامرا شواطئه بالمياه.. ولم تطل سنة 2024م برأسها حتى صارت حرب الخامس عشر من أبريل كانت قد وصلت بنيرانها إلى حاضرة ولاية الجزيرة، مدينة واد مدني، الغنية أيضا بغاباتها، وكانت آخر ما يغذي ولاية سنار بغاز الطعام والمواد التموينية، فاتجه الناس جنوبا إلى سنار والتي أصبحت محاصرة ومهددة بالهجوم في أي وقت.. في تلك الأثناء أغلقت الكباري، وتم التضييق على الناس في معاشهم، وانعدم الغاز، وانقطع التيار الكهربائي، فكانت الغابة الحزينة ملاذ الناس للرزق، في صناعة الأخشاب، أو الفحم، أو حرق كمائن الطوب، وغيرها من الاستخدامات.. وفجأة فإذا بالأشجار تئن تحت وطأة نيران الحرب، والفؤوس التي على عادت بذات العيدان التي قطعت سابقا من ذات الغابة، ولكنها هذه المرة برؤوس حديدية.. فظلت الأشجار تتساقط شجرة تلو أخرى، وكأنها تشاطر البلاد أحزانها، والناس نزوحهم وتشردهم وضياع أحلامهم، حيث كل شيء أصبح قابلا للانهيار.

كانت غابة غنية بأشجار متنوعة: السنط، والمهوقني والبان، وأشجار المانجو والطلح والهجليج، ، فأصاب الغابة ما يصيب أي بلد تصيبها آفة الحرب ولعناتها، فأضحت سيقانا متباعدة بفعل شهوة قطع الأشجار والتحطيب النهم، وهي غابة محجوزة منذ بضعة عقود، بمساحة كانت تبلغ 807 فدانا، ثم صارت تقترب من الألف فدان.

منع العاملين من مزاولة عملهم..!

تعتبر غابة أبو جيلي، محمية طبيعية بولاية سنار، حيث كانت تضم أنواعا كثيرة من الحيوانات، والطيور، حتى العشرية الأولى من الألفية الثالثة، لكنها أضحت مخيفة لتلك الكائنات، فهربت بعد تكاثر القرى حولها، ووازدياد الصيد.

بعد الحرب تجاوز الأمر خطورة فناء الحيوانات أو هروبها إلى التهديد بزوال الغابة نفسها.

وكأنها صرخة مستغيث يتألم لحال الأشجار، تقول مفتش أول قسم غابات أبو جيلي، المهندسة/ هند علي محمد علي، في أفادة خاصة للمحرر في شهر مايو من السنة الماضية: إن ما وصلت إليه الغابة خلال الأشهر القليلة بعد امتداد رقعة الحرب إلى ولاية الجزيرة الحدودية مع ولاية سنار، كغيرها من الموارد المتجددة في السودان تأثرت كثيرا بسبب الحرب، فقد تمت إزالة الكثير من الأشجار، وذلك لعدم وجود الحراس، بسبب منعهم ومنع جميع العاملين بمصلحة الغابات من الدخول إلى الغابة باعتبارها أصبحت منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب منها، وذلك لموقعها بالقرب من جسر سنار، الذي يربط مدينة سنار بمدن وقرى شرق سنار، وبالرغم من وجود القوات العسكرية، إلا أن الغابة تعرضت للإزالة والدمار، ومن الممكن رؤية هذا الدمار من خارج الغابة”.

انعدام الغاز وتذبذب الكهرباء..!

وليس ما يحدث للغابة ببعيد عن مأساة الناس، حيث تضيف المفتشة أن كل القرى حول الغابة، كانت تعتمد عليها في توفير حطب الوقود، من ساقط حطب الأغصان اليابسة، وهو أمر غير مضر،  لكن بعد الحرب زاد الاعتماد على الغابة بصورة أكبر، بسبب عدم توفر الغاز، وانقطاع التيار الكهربائي،  مما أثر على الغابة بالقطع المتكرر للأشجار، والحفر المهلك للتربة بحثا في أسفل أشجار السنط عن الترتوس، وأدى ذلك إلى تعرض جذور الأشجار للهواء والتعرية، مما أثر على كثير من الأشجار.

وتستطرد قائلة: فإن  قانون الغابات يمنع مثل هذه الظواهر السالبة، وكان حراس الغابات يحاربون ذلك بمصادرة الآليات المستخدمة في الحفر أو القطع،

والقبض على المعتدين وتقديمهم إلى المحاكمة، إضافة إلى  أن أي حفر  في الغابة لاستخدام التراب في البناء يخالف القانون أيضا،  حيث تم تحديد مواقع محددة ببعض الغابات لاستخراج التراب واستخدام الرملة، وفق رسوم محددة بواسطة مصلحة الغابات.”

و(الترتوس الذي ذكرته المفتشة هو عبارة عروق منفصلة عن جذور الشجرة الرئيسية، يستخرج ويجفف ومن ثم يستخدم بديلا عن الفحم نسبة لطول مدة احتراقه بحسب مواطنين بالمنطقة).

وترى هند أن غابة أبو جيلي تواجه تحديات كثيرة، وتأمل ألا تصل مرحلة الإبادة، لأن هنالك جهودا مبذولة من قبل مصلحة الغابات بتعميرها، وذلك بتنفيذ برنامج التشجير عن طريق الشتول والبذور، وتستدرك: لكن إذا حدثت إزالة للغابة ستكون الخسائر عظيمة، فمساحة الغابة اليوم( 931)  فدانا، وإذا تمت إبادة كل هذه المساحة، فسوف تتعرض البيئة لأنواع من الدمار، إضافة إلى فقدان المراعي الطبيعية للحيوانات، ومصادر الحماية الطبيعية للقرى المحيطة، وفقدان الناس لمصادر الرزق.

لسان حال الأهالي..!

تقول المواطنة (ج.ع) ربة منزل، قابلها المحرر وهي تحمل حزمة حطب على رأسها من مسافة بعيدة إن عدم توفر الغاز وانقطاعات الكهرباء عادة ما تجبر الناس على الاحتطاب، وقطع الأشجار لصناعة الفحم، فإذا توفر الغاز والكهرباء لا أحد يحب الشقاء.

بينما يقول المواطن (ي.ع) صانع فحم، إنّ هذه ليست مهنته، لكن ظروف الحرب فرضت على الناس عطالة إجبارية، مما دفعه إلى العمل في مجال الفحم، راجيا أن تتوقف الحرب وتتحسن الأوضاع حتى يعود إلى عمله، وهو مدرك لأهمية الغابة والأشجار بحسب قوله.

كما أن صناعة صناعة الطوب قدرا كبيرا من الحطب، حيث يُباع بالمتر، وتستهلك الكمينة الواحدة ما بين 10 إلى 20 مترا من الحطب، وهو ما يعادل 15 إلى 20 شجرة كاملة، حيث تحدد مصلحة الغابات مربعات إنتاجية بعينها للبيع، لكن بعد الحرب صار الأمر خارج يد مصلحة الغابات حيث يتم التحطيب بصورة عشوائية رغم الملاحقة القانونية بحسب إفادة مفتش أول قسم غابات أبو جيلي في الإفادة أعلاه.

وهنا قد نشير أن المحرر قد شاهد تعديات مستمرة على الغابة من قبل عساكر يرتدون الزي الرسمي للقوات المسلحة يقومون بعمليات قطع الأشجار، وشحنها عبر التكتك وعرضها للبيع للأفران وصناع الطوب.

ميزة غابة أبو جيلي..!

تقول مديرة الإرشاد بمصلحة الغابات بولاية سنار، مروة علي الحاج: إنّ غابة أبو جيلي من الغابات المميزة بولاية سنار، وذلك لموقعها الجغرافي، إذ تقع متاخمة للنيل الأزرق، شمال خزان سنار، وأيضا لتنوع الغطاء النباتي، من الصفصاف والسنط والمهوقني والمانجو وغيرها، مما أعطاها ميزة تفضيلية أكثر”. مضيفةً: أن للغابة أثر بيئي واقتصادي واجتماعي كبير، حيث تحيط بها مجموعة من القرى التي تعتمد عليها في توفير الوقود، ومواد البناء، وعلف الحيوانات، والحماية من الأعاصير، كما أنها تمثل حماية للنيل من الهدام

والانجراف، فلولا وجود الغابة لتعرضت القرى المجاورة للفيضانات، ولغمرت بالمياه كلما ارتفع منسوب النيل، كما تحميها من الرياح والأعاصير، تقوم الغابة بحماية المغروسات، وتحافظ عليها، وتزيد من الإنتاج، وتحمي حيوانات المنطقة، كما تلطف الجو وتقلل درجات الحرارة. وهذا فيه إشارة واضحة إلى التوازن البيئي والمناخي الذي توفره الغابات.

و من ناحية الجوانب الاقتصادية، والقول لمديرة الإرشاد الغابي: إنها كثيرة، منها توفير حطب الوقود، ومواد البناء، والعمالة بالنسبة للقرى المحيطة، وتزيد من إنتاجية المحاصيل الزراعية، وتوفر المرعى، والغذاء والدواء، وبعض الأعشاب الطبية، والثمار، وتوفير الأخشاب لصناعات الأثاثات، إضافة إلى صناعة الطوب الأحمر، كما تساهم من الناحية الاجتماعية، في رتق النسيج الاجتماعي، وذلك من خلال عمل المواطنين بالزراعة، أو العمل في حماية الغابة ضمن مصلحة الغابات، وكذلك تعارف نساء وأطفال القرى المحيطة أثناء جمع حطب الوقود، أو الثمار والعلف، والأعشاب الطبية، وغير ذلك.

الخلاصة..!

إن مسألة الغابات قضية وجودية للسودان، بل تكمن أهميتها الضرورية لكوكبنا بصورة عامة في التوازن البيئي والمناخي، لجهة كونها مجال حيوي قائم بذاته، ولذلك فإن على العالم أن يتجه بكلياته لإنقاذ غابات السودان، خاصة وأن السودان مرشح لسد الفجوة الغذائية في العالم، مع التغيرات الكبيرة، وتراجع المساحات الصالحة للاستزراع وإنتاج الغذاء العالمي.. لذلك فإن هذه القضية لا تخص السودان وحده، وإنما معني بها المجتمع الإنساني في الكرة الأرضية كافة. ولا يمكن حلها إلا بمعالجة المسببات التي تؤدي إلى زوالها، وإيجاد البدائل، المتمثلة في الغاز الطبيبعي بالنسبة للمواطنين، وتوفير الكهرباء، والموارد اللازمة لعملية تعويض المفقود من القطاع الغابي.

أو سنقف يوما نردد مع الهندي الأحمر حينما فقد أرضه وأشجاره:

“آه يا أختيَ الشجرة

فقد عذبوكِ كما عذبوني

فلا تطلبي المغفرةَ لحطَّابِ أمي وأمك”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *