الجمعة, يونيو 27, 2025
Uncategorisedتقاريرسياسة

المرأة في قلب الألم.. شهادات من العنف الجنسي والانتهاكات بمناطق الصراع

ضحية: أُغتصبت أنا إبنتي امام زوجي من قبل الدعم السريع

شبكة صيحة: وثقنا ما بين (300-400) حالة اغتصاب واختطاف والعدد يفوق التوقعات

شاهدة عيان: المسلحون يعترضون طريق النساء وينهبون طعامهن تحت تهديد السلاح

تقرير: منى النور

الحياة اليومية للمرأة في مناطق النزاعات في السودان اتسمت بالكثير من التحديات والصعوبات في ظل النزاع المسلح المستمر، إذ تواجه النساء والفتيات انتهاكات مرعبة لحقوقهن بما في ذلك العنف الجنسي والاختطاف، بالإضافة إلى تأثيرات النزوح وتدهور الأوضاع المعيشية، كما تعيش النساء أوضاعاً نفسية واجتماعية وصحية سيئة، وتشمل هذه الحالات الحمل القسري والإجهاض علاوة على وقوع العديد من حالات الزواج القسري.

السيدة (ن) والتي فضلت حجب اسمها، وهي احدى ضحايا اغتصاب جماعي مع طفلتها التي تبلغ من العمر عشر سنوات من أفراد يتبعون لقوات الدعم السريع، تروي (ن) لمدنية نيوز لحظات الألم والإنكسار التي لم تبارح تفاصيل ذاكرتها، وتقول: “أذكر ذلك اليوم جيدا كانه الآن. كنت مع اطفالي وزوجي بالمنزل عندما هجم علينا افراد المليشيا وقاموا بإطلاق الرصاص على زوجي واصابته في قدميه وقاموا بإغتصابي وبنتي امام عينيه وكنت اتوسل اليهم ان يخلوا سبيل طفلتي، ولكن كل توسلاتي لم تحرك ساكنا، وتناوبوا على إغتصابي دون رحمة وكانوا يضحكون باصوات عالية ويوجهون الحديث لزوجي المصاب الذي كان شاهدا على كل تفاصيل تلك اللحظات (قوم كان تقدر).

قالت (ن) “بعد تلك الساعات المؤلمة من حياتي خرجنا نبحث عن طبيب لزوجي الذي كان ينزف وبعدها قررنا مغادرة البلاد نهائيا دون عودة، وهمي الأول والأخير طفلتي التي صارت تعاني من اضطراب نفسي والخوف من الغرباء وقررنا الهجرة لمعالجة ابنتي نفسيا وترميم الجراحات التي خلفتها الحرب على أجسادنا”.

سلاح الحرب:

تعتقد منظمات حقوقية أن الدعم السريع اتخذ الاغتصاب سلاحًا في الحرب واستراتيجية لإذلال المجتمعات، نظرًا إلى أن أكثر من نصف الحالات الموثقة عبارة عن اغتصاب جماعي.

وبحسب وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة الرعاية الاجتماعية التي تعمل على رصد الحالات وتوثيقها والتواصل معها وتقديم الدعم؛ وصل عدد حالات الاغتصاب منذ بداية الحرب في السودان وحتى 20 حزيران/ يونيو 2024 إلى 191 حالة. قالت سليمى إسحاق مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في تصريحات سابقة إن ارتفاع عدد حالات الاغتصاب المسجلة في الفترة الأخيرة، يعود إلى فقدان التواصل لفترة من الزمن مع عدد من الحالات، بما في ذلك حالات مدينة الأبيض التي وقعت في بداية الحرب، وقد تم تسجيل هذه الحالات خلال الأسابيع السابقة، بعد استقرار الأوضاع الأمنية بصورة نسبية.

كما استطاعت الوحدة أن تصل إلى ضحايا الاغتصاب من منطقتي الجزيرة وسنار، وتمكنت النساء هناك من الحصول على الخدمات الطبية. وأضافت سليمى قائلة: “حتى الآن لدينا ثماني حالات من الجزيرة، وهذه هي الحالات التي تحصلت على الخدمات الطبية، أو تمكنت من الخروج منها، ونحن نعرف أن العدد الحقيقي يمكن أن يكون أكبر من ذلك بكثير، وهناك عدد أكبر من الحالات منذ بداية الحرب في كل من نيالا والجنينة والخرطوم حيث أجريت تحديثات خلال الأربعة أشهر الأخيرة فقط”، وتابعت: “وصلتنا حتى الآن ثماني حالات حمل قدمنا المساعدة لهن؛ ولكن هناك حالات أخرى وصلت بعد أن أصبح الحمل في مراحل متقدمة، فلم تكن هناك فرصة الإجهاض القانوني. ومع ذلك، لم تكن هناك ثمة مشكلة في مسألة الولادة وتسليم الأطفال لأسر بديلة”.

شاهدة عيان:

تقول انصاف احمد (صحفية)، لمدنية نيوز انها كانت شاهدة على عامين من الرعب والخوف تحت نيران القصف بالطيران والمدفعية، هي وطفلاتها الثلاث بمنطقة صالحة ضاحية امدرمان. تعود انصاف بذاكرتها لتلك الايام العجاف وتقول “من اصعب المواقف التي مرت بي، مرض الوالدة ووفاتها من بعد بسبب مضاعفات السكر والضغط، إذ لم يكن من السهل الذهاب إلى مستشفى لتلقي العلاج لعدَمها وان وجدت فلا يمكنك الذهاب إليها إلا تحت رحمة المليشيا وسيطرتهم ومطالبتهم بالمال مقابل الذهاب للطبيب.

وتضيف أن قوات الدعم قامت باختطاف الاطفال “وطلب الفدية من الاسر او قتلهم مما أثار الرعب في نفسي فكنت لا اسمح لهم بالخروج بتاتاً الى باحة المنزل للعب واحرص على بقائهم بقربي”، مشيرة إلى الانتهاكات والظلم الذي يمارس في حق المواطن وتحديداً الرجال في مناطق الصراع بالضرب والسلب والقتل، جعل العبء الأكبر يقع على النساء من حيث جلب الطعام والمياه لأطفالهن في ظروف بالغة التعقيد، بعد ان ضيقت المليشيا الخناق على الرجال بالأسر والتصفية، فلاذ بعضهم بالهروب من جحيم المليشيا، فوجدت عدد كبير من النساء أنفسهن العائل الوحيد لاسرهن، فكان المسلحون يعترضون طريق عودتهن من الأسواق وينهبون الطعام تحت تهديد السلاح مما ضاعف من المعاناة وساهم في انتشار سوء التغذية وسط شريحة الأطفال وانتشار الكوليرا وغيرها من الأمراض.

على المحك:

منسقة الحماية والاستجابة في المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الافريقي شبكة “صيحة “، عادلة أبوبكر، قالت ل(مدنية نيوز): ” تاريخياً لم يكن استخدام الاعتداء الجنسي والاغتصاب أمراً جديداً، إذ استخدم في حروب دارفور منذ 2003 وحتى الآن وفي النيل الأزرق، حيث تعرضت مئات من النساء لجرائم الاغتصاب، والاغتصاب الجماعي، وغيرهما من أشكال العنف الجنسي”. وقد ضاعفت الحرب من معاناة النساء، وارجعت عادلة ذلك لسوء الأحوال الاقتصادية بالبلاد وتعقيداتها. وقالت إن الحرب ألقت بظلالها السالبة خاصة على ذوات الدخل المحدود فهن الأكثر معاناة، حيث تعرضن خلال رحلة النزوح للعنف الجسدي والسرقة، والاختطاف وغيرها من الانتهاكات”.

مؤكدة أن ضعف الخدمات من المنظمات بمراكز الإيواء قاد الكثيرات للعمل في المنازل والأسواق وباتت أوضاعهن على المحك فمنهن من ماتت حسرة على فقدها كل ما تملك او لعدم توفر الرعاية الطبية.

وحول طبيعة الانتهاكات التي تعرضت لها النساء قالت منسقة الحماية إنهن تعرضن لكل أنواع العنف الجسدي حيث استطاعت الشبكة توثيق ما بين (300-400) حالة اغتصاب واختطاف، وأن العدد يفوق التوقعات، مشيرة إلى أن العنف الذي تعرضت له النساء عنف ممنهج، وبات من أدوات الحرب حيث أضحت كل مناطق الصراع منطقة ساخنة يتوقع حدوث كل الانتهاكات بها، مضيفة انهم كمنظمة نسوية يسعون لصياغة سياسات لحماية الاستجابة الانتهاكات وتوفير الحماية للضحايا والتحدث عن العدالة الاجتماعية التي من دونها سوف يتكرر الإفلات من العقاب.

أزمة إنسانية:

فيما ترى هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن الأزمة الإنسانية في السودان لها تأثير كارثي خاصة على النساء والفتيات حيث يواجهن الجوع والنزوح ونقصا في الخدمات والإمدادات الأساسية فيما تضاعف العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وبحسب تقرير صادر عن الهيئة بعنوان “النساء والفتيات في السودان: الصمود وسط لهيب الحرب”، والذي سلط الضوء على التأثيرات غير المتناسبة للصراع المتصاعد على النساء والفتيات السودانيات.

فقد زاد عدد المحتاجين إلى خدمات متعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي بنسبة 100% منذ بداية الأزمة، ليصل إلى 6.7 مليون شخص – الغالبية العظمى منهم من النساء والفتيات بحلول 2023، ومن المتوقع أن يكون نزايد هذا العدد.

وأشار التقرير إلى أن العنف المستمر وخاصة في الخرطوم ودارفور وكردفان، أدى إلى تفاقم المخاطر التي تواجهها النساء والفتيات، وسط تزايد التقارير عن حالات عنف واستغلال واعتداءات جنسية مرتبطة بالصراع.

وأكدت هودان أدو، القائمة بأعمال المديرة الإقليمية لمكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب أفريقيا أن النساء والفتيات في السودان يواجهن تحديات لا يمكن تصورها، ومع ذلك فإن قوتهن و قدرتهن على الصمود لا تزال تلهمنا وبالتالي لا يمكن أن نسمح للسودان بأن يصبح أزمة منسية. وناشدت المجتمع الدولي أن يتكاتف لدعم النساء في السودان لضمان حصولهن على الموارد والحماية التي يحتجن إليها للبقاء على قيد الحياة وإعادة بناء حياتهن.

البعد النفسي:

فيما يرى د. ياسر موسى الاستشاري في علم النفس، أن المرأة السودانية وعلى مر التاريخ مقارنة بمثيلاتها في المنطقة تعد نموذج يحكي عن كيف يكون الإنسان في بيئة الأمان والاستقرار، كيف تكون حياة السلام والأمان لذلك أصبحت المرأة هي محور المجتمع منها يستمد قيمه وتماسكه  سيما ما احرزته من تقدم وترقي على كل المستويات صعودا في التعليم لترتقي كل المجالات، مضيفا أن الحرب التي تدور رحاها في السودان قد احدثت اثارا كبيرة على المجتمع السوداني بوصفه المتضرر الأول بالنزوح واللجوء وترك منازلهم وبيوتهم ومنبع جذورهم، وعند الوقوف على أقوى الأسباب التي جعلت ملايين الأسر تعلن الرحيل والتنقل تشردا داخل الوطن او خارجه سنجد ان السبب الرئيسي هو الضرر والانتهاك الذي تعرضت له المرأة من اختطاف واغتصاب وزواج قسري للطفلات، وتعتبر المرأة السودانية الأكثر ضررا من الحرب والتي تحركها دوافع العنصرية والقبلية ولهذه الدوافع سيكولجيا خاصة في جزوة الاعلاء القبلي مقابل عوامل سيكولجية أيضا تتمثل في الشعور بالدون والاضطهاد مما يدفع بالقتال للانحراف الى اعراض المجتمع ومصدر عزته وهي المرأة ولا شيء يماثل الم وقهر المجتمع عندما تسبى النساء ويتعرضن للاغتصاب على مشهد أسرهم ومجتمعاتهم، لا شك ان هذه الحالة من الاستهداف ضد المرأة تمثل تهديدا كبيرا واضطرابا نفسيا عظيما للمرأة تسبب في أحداث أمراضا نفسية شديدة لدي نسبة كبيرة من الناجيات فما بال ضحايا الاغتصاب والعنف والانتهاك. وقال هناك بعض الأمراض النفسية التي يمكن تصيبهن.

آثار ما بعد الصدمة:

وقال د ياسر لمدنية نيوز ان الصدمة واثار ما بعد الصدمة هي مجموعة اضطرابات كالقلق او الخوف والاكتئاب، واضاف “للأسف يشترك فيها الناجيات وضحايا العنف والاغتصاب وتستمر اعراض الإصابة وتؤثر تأثيرا بالغا على حياة المراة يختلف باختلاف القدرة على التحمل ونوع العنف والانتهاك الذي تعرضت له المرأة وما أكثر الحالات وما اقسي الأثر النفسي الذي للأسف لم يجد تدخلات نفسية وإجراءات منظمة للتعافي. اما ضحايا حالات الاغتصاب والزواج القسري وهي حالات تبرز ما سقناه سابقا حول قوة استخدام سلاح الجنس في هذه الحرب اللعينة تتكامل وتحتشد كل أشكال الاضطرابات النفسية لدي ضحايا الاغتصاب والزواج القسري وابرزها الاكتئاب الحاد والذي اودي بالكثيرات الى الانتحار مما يشير إلى عدم توفر الاسعافات النفسية واحالة الضحايا الى تلقى خدمات دعم نفسي اجتماعي متكاملة ولعل هذا يرجع إلى، شح الإمكانات مقابل وحشية الحرب وانتهاكها للقوانين الإنسانية بالسماح للمسعفين بالتدخل هذا من جانب، ومن جانب اخر ارتباط الجرائم الجنسية بالوصمة الاجتماعية والعار بالتالي انكسار الضحية وأهلها وعدم القدرة على الإفصاح والشكوى فيكون مصير الضحية اما الانتحار او العزلة النفسية والاجتماعية، وتابع “ما أصعب الحديث عن هذا النوع من جرائم الحرب واثاره المستمرة والتي بعد عامين من اشتعالها صار لدينا أطفال هم نتيجة حالات الاغتصاب وهي مشكلة اجتماعية تضاف الى كمية الآثار النفسية والاجتماعية للحرب، بجانب حالات الاضطرابات النفس جسدية وهي من الاضطرابات الأكثر انتشارا لدى المرأه ضمن آثار الحرب تظهر في حالات الشلل الجزئي او الكامل أيضا في الإصابة بالسكر او ارتفاع ضغط الدم، كذلك اضطرابات الجهاز الهضمي والنظام الغذائي واضطرابات النوم والقلق وفرط الكلام أو الحركة او الصمت.

وأشار ياسر الى ان هناك ايضا حالة فقدان الثقة بالنفس وبالآخرين وهي حالة منتشرة بكثافة لدى الناجيات مع انتشارها لدى الذكور والاناث وهي من الأعراض شديدة الخطورة لتاثيرها في بناء المجتمع وتماسك الأسرة، بالتالي تفكك العلاقات والتفاعلات الاجتماعية ناهيك عن الشغف للحياة وتمدد الآثار على الحياة المستقبلية وهي حالة نفسية شديدة الارتباط بالاثار سابقة الذكر، لان استمرار الاكتئاب واثار ما بعد الصدمة يعني استمرار حياة مضطربة غير آمنة ولا مستقرة لاستمرار الألم النفسي بالتالي قصور الرؤية المستقبلية، وهذا ما يشدد ويعضد أهمية الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا مرورا بالتعافي النفسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *