وحدة قوى الحرية والتغيير ومستقبل الثورة – 1
بقلم: حسين سعد
تواجه مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير تحديات عديدة وتتصاعد حدة الخلافات يوماً بعد يوم وتتزايد معها نقاط الخلاف، إلا أن تلك الخلافات الأخيرة باتت خطيرة للغاية لأسباب عديدة، لكن التحدي الرئيسي يتمثل في كيفية الحفاظ على وحدة صفها، وفي هذا المقال نضع أيادينا على موضع الخلافات في محاولة لتلمس المعالجات المطلوبة حتى تعتبر الفترة الانتقالية بسلام بقوة الحاضنة السياسية للثورة (قوى إعلان الحرية والتغيير).
ولا ينحصر تأثير التجاذبات بين مكونات الثورة حول المجلس التشريعي وولاة الولايات فقط، وإنما تعداه إلى قضايا أخرى تكشف عن خطر يحيط بمستقبل تحالف قوى الثورة، كما يعكس تعاظم التباينات الداخلية أيضاً إشكالية عميقة حول استقرار الفترة الانتقالية في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها السودان، بجانب تربص القوى المضادة للثورة التي تفاقم من حجم التباينات وتساهم في زعزعة وحدة قوى الحرية والتغيير، وتعمل لتفتيت الثورة وإجهاضها عبر إثارة الخلافات والتباينات والانقسامات فيما بين مكوناتها.
صحيح أن مكونات الحرية والتغيير ترتكز على أيدلوجيات مختلفة ومن الطبيعي أن تكون هناك تباينات لكن الأمر المثير للانتباه هو أن تظهر هذه الخلافات والتباينات قبل أن تطوي الثورة عامها الأول وقبل تحقيق أي من أهدافها المعلنة في إعلانها.
نعلم أن القوى المضادة للثورة بذلت جهوداً كبيرة لتفتيت قوى الحرية والتغيير من الداخل عبر إثارة الخلافات فيما بينها، وتضخيم أخطاء كل طرف، وترديد وبث المقولات والدعايات المثيرة للعداء بين المكونات، ومحاولات اختراقها، بالإضافة إلى تشكيل تكتلات بلافتات مختلفة محسوبة على الدولة العميقة.
هدف رئيسي:
أما لجان المقاومة فقد كان نصيبها أكبر من محاولات الاستمالة والاستقطاب من الدولة العميقة، ومن بعض الأحزاب، وشكلت لجان المقاومة هدفاً رئيسياً للقوى المضادة للثورة لإفراغ الساحات منها بوسائل الترغيب والترهيب والدعاية والحرب النفسية، بجانب العمل على توسيع فجوة عدم الثقة بينها وقوى الثورة الأخرى كالأحزاب، وكان الغرض من التركيز على شباب تلك اللجان هو تجريد الثورة من الورقة الشعبية، ومن جانب آخر أثرت الخلافات بين مكونات الحرية والتغيير والجبهة الثورية، حيث خرج ذلك الخلاف المكتوم إلى ساحات الإعلام ومنصاته، وتسببت الخلافات على مستوى التعاون والقبول لبعضهما، وأسفر الخلاف عن انقسامات واضحة بينهما، الشاهد عليها محادثات السلام حيث أصبحت هناك مسارات جغرافية لعملية السلام التي تفتقد للرؤية الاستراتيجية وتفتقد كذلك لمعالجة تداعيات قضية السلام والأوضاع الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والسلام والعدالة الانتقالية.
وبالنظر إلى ذلك نتوقع تفاقم التباينات التي تغذيها أكثر من منصة إعلامية، ولا يخلو الأمر من مخاشنات لفظية وتصريحات إعلامية، ونرى أن استمرار الثورة مرتبط في جزء كبير منه بجعل العلاقة بين مكونات قوى الحرية والتغيير فاعلة، ويعتبر الخلاف حول المجلس التشريعي وولاة الولايات خلاف أعمق بينهما وهو الأمر الذي قاد لإرجاء إعلانهما.
ونرى أن المعركة ليست في المحاصصات، وإنما في استقرار الفترة الانتقالية والعبور بها بأمان، فبعض الأحزاب كانت سبباً في تأخير الثورة لاعتماد بعضها على الحلول التوافقية التي لم تحقق شيئاً، وهذا ما أربك قوى الثورة وسحبها إلى مربع التفاوض وجعل الجميع في انتظار ما ستسفر عنه الحلول التوافقية، وتجدر الإشارة إلى مبادرة بعض الشباب الذي نظموا موكب طبول السلام دون تنسيق مع بعض مكونات الحرية والتغيير، إلا أن محاولة للبحث عن بدائل للتصعيد الثوري واستفزازها ودفعها إلى اتخاذ خطوات عملية في هذا الجانب.
صراع المحاور:
أمر آخر والمقلق هو وجود خطوط مفتوحة بين بعض مكونات الحرية والتغيير تتعلق بمواقف الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية المؤثرة تجاه الشأن السوداني، وتابعنا حراكاً لوفود زارت الإمارات والسعودية وأوروبا والقاهرة بدعوى البحث في شؤون معارضة النظام المدحور ومحاولات توحيدها، فكانت هناك مؤتمرات واجتماعات وتبلورت هذه المؤتمرات واللقاءات بحسب العواصم التي احتضنتها، وفي مفاوضات السلام بجوبا ظهرت مسارات الوسط الذي خلق حالة كبيرة من عدم الرضا ينتظر أن تفجر صراعاً كبيراً خلال الفترة القادمة وكذلك مسار الشمال ومسار الشرق الذي انفجرت فيه الأوضاع بشكل كبير وقاطعت مكونات عديدة المؤتمر التشاوري حول مسار الشرق، ونرى أن المواقف الدولية ستبقى عرضة للتبدل والتغيير في اتجاه المحورين، مادام التوافق الدولي مقسماً بين توزيع النفوذ وإشباع المصالح المتناقضة، بعد أن بات السودان ساحة اختبار لصراع الإرادات لهذه الدول على حساب دماء السودانيين الغالية.
كما نرى أن تأخير إعلان ولاة الولايات والمجلس التشريعي خطوة خاطئة ومضيعة للوقت، وأن جميع القوى التي تراهن على الضغط الخارجي في مأزق حقيقي، فالمستجدات الداخلية الأخيرة المتمثلة في الصراع الأهلي الدامي في بورتسودان والجنينة والمسيرة الهزيلة لكوادر النظام المخلوع في الخرطوم ومدني والانفلاتات الأمنية هي مؤشرات كبيرة تؤكد خطأ تأخير إعلان الولاة الذين لديهم قدرات سياسية لإدارة دولة منهارة في كل شئ، وتسعى الثورة لبناء السودان الجديد على أنقاض ما ورثته من خراب واسع خاصة تمدد الصراعات القبلية والعنصرية.
ونرى أن عودة كوادر النظام المدحور للتظاهر وعودتهم إلى المشهد جعلتهم يشعرون بأنهم في وضع أكثر قوة مما كانوا عليه في عنفوان الثورة، لذلك نرى أن المشكلة التي تواجه الثورة اليوم ليست في كيفية إدارة الدولة وملء فراغ السلطة فقط، وإنما في كيفية المضي بالثورة عبر توحيد ورص مكونات الثورة التي فجرها الشباب بشكل بديع وفي استعدادهم للتضحية، ورفعت الثورة الظافرة شعارات مشروعة ونبيلة (حرية – سلام وعدالة)، وعجزت قوى المعارضة التقليدية بحكم بنيتها الحزبية المغلقة المتكيفة مع الاستبداد المديد عن الانخراط الموحد والفاعل في النشاط الثوري، واكتفت باللحاق بركب الثورة عند بعضها، أو العمل على إعاقته عند بعضها الآخر، كما يلاحظ أن بعض القيادات تصدروا المشهد إرباكاً وتعطيلاً، ومن سوء حظ الثورة أن الانقسام الداخلي الذي أضر بها لم يكن انقساماً سياسياً بحتاً كالذي شهدته ثورات أخرى، بل خالطته أو دفعت إليه تحالفات مع أجندات ومشاريع الدول المتدخلة، وحاولت خلط الأمور مما أدى إلى إرباك المشهد السياسي. (يتبع)