الأحد, نوفمبر 16, 2025
تقارير

من سهول كينيا إلى سواحل تنزانيا (3)

كتب: حسين سعد

بين الأمواج والجمال الساحر تبدأ الرحلة إلى زنجبار على متن باخرة عزام ، التي وصفها لي صديقي الاعلامي والتشكيلي حسين حلفاوي بعد قطعت التذكرة ووضعت حقائبي بالعبارة التي كانت رابضة رغم تلاطم الأمواج، محملة بالركاب المتحمسين الذين تتراوح مشاعرهم بين الخوف والمغامرة والترقب. بينما تدب الحركة على متن السفينة، تسمع أصوات الأقدام على الخشب، وصفير الطاقم، وأزيز المحركات الذي يخترق الهواء المالح، وكلها تمهد لبداية رحلة لا تُنسى، تحركت العبارة وهي تشق طريقها ببطء عبر مياه المحيط الهندي الزرقاء، محملة بالركاب الذين تتراقص أعينهم بين الإثارة والترقب. الأمواج تتلاطم حول السفينة، تتماوج وتتصادم كأنها ترحب بالزائرين وتختبر شجاعتهم، مع دوار البحر حيث يهرع العمال في العبارة بتقديم (كيس ورقي) للركاب لاستخدامه حال حدوث استفراغ كما يخلق صوت الرياح وهدير البحر موسيقى طبيعية تتناغم مع دقات قلوب الركاب، وكل موجة تتحدى السفينة في اختبار لقوتها وثباتها، ومع كل مسافه تقطعها العبارة ، يبدأ منظر الساحل في الظهور تدريجيًا. الأفق يتحول إلى لوحة ساحرة من الرمال البيضاء والشواطئ الممتدة، بينما البنايات الشاهقة المطلة على البحر تتلألأ في ضوء الشمس الذهبي، تشكل خلفية حضرية تبهج العين وتوحي بعالم مترف ومتجدد. على الشواطئ، يتجمع السياح من كل أنحاء العالم، يمرحون في المياه ، يلتقطون الصور، ويستمتعون بالمياه الصافية تحت أشعة الشمس الدافئة.

وسط المحيط والتصوير:

مع انطلاق الباخرة، تبدأ الأمواج في التلاعب بها، تتماوج وتتصادم كأنها ترقص فرحًا أو تختبر عزيمة الركاب. كل موجة ترفع السفينة إلى السماء ثم تهوي بها نحو الغمر، فيشعر الركاب بدقات قلوبهم تتسارع، بينما يعلو صوت البحر في تناغم مع صياح الطيور البحرية التي تحلق فوقهم. رائحة الملح تنتشر في الهواء، تلسع وجوههم بنسيم البحر، وتغمرهم بإحساس المغامرة والحرية، على متن السفينة، يلتقط البعض كاميراتهم لتسجيل لحظات الأمواج المتلاطمة، بينما يحتمي آخرون من الرياح خلف الدرابزين، مستمتعين بالهدير الساحر للمحيط. ويبدأ كل راكب ينسج في ذهنه صورة الجزيرة، متخيلًا الشواطئ البيضاء الممتدة، والمياه الصافية، والبنايات الشاهقة المطلة على البحر التي ستستقبله عند الوصول، مع كل ميل يقطعه القارب، يبدأ الأفق في التغير تدريجيًا؛ يظهر لون الرمال الذهبية، وتتسلل صور الأشجار الاستوائية وهي تتمايل برفق، وتظهر الشواطئ التي تضم السياح الذين يمرحون في المياه الدافئة، وكأنهم جزء من مشهد حي للبهجة والحرية. البنايات المطلة على البحر تتلألأ تحت أشعة الشمس، تعكس صورها على المياه، كأنها لوحات فنية حية تزين الجزيرة، وعندما تقترب الباخرة من الميناء، يزداد صخب الركاب، بينما يحاول الجميع النظر نحو الشاطئ، تلمع أعينهم بالإثارة والتوقع. صوت الأمواج يصبح أخف، وحفيف الرياح يميل إلى الهدوء، مشيرًا إلى نهاية الرحلة البحرية. وعند رسو السفينة أخيرًا، يشعر كل مسافر وكأنه وصل إلى عالم ساحر؛ عالم يجمع بين روعة البحر، صخب الأمواج، حرارة الشمس، ونشاط الحياة على الشواطئ، هذه الرحلة، بكل تلاطم أمواجها وعذوبة نسيمها، ليست مجرد عبور من نقطة إلى أخرى، بل تجربة حسية وروحية تخلّد في الذاكرة؛ تجربة تجعل الوصول إلى زنجبار لحظة مليئة بالبهجة والسحر، حيث تلتقي المغامرة بالجمال الطبيعي، ويصبح كل ضحك للركاب وصوت للأمواج جزءًا من قصة هذه الجزيرة الأسطورية..

زنجبار: الجزيرة الساحرة

عندما ترسو الباخرة أخيرًا على الميناء، يشعر الركاب وكأنهم وصلوا إلى جزيرة أسطورية، حيث يمتزج إيقاع البحر، صخب السياح، وروعة الهندسة المعمارية في مشهد واحد ينبض بالحياة والجمال. الرحلة البحرية لم تكن مجرد عبور من نقطة إلى أخرى، بل تجربة مليئة بالإثارة، بالهدير والموج، وبالتوقع الذي يجعل لحظة الوصول إلى زنجبار أكثر بهجة وسحرًا، زنجبار: الجزيرة الساحرة حيث يلتقي التاريخ بالطبيعة عندما تهبط قدمك على رمال زنجبار البيضاء، تشعر وكأنك دخلت عالمًا مختلفًا؛ عالمٌ تتشابك فيه رائحة التوابل مع نسيم البحر، وتتناغم ألوان المياه ا مع المباني التاريخية العتيقة في (ستون تاون) وهي المدينة القديمة التي اقمت بأحد فنادقها هنا، لا تكتفي العين بالنظر، بل تتفاعل الروح مع المكان، فتشعر بأن الجزيرة تروي قصصها لكل من يمر على شواطئها وأزقتها الضيقة..

رحلة عبر التاريخ:

(ستون تاون) تحكي قصتها في زقاق ضيق، حيث تصطف البيوت الحجرية المزخرفة بنقوش عثمانية قديمة، التقيت بالكثير من السياح القادمين من اوروبا وامريكا وافريقيا والدول العربية في المدينة القديمة (ستون تاون) كل خطوة هنا تشعرني بأصوات الماضي، كأن الجزيرة تتحدث عن ملوكها وتجارها والمسافرين الذين مروا عبرها منذ قرون ستون تاون، المصنفة ضمن مواقع التراث العالمي، تعكس تاريخًا غنيًا امتزج فيه العرب، البرتغاليون، والفرس في توليفة ثقافية استثنائية. الأسواق التقليدية هنا مليئة بالحركة؛ الباعة يعرضون التوابل الطازجة، الفواكه الاستوائية، والمشغولات اليدوية التي تحكي عن براعة الحرفيين المحليين

بين البحر والشعاب المرجانية لا تكتمل زيارة زنجبار دون استكشاف مياهها الصافية. على متن قارب صغير، انطلقنا في رحلة غوص بالمحيط مع صاحب القارب واسمه علي ، حيث الشعاب المرجانية النابضة بالحياة. ومخلوقات بحرية تجعلني أشعر بأنني في عالم آخر الغوص مع السلاحف البحرية، وركوب الأمواج البسيط، كلها تجارب تجعل زنجبار أكثر من مجرد شاطئ جميل؛ إنها عالم حي نابض بالحياة، زرت حي أماني وهنالك أكلت وجبة العشاء في المطاعم الشعبية (زنجبار) ثقافة حية ومهرجانات نابضة بالحياة الجزيرة ليست فقط جمالًا طبيعيًا، بل روحها الثقافية لا تقل إثارة حتى الطعام المحلي، مثل السمك المشوي مع الأرز والتوابل، يعكس مزيج الثقافات، فيتذوق الزائر هنا التاريخ في كل لقمة (يتبع).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *