الخميس, نوفمبر 21, 2024
مقالات

الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (30)

بقلم: حسين سعد
بحسب كثير من الأدبيات ، فإنه يمكن اعتبار عملية الانتقال الديمقراطي قد اكتملت متى ما توفرت عدة مؤشرات منها: وضع ترتيبات دستورية ومؤسسية بالتوافق بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين بشأن النظام السياسي الجديد وبخاصة فيما يتعلق بإصدار دستور جديد، وتشكيل حكومة من خلال انتخابات عامة تكون حرة ونزيهة، على أن تمتلك هذه الحكومة القدرة والصلاحية على ممارسة السلطة وإقرار سياسات جديدة تعكس حالة الانتقال إلى الديمقراطية، فضلا عن عدم وجود قوى أخرى تنازع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية صلاحياتها واختصاصاتها ، ويقول خبراء ان عملية (الانتقال الديمقراطي) هي عملية معقدة بطبيعتها، تتداخل في تشكيل مساراتها ونتائجها عوامل عديدة، داخلية وخارجية، فقد تكون مصحوبة بمرحلة جديدة تتمثل في ترسيخ النظام الديمقراطي، وقد لا يترتب عليها قيام نظام ديمقراطي في مرحلة ما بعد الانتقال، وذلك في حال حدوث ردة أو انتكاسة تقود إلى نشوب صراع داخلي أو حرب أهلية أو ظهور نظام تسلطي جديد ، كما أن مرحلة الانتقال قد تفضي إلى ظهور نظام سياسية هجين، بمعنى أنها نظم لا تُعتبر غير ديمقراطية بالمعنى الكلاسيكي، شمولية أو تسلطية مغلقة، ولا تكون في الوقت نفسه ديمقراطية كاملة أو راسخة، وقد حدث هذا في كثير من الحالات لدرجة أن هذه النظم الهجين باتت تشكل ظاهرة على الصعيد العالمي.
النظام الديمقراطي الوليد:
أن طريقة الانتقال تؤثر على نوعية أو طبيعة النظام الديمقراطي الوليد، وعلى فرص واحتمالات استمراره وترسخه في مرحلة ما بعد الانتقال، فالانتقال السلس والسلمي الذى يتم بمبادرة من النخبة الحاكمة، أو من خلال التفاوض بين الحكم والمعارضة، أو بعيد إطاحة النظام بواسطة انتفاضة أو ثورة شعبية سلمية غالبا ما يكون مصحوبا بدرجة أعلى من الديمقراطية، وفرصه أفضل للاستمرار وترسخ النظام الديمقراطي الناشئ، وبالمقابل، فإن الانتقال العنيف يكون في الغالب مقرونا بدرجات أدنى من الديمقراطية، وفرصه أقل لاستمرارية النظام الديمقراطي واستقراره، بل إنه تزداد في مثل هذه الحالة احتمالات الارتداد إلى شكل من أشكال التسلطية، أو وقوع البلاد في صراع داخلي أو حرب أهلية. أما الانتقال الناجم عن التدخل العسكري الخارجي فقد نجح في حالات قليلة، وفشل في حالات أخرى كثيرة. وقد كان لكل من النجاح والفشل ظروف ومعطيات خاصة
طرق الانتقال:
ويقول حسنين ابراهيم استاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وزايد في دراسه له نشرت بتاريخ 24-يناير 2013م ان قضية الانتقال الديمقراطي شكلت مبحث رئيسي في علم السياسة منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية ظهر عدد كبير من الكتب والدراسات والتقارير التي تناولت هذه القضية على مستويات مختلفة نظرية وتطبيقية، كمية وكيفية، دراسات حالة ودراسات مقارنة. كما طرحت أدبيات (الانتقال الديمقراطي) العديد من المفاهيم والمقولات النظرية والمداخل المنهاجية والتحليلية لمقاربة هذه الظاهرة. كما اهتمت بفحص ومناقشة طائفة واسعة من القضايا والمتغيرات ذات الصلة بعملية الانتقال سواء من حيث مدخلاتها (الأسباب)، أو أنماطها (طرق الانتقال)، أو مخرجاتها (طبيعة النظم السياسية في مرحلة ما بعد الانتقال) وقد جاء هذا التراكم الأكاديمي الضخم مقترنا بما سُمي بـ(الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي)، والتي انطلقت منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين من جنوب أوروبا (البرتغال، إسبانيا، اليونان)، ثم امتدت خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات لتشمل العديد من بلدان أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وشرق ووسط أوربا، فيما بقي العالم العربي يُنظر إليه على أنه يمثل “استثناءً” ضمن هذه الموجة.
الموجة الثالثة:
ويضيف حسنين أكدت الموجة الثالثة للانتقال الديمقراطي على أن هناك مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية التي أدت إلى الانتقال، وأن هذه الأسباب تختلف من حالة إلى أخرى، وبصفة عامة، فإنه لا يمكن تفسير الانتقال الديمقراطي بعامل أو بسبب واحد فقط، فعادة ما يكون ذلك نتاجا لعوامل عديدة ومتداخلة بعضها جوهري والآخر ثانوي، بعضها داخلي والآخر خارجي، بعضها يتعلق بالعوامل البنيوية الموضوعية (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية والدينية) التي تشكل بيئة الانتقال، وبعضها الآخر يتصل بالفاعلين السياسيين من حيث هوياتهم واختياراتهم وإستراتيجياتهم. وفى ضوء ذلك، فإنه يمكن تصنيف الأسباب الداخلية للانتقال الديمقراطي إلى ثلاث مجموعات:
أولا، أسباب تتعلق بتفاقم حدة الأزمات الداخلية وعجز النظام غير الديمقراطي عن مواجهتها بفاعلية. وهذه الأزمات قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية
وثانيا، أسباب تتعلق بطبيعة الفاعلين السياسيين من حيث هوياتهم وميزان القوة النسبي فيما بينهم. ويتضمن ذلك عناصر عديدة منها: درجة تماسك النخبة الحاكمة، وموقف كل من الجيش وقوات الأمن منها، وحجم التأييد الشعبي لها، وطبيعة قوى المعارضة السياسية ومدى فاعليتها في تحدى النخبة الحاكمة.
وثالثا، أسباب تتعلق بطبيعة المجتمع المدني، ومدى فاعلية قواه ومنظماته في ممارسة الضغوط من أجل الانتقال الديمقراطي. ففي عديد من الحالات قامت قوى ومنظمات المجتمع المدني بما في ذلك الكنيسة الكاثوليكية (في بعض الدول) بدور هام ومؤثر في عملية الانتقال
عوامل خارجية:
أما بخصوص العوامل الخارجية التي أسهمت بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة في دفع عمليات الانتقال الديمقراطي خلال الموجة الثالثة، فإن من أهمها: بروز دور القوى الغربية والتكتلات الكبرى في دعم عمليات الانتقال الديمقراطي، سواء من خلال تقديم المساعدات الاقتصادية للدول التي تمر بمراحل انتقال، أو تقديم الدعم المادي والفني للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، أو ممارسة الضغوط السياسية وفرض العقوبات على النظم التسلطية…إلخ. ويمكن في هذا المقام الإشارة إلى دور كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي في نشر وتعزيز الديمقراطية في مناطق مختلفة من العالم وبخاصة في جنوب وشرق ووسط أوروبا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وفى أميركا اللاتينية بالنسبة للولايات المتحدة، فضلا عن قيام الاتحاد الأفريقي بدور ما في دعم الانتقال الديمقراطي على مستوى القارة الأفريقية
مؤسسات التمويل الدولية:
وثمة عوامل خارجية أخرى أثرت بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة في عملية الانتقال الديمقراطي، منها: تنامي دور مؤسسات التمويل الدولية وبخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين في دعم سياسات التحرير الاقتصادي والسياسي والتحول الديمقراطي في بلدان القارات الثلاث وشرق ووسط أوروبا، وذلك من خلال أدوات ووسائل عديدة لا يتسع المجال للخوض فيها. كما أن تمدد دور المجتمع المدني العالمي متمثلا في المنظمات الدولية غير الحكومية المعنية بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان كان له دوره في نشر الديمقراطية على الصعيد العالمي، حيث تقوم منظماته بتقديم أشكال مختلفة من الدعم لمنظمات المجتمع المدني ومراقبة الانتخابات في البلدان التي تمر بمراحل الانتقال الديمقراطي، وفضح ممارسات النظم التسلطية وممارسة الضغوط عليها…إلخ.
النظم الهجين:
على الرغم من أن هناك حوالى مائة دولة شهدت انتقالا ديمقراطيا على مستوى العالم خلال الموجة الثالثة، إلا أنه بعد مضى ما يقارب الأربعة عقود على انطلاق هذه الموجة فإن كثيرا من الدول التي شملتها لم يشهد قيام نظم ديمقراطية مستقرة وراسخة، بل شهد ظهور أشكال من النظم السياسية الهجين التي لاهي نظم ديمقراطية كاملة، ولاهى نظم غير ديمقراطية خالصة، بل تجمع بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة بين بعض عناصر الديمقراطية وبعض عناصر النظم غير الديمقراطية على نحو ما سبق ذكره. وهذا يعنى أن مرحلة ما بعد الانتقال الديمقراطي يمكن أن تكون مفتوحة على عدة مسارات، لكل منها شروطه ومعطياته.
عوامل عديدة:
ربطت أدبيات متخصصة نجاح عملية ترسيخ النظام الديمقراطي باعتبارات وعوامل عديدة منها: طبيعة المؤسسات السياسية ومدى فاعليتها في أداء وظائفها، وكفاءة السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ومدى القدرة على نشر وإشاعة ثقافة الديمقراطية على مستوى المجتمع، وفاعلية منظمات المجتمع المدني، واستقرار الدولة وروسخ شرعيتها لدى مختلف الفئات والجماعات التي تعيش على أراضيها، واستمرار التزام الفاعلين السياسيين بقواعد الديمقراطية حتى يتحول ذلك إلى تقليد ثابت يصعب تجاوزه مع مرور الوقت، فضلا عن وجود عوامل خارجية، إقليمية ودولية، مواتية تسهم في ترسيخ الديمقراطية ، أما بخصوص النظم السياسية الهجين، فهي تنتشر عادة في الدول التي يصنفها بيت الحرية (Freedom House) في تقريره السنوي عن “الحرية في العالم” على أنها دول “حرة جزئيا” مقارنة بمجموعتي “الدول الحرة” و”الدول غير الحرة”، وذلك استنادا إلى مقياس يبين مدى توفر الحقوق المدنية والحريات السياسية للمواطنين. وطبقا لتقرير عام 2012 فقد بلغ عدد الدول الحرة (87) دولة من إجمالي (194) دولة شمها التقرير، فيما بلغ عدد الدول الحرة جزئياً (60) دولة، وعدد الدول غير الحرة (47) دولة، وهو ما يعنى أن حوالى 55% من دول العالم تقع ضمن فئتي الدول غير الحرة والحرة جزئياً.. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *