الجمعة, نوفمبر 22, 2024
مقالات

الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (31)

بقلم: حسين سعد
مر نحو عام علي تشكيل الحكومة الانتقالية التي تنظرها مهام صعبة وكبيرة ومن بينها السياسة الخارجية للسودان علي المستويين الاقليمي والعالمي ومن بين هذه المهام محاربة الفساد وإسترداد الأموال المنهوبة لاقتصاد يعاني من مشاكل عديدة مثل ارتفاع الاسعار والتضخم،وتدهور العلمة الوطنية مقابل الاجنبية واخراج السودان من العزلة،وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي وضع فيها السودان بسبب سياسات النظام المدحور،وتدخلاته في صراع المحاور وإستضافة رموز وعناصر إرهابية،بجانب قضية رفع العقوبات لانه لايمكن أن يعاقب الشعب السوداني على أخطاء جلاديه، وبالنسبة للاتحاد الأوربي كما قال الامام الصادق المهدي ينبغي أن نزيل الحرج في هذا الموضوع بالمصادقة على نظام روما الذي وقع عليه السودان، وهو تطور إيجابي في القانون الجنائي الدولي، كما ينبغي فتح باب تعاون إقليمي في المجالين العربي والإفريقي خاصة دول حوض النيل. ويكون هناك اهتمام خاص بالتوأمة مع دولة الجنوب تشمل: المرونة في أجرة استخدام المنشآت النفطية مع انخفاض أسعار البترول، المشاركة في الاستثمار البترولي (تطوير، إنتاج، واستكشاف جديد)، والتبادل السلعي بالتوسع في إنتاج السلع المطلوبة في الجنوب، وفتح أفرع للمصارف هناك لتسهيل التبادل،عمليا كانت هناك من تحركات لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك منذ توليه منصبه في 21 أغسطس 2019، في هذا الاتجاه، فخلال حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر كانت هذه القضية على أجندة لقاءاته المكثفة برؤساء الدول ووزراء الخارجية والمسؤولين الأمميين، فخلال جلسة خاصة حول السودان في الأمم المتحدة، دعا كل من أمين عام المنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، ورئيس المفوضية الإفريقية، موسى فكي، إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ايضا هناك تحرك اخر مطلوب لوقف تنامي النفوذ الروسي الذي كانت له علاقات كبيرة مع النظام المدحور،ومده بالأسلحة الروسية استخدمت بقوة في حروب دارفور والحرب مع الجنوب في ظل العقوبات الأمريكية.
الدول العربية
أما اقليميا فهناك تحديات عربية وافريقيا في الاولي رحبت كل من الامارات والسعودية بالتغيير الذي حدث في السودان ووعدت بتقديم بتقديم حزمة مساعدات تشمل القمح والمنتجات النفطية للسودان، وكذلك الموقف السعودي ،وحاولت الدولتان التنسيق مع مصر في إطار رئاستها الدورية للاتحاد الأفريقي التأثير على قرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي،قبل تشكيل الحكومة المدنية ، وقد أفشلت جهود أثيوبيا المحاولات المصرية السعودية الإماراتية لإطالة المهلة المحددة من قبل مجلس السلم والأمن الأفريقي للمجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة لمدنيين من 15 يوما وإلا فسيعلق الاتحاد الأفريقي مشاركة السودان في كافة أنشطته إلى حين عودة النظام الدستوري، بتمديد هذه المهلة لثلاثة أشهر قابلة للتمديد لثلاثة أشهر أخرى، لكن الاتحاد استقر على مهلة 60 يوما، وكان واضحا الدور الذي لعبته إثيوبيا بقيادة أبي أحمد واضحا في تحجيم الدور المصري الإماراتي السعودي برعايته للاتفاق السياسي وزياراته المكوكية للخرطوم، وتواصله مع كافة الأطراف ومحاولة تقريب وجهات نظر قوى الحرية والتغيير والمعارضين لها من داخل معسكر الثورة من جهة وبينها وبين المجلس العسكري الانتقالي من جهة أخرى، أما القاهرة فقد كانت المحطة الثانية لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك بعد زيارته لجنوب السودان، فقد زار مصر في الثامن عشر من سبتمبرالماضي زيارة مكوكية قبيل مغادرتها إلى باريس ومنها لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن تحسن العلاقات بين الخرطوم واقاهرة رهين بحزمة من الملفات من بينها سد النهضة وحلايب وقيادات الاخوان الاسلاميين الذين احتضنهم النظام المدحور.
القرن الافريقي:
أما منطقة القرن الإفريقي فهي تشهد تطورات وتحولات سياسية هائلة ، وبالتحديد منذ صعود أبيي أحمد على العرش الإثيوبي، حيث أخذ توجهات جريئة وغير مسبوقة بالنسبة للدبلوماسية الإثيوبية التقليدية، مما أدى الى ظهور محاور جديدة مختلفة الأهداف والرؤى في المنطقة، مثل محور أسمرا،ومحور نيروبي الذين يمثلان طرفي نقيض في تناول الملفات السياسة الشائكة في المنطقة، ويطلق محور أسمرا على المعسكر الذي يقوده أبيي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي الي جانب الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، والرئيس الجيبوتي عمر جيلي،والذي تشكل في القمة الرئاسية التي انعقدت في 5/9/2018 بمدينة أسمر العاصمة الإريترية، ثم صار يمثل أقوى محور في القرن الإفريقي رغم حداثة عمره،أما محور نيروبي فهو ذلك المعسكر الذي يضم عضوية كل من دولة كينيا وقوى اقليمية أخرى، وهو معسكر تقليدي أكثر من كونه معسكرا تجديديا.
تصفير العداء:
يختلف المحوران حول معظم الرؤى والتوجهات السياسية في القرن الإفريقي، ففي حين يرى معسكر أسمرا امكانية حل كل مشاكل المنطقة من خلال: تصفير العداء بين الدول المنطوية تحت منظمةالايقاد، والسعي الى إيجاد شكل من أشكال الوحدة بينها، فضلا عن دول القرن الإفريقي (أثيوبيا، جيبوتي، الصومال، أريتريا) التي يؤمن هذا المحور الى حد إمكانية الوحدة والدمج بينها، وذلك لتجانسها وانسجامها عرقيا ودينيا وجغرافيا، يعتقد محور نيروبي في المقابل أن وجود تكتل من هذا النوع سيضر مصالحه الإقتصادية، ويخاف من أنه اذا بداءت الموانئ الصومالية والجيبوتية والإريترية تعمل بكامل طاقتها الإستيعابية من البحر الأحمر وحتى المحيط الهندي، كما أن لدولة كينيا مزاعم تاريخية مع الصومال، كالمنطقة البحرية المتنازع عليها بينها وبين الصومال والمفتوحة حاليا امام محمكة العدل الدولية في لاهاي .
الخطوات العاجلة:
وكما قال البرنامج الاسعافي للحرية والتغيير في محور العلاقات الخارجية لابد من الدفع باستراتجية جديدة في علاقات السودان الخارجية ترتكز على حماية أراضي السودان ومصالحه وأمنه، وتأمين استقلال السودان وسيادته الوطنية، تحقيق تطلعات الشعب و رفاهيته والتعايش السلمي والتعاون المتبادل مع بقية دول العالم، والالتزام بمبادئ ومواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية التي ينتمي إليها السودان. وشدد البرنامج علي ضرورة انتهاج سياسة خارجية تخدم المصالح العليا الاقتصادية والساسية والاجتماعية والتنموية وتحقيق الأمن القومي للبلاد، وتعمل على إنهاء المواجهة القائمة بين السودان والمجتمع الدولي واستبدالها بالتعاون المشترك،وملاحقة الأموال المهربة التي تم نهبها في عهد النظام السابق. و إعطاء أولوية للعلاقات مع دول الطوق المجاورة لمحيط السودان، وهي مصر وإثوبيا وإريتريا وجنوب السودان و تشاد وأفريقيا الوسطي وليبيا والممكلة العربية السعودية واليمن وجيبوتي، التي تشكل عمقا استراتيجيا واقتصاديا، ومن ثم فان أولى الخطوات تسوية المشكلات الحدودية المزمنة، مثل مشكلة حلايب والحدود الإثيوبية السودانية ومنطقة بحيرة أم دافوق ومعضلة أبيي والحدود مع جنوب السودان. واعتماد نظام الجنسية المزدوجة و إيجاد حلول نهائية للمشاكل القائمة بينمها مثل الديون الخارجية والحدود والبترول والمياه والترتيبات الأمنية وغيرها من المسائل الخلافية،واعتماد نظام متفق عليه يسمح بالهجرة الموسمية للرعاة وقطعانهم لعبور الحدود الدولية دون أي عوائق،و مساعدة دولة الجنوب في المجالات التي تحتاج فيها لخبراء من الشمال، خاصة في مجالات التعليم وصحة الإنسان والحيوان والبيئة وقضايا المصارف والتأمين وغيرها.
المرشد دبلوماسي:
وإعادة هيكلة آليات الدبلوماسية وأدواتها التي تتناسب مع موارد السودان الشحيحة لخلق دبلوماسية فاعلة،وتصنيف مهام السفارات وأولوياتها باعتماد خطة تعطي الأولوية لدول الطوق المجاورة للسودان، لأنها تشكل العمق الاستراتيجي الذي يتحكم في مسار البلاد ومصيرها. تقسيم مهام السفارات والبعثات الدبلوماسية حسب طبيعة العواصم أو مواقعها، إعداد خريطة طريق تحدد طبيعة وخصائص كل دولة لتأطير الهدف من العلاقة مع كل دولة أو منظمة،وتوحيد الخطاب السياسي وضبطه ومنع تدخلات الأجهزة الأخرى في الأمور المتعلقة بالسياسة الخارجية ،والتأكيد على أن وزارة الخارجية هي المرجعية الدستورية لكل العمل الخارجي،وتحجيم ظاهرة السفراء والدبلوماسيين «الرساليين» بإيقاف التعيينات السياسية بصورة نهائية والإبقاء على الاختيار من بداية السلم الوظيفي،وإعداد مرشد للاداء الدبلوماسي يكون هادياً لعمل كل الدبلوماسيين والفنيين والإداريين والكوادر المساعدة على اختلاف مهامهم ودرجاتهم، ووضع ضوابط ولوائح جديدة للعمل الدبلوماسي وتقييم أداء كل فرد سنوياً. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *