سلامتانا
في ما يتعلق
بقلم: مشاعر عبد الكريم
انتماءنا للوطن يتقولب بحسب طرائقنا في ترجمة مفهوم الوطنية. فمن حملوا السلاح لقضاياهم يعتقدون أنهم وطنيون . ومن يقفون في الضفة الأخرى لاعتقادهم يرونهم متمردون، وقد صار التعبير المُخفف (الكفاح المسلح). ومن يجلسون على كراسي الوزارات يرون أنهم يقدمون للوطن والشعب خدمة جليلة بتقبلهم للتكليف في هذا الوقت الحرج من تاريخ البلاد. والشعب يرى أنهم (متسلقون) على جدار التضحيات التي قدمها الشهداء و المعتقلين والمفقودين.. الخ إذن نحنُ لنا معايبرنا الخاصة لترجمة الوطنية، مع الوضع في الاعتبار، أننا لم نغرسها كمفهوم له أسسه العلمية، في المناهج التعليمية للأطفال، والطُلاب أو حتى في برمجة الإعلام.
الإعلان عن الإحتفال بتوقيع وثيقة السلام في دولة جنوب السودان بين حكومة السودان و تحالف الجبهة الثورية. حاله حال الانتماء فالبعض رأي إنه أمر سابق لأوانه خصوصاً وأن التوقيع لم يشمل حركتي تحرير السودان بقيادة( عبد الواحد نور) التي تسيطر على أجزاء من جبل مرة في إقليم دارفور، والحركة الشعبية بقيادة( عبد العزيز الحلو) التي تسيطر على مناطق في جنوب كردفان والنيل الأزرق. والبعض رأي العكس تماماً، بل وخرج وسم (السلام سمح) وطاف وسائل التواصل الاجتماعي باعتبار أن ما تم خطوة كبيرة ينبغي الاحتفاء بها والاحتفال لها. فكانت الاحتفالات في مدينة جوبا عاصمة السلام، ثم في الخرطوم.لكن سيظل السؤال الأكثر أهمية لأصحاب المصلحة الحقيقية في هذا السلام، متى يتنزل على أرض الواقع؟
الوقائع المُفضية للتوقيع قد تتطلب إفصاحاً أكثر مما نراه الآن من تعتيم على بنود الاتفاقية و تفاصيلها التي استغرقت أكثر من عام في التفاوض عليها. والأحداث التي دعت للحرب قد تتطلب من باب الإنسانية قبل السياسة، قد تتطلب الجلوس في دوائر مفتوحة بين المتضررين الحقيقين من الحرب الذين خسروا كل شئ دون أن يستمع إليهم أحد،إن كانوا يؤدون الانخراط في هذه الحرب أم يفضلون الحياة؟.هذا بحسب رأيي ما يمكن أن يُفضي بيسر وتسامح إلى تنفيذ معاني العدالة الإنتقالية التي يطمح إليها الجميع، فلا يُعقل أن يكون الأمر مجرد (طبطبة) و مغادرة المربع السابق دون اعتراف أو إقرار بالجرائم المُرتكبة في حق المدنيين العُزل، ثم من بعد ذلك إجراء محاكمات ولو صورية ليشعر الضحايا الناجين ببعض الرضا وأن ما عانوا منه طوال سنوات كان في ختامه قصاص ولو فضلوا العفو من بعد ذلك.ثُم من بعد، العبور للسلام بشكل صحيح.
صريح القول إننا سئمنا العيش تحت ظل الحروب منذ ١٩٥٥ وحتى ٢٠١٩ ظلت أجزاء كبيرة من السودان تتورط في حروب أهلية لا نهاية لها. مللنا التفاوضات و الصرف البذخي على من لا يقدمون ولا يأخرون شيئاً لهذه الأمة العريقة. لم نعد نثق في الخطابات السياسية المنمقة ولا في الوجوه التي تعيش كل حقبة بمتطلباتها. لهذا سينتمي أغلبنا لوطن السلام، فلقد( تعبنا يا صديقي) سيحاول أغلبنا العبور والانتصار لفكرة التنمية المستدامة في المناطق التي عاشت وعانت الحرب والنزوح مهما كانت الكُلفة عالية فهذا السلام (سلامتانا) كما يقولها أهلنا بلهجة عربي جوبا سلامٌ صنعناه بدمائنا وبتقبلنا للمسوخ المشوهة لمن حكموا علينا باستمرار الحرب والفقر و الجوع، وهم أقل بكثير من هذا الشعب وهذا الوطن.
البطن التي عانت الجوع لسنين، ستتقاسم اللقمة اليسيرة فهي تعرف أن الأمن بالضرورة سيوفر الطعام.
التحية والإحترام للقراء الكرام.. وجمعة سعيدة.