إعتقال توباك في ليبيا.. خرق دبلوماسي وانتهاك قانوني
تقرير: حسين سعد
إستنكر حقوقيون إعتقال الناشط محمد آدم (توباك) في ليبيا ،وتسليمه إلي السفارة السودانية في ليبيا ،وتمت عملية الاعتقال عن طريق (الخطف) وقد تم تنفيذ عملية الإعتقال من قبل عناصر مسلحة ملثمة ، ووجدت الحادثة إدانة واسعة من قبل الناشطيين والناشطات، وإعتبروا عملية الخطف بأنها إنتهاك صارخ للأعراف الدولية والقوانين الإنسانية، وقالوا إن إختطاف (توباك) وإعتقاله بأنه خرق واضح لمعاهدة، وإتفاقية جنيف 1951 ، وخرق لبرتوكول الإتحاد الأفريقي (إتفاقية اللاجئين لعام 1969)، والتي دخلت حيز التنفيذ في 1947م، وأشاروا الي إنه تحت حماية إتفاقية الإتحاد الأفريقي لحقوق اللاجئين، يذكر أن توباك المعروف بنشاطه الثوري، قد تعرض للإعتقال عدة مرات بعد خروجه من السجن عقب إندلاع النزاع في 15 أبريل 2023 م ، بين الجيش، وقوات الدعم السريع، قبل مغادرته إلى ليبيا، حيث تم إعتقال توباك في مدينة عطبرة شمالي السودان، قبل أن يُرحل إلى سجن الدامر بذات الولاية، بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه في مدينة ود مدني وسط البلاد التي كان وصلها في أعقاب الهجوم على سجن الهدى بالعاصمة الخرطوم، وكان يخضع للمحاكمة مع أربعة متهمين آخرين بتهمة قتل العميد علي بريمة، الذي قُتل أثناء تأمينه للاحتجاجات بالقرب من القصر الرئاسي في الخرطوم.
إنتهاك صارخ:
وقال المرصد السوداني لحقوق الإنسان فقد تم إعتقال (توباك) بواسطة أعضاء من السفارة السودانية في طرابلس، وقال المرصد في بيان له إهن هذا السلوك يعتبر إنتهاك صارخ للأعراف الدولية وتجاوز غير مقبول، وأوضح المرصد بإن إعتقال (توباك) يتنافي مع مهام وعمل السفارات والقنصليات التي يجب أن تلتزم بحماية المواطنين المقيمين في الخارج وليس تهديد حريتهم وسلامتهم، وطالب بضرورة الإفراج الفوري عن توباك، داعيًا المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى التدخل السريع لإنقاذ حياة المعتقل وضمان وصوله إلى مكان آمن.
إتفاقية فيينا:
من جهتها أكدت هيئة الدفاع عن (توباك) إنها تلقت نبأ إعتقال موكلها محمد آدم أرباب، الشهير بتوباك، داخل مبنى سفارة السودان بطرابلس وإحتجازه بالقوة ، ثم تسليمه إلى السلطات الليبية، وأوضحت هيئة الدفاع في بيان لها إطلع عليه سودانس ريبورتس إن (توباك) سبق وإن قدم طلب لجوء في نوفمبر 2024م لدى مكتب المفوض الشسامي لشئون اللاجئين لذا فهو تحت الحماية الدولية وطبقاً لذلك لايحق لإي جهة القبض عليه أو ترحيله قسرياً إلى السودان، وأعتبر البيان ماقامت به السفارة السودانية بطرابلس إنتهاك للقانون الدولي وإنتهاك لحق مواطن سوداني قدم طلب لجوء للمفوضية السامية لشئون اللاجئين،بحسب نص المادة (1/9) من إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة في ابريل 1961م والتي تقراء (لكل فرد حق في الحرية، والأمان على شخصه ،ولايجوز توقيف أحد أو إعتقاله تعسفياً).
الإعتقال التعسفي والاختفاء القسري:
ومن جهته قال المحامي والمدافع عن حقوق الأنسان الدكتور زهير عبد الله إمام في حديث له مع (مدنية نيوز) إن المعطيات المتداولة في وسائل الإعلام وتقارير النشطاء، فقد تم توقيف الناشط السوداني محمد آدم، المعروف بـ (توباك)، في العاصمة الليبية طرابلس بتاريخ 19 مايو 2025م، بواسطة مجموعة مسلحة وملثمة. ويُعتقد – دون تأكيد رسمي أن الجهة المنفذة للعملية مرتبطة بعناصر تابعة للسفارة السودانية هناك. وإذا ثبتت صحة هذه المعلومات وتم التحقق منها بشكل مستقل وموثوق، فإنني، وبصفتي محاميًا وباحثًا في القانون الدولي لحقوق الإنسان، أرى أن الواقعة تندرج ضمن عدة انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: التوصيف القانوني للواقعة:
إنتهاك مبدأ عدم الإعادة القسرية:
إذا كان محمد آدم يتمتع بوضع لاجئ في ليبيا، فإن أي عملية تسليم قسري له إلى السودان، سواء تمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة، تُعد انتهاكًا صريحًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية، المنصوص عليه في المادة (33) من اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، التي تحظر إعادة أي لاجئ إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر الاضطهاد أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، كما أن اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية الخاصة بالجوانب المحددة لمشكلات اللاجئين في إفريقيا لعام 1969، في مادتها الثانية (الفقرة 3)، تُحظر بشكل صريح اتخاذ أي تدابير، مثل الطرد أو الرفض على الحدود أو الإعادة، إذا كان من شأنها أن تجبر شخصًا على العودة إلى إقليم قد يتعرض فيه للخطر. وبالتالي، فإن أي إخلال بهذا المبدأ يُعد انتهاكًا مزدوجًا للالتزامات الدولية والإفريقية المتعلقة بحماية اللاجئين.
الإعتقال التعسفي والاختفاء القسري:
وأوضح إمام إذا تم توقيف محمد آدم دون سند قانوني، ودون إصدار مذكرة توقيف قضائية، أو إتاحة الفرصة له للتواصل مع محامٍ أو الطعن في قانونية احتجازه، فإن هذا الفعل، في حال ثبوته، يُعد شكلًا من أشكال الاعتقال التعسفي المحظور بموجب المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أن عزله عن العالم الخارجي وعدم الكشف عن مكان احتجازه قد يرقى إلى الاختفاء القسري، والذي يُعد جريمة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006.
إساءة استخدام الامتيازات الدبلوماسية:
ومضى زهير للقول في حال ثبوت تورط أفراد تابعين للبعثة الدبلوماسية السودانية في طرابلس في عملية التوقيف أو التسهيل لها، فإن هذا يُشكل خرقًا جسيمًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تحظر استخدام المقرات أو الامتيازات الدبلوماسية في تنفيذ أعمال أمنية أو قمعية داخل دولة الاستضافة. مثل هذا السلوك، إذا ثبت، يُهدد أسس العمل الدبلوماسي ويُعرض مرتكبيه للمساءلة القانونية.
ثانيًا: الإلتزامات القانونية للدول المعنية:
مسؤولية الدولة الليبية
تتحمل السلطات الليبية التزامًا قانونيًا دوليًا بحماية اللاجئين على أراضيها، ومنع أي انتهاكات تمس حريتهم أو سلامتهم، بما في ذلك الاختطاف أو الإعادة القسرية أو الاحتجاز غير القانوني. ويُوجب عليها التحقيق الفوري والشفاف في الواقعة حال تأكدها، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاسبة أي طرف متورط وحماية الضحية.
مسؤولية دولة السودان
وقال زهير في حال ثبوت تورط جهات رسمية سودانية في هذه الواقعة، فإن ذلك يُعد خرقًا للالتزامات الدولية للسودان، لا سيما احترام سيادة الدول، وعدم استخدام البعثات الدبلوماسية في تنفيذ ممارسات أمنية غير مشروعة. ودفع دكتور إمام بحزمة التوصيات طالب من خلالها بالإفراج الفوري وغير المشروط عن محمد ادم وضمان سلامته الجسدية والنفسية في حال تبوث إحتجازه خارج الأطر القانونية ودعا إمام الي فتح تحقيق مستقل وشفاف من قبل السلطات الليبية بالتعاون مه هيئات أممية أو منظمات دولية لتحديد ملابسات العملية والمسؤولين عنها ومطالبة المفوضية السامية للإمم المتحدة لشؤون اللاجئين لضمان الحماية القانونية للاجئي المعني، ورصد إي إنتهاكات تمس وضعه القانوني وشدد زهير علي ضرورة مخاطبة ودعوة المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية إلي رصد القضية، والتحرك لحماية النشطاء واللاجئين من إي ممارسات خارج نطاق القانون والعمل علي منع تكرار مثل هذه الإنتهاكات في المستقبل.
الخاتمة
وإختم زهير حديثه مع (مدنية نيوز) إذا ما ثبتت صحة الوقائع المتداولة، فإننا أمام حالة خطيرة تمس جوهر الحماية الدولية الممنوحة للاجئين والنشطاء السياسيين، وتشكل تهديدًا صريحًا لمبادئ سيادة القانون وكرامة الإنسان. ولا بد من التأكيد أن إفلات مثل هذه الممارسات من المحاسبة يفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات العابرة للحدود، وهو ما يقتضي تحركًا جادًا ، ومنسقًا من المجتمع الحقوقي الدولي لوضع حد لهذه التجاوزات، وضمان عدم تكرارها.