الكوليرا تحصد الأرواح في السودان
تقرير: حسين سعد
الأرقام التي نشرتها المنظمات العالمية والمحلية العاملة في الحقل الصحي، بشأن مرض الكوليرا في السودان، تكشف بوضوح حجم المعاناة التي يعيشها المدنيون في مناطق النزاع، حيث لقي المئات من المواطنيين مصرعهم جراء الكوليرا، وإصابة الآلاف منهم، والذين نجو من الإصابة بالمرض، فهم عرضة للإصابة بالكوليرا أو أمراض أخري بسبب تلوث المياه، وتدمير مؤسسات الرعاية الصحية، وتدهور صحة البيئة ووجود مخلفات الحرب في الطرقات ، وفي كثير من النزاعات المسلحة وحالات الطواري فأن عدد الضحايا الذين يلقون حتفهم جراء المرض، وسوء التغذية اللذين يسببهما النزاع ، يعتبر أكثر من عدد الضحايا المباشرين للأعمال القتالية ، معاناة المدنيين في السودان لم تكتفي، بقتلهم بالرصاص أو إعتقالهم من طرفي الحرب ، ونقص الغذاء والدواء ،فالمؤسسات الصحية والعلاجية دمرت وتعطلت الخدمات الصحية ، وهنالك الكثير من الأمراض التي كان يمكن الوقاية منها خلال فترات النزاع ، لكن إنتشار الوبائيات وعدم الوصول الي مراكز الرعاية الصحية فاقم حالة المرضي الأمر الذي يؤدي الي الوفاة وهذا ما كشفته الاحصائيات لحالات القتلي جراء الكوليرا، كما تسبب قصف المسيرات الإنتحاري لمحطات الكهرباء لإنقطاع التيار الكهربائي ، ودقت منظمة أطباء بلا حدود ناقوس الخطر في مستشفى النور لما وصل اليه الوضع الصحي للمرضى واستمرار انقطاع التيار الكهربائي.
كوارث صحية:
طالب سودانيون يمثلون قوي سياسية ونقابية وطبية وغيرها طالبوا بإعلان البلاد منطقة كوارث صحية وإستعجلوا المجتمع الدولي بتوفير الدعم العاجل لمجابهة الكوليرا التي حصدت الأرواح في العاصمة والولايات ،من جهته حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أن الهجمات على البنية التحتية للكهرباء في الخرطوم زادت من نقص المياه، مما أجبر السكان على استخدام مصادر غير آمنة، ما يعرض أكثر من مليون طفل لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه، في ظل تفشي وباء الكوليرا، وأبدت (أوتشا) قلقها البالغ إزاء الموجة الأخيرة من الهجمات على المدنيين، والبنية التحتية في السودان، إلى جانب التدهور المستمر للأوضاع الصحية جراء تفشي وباء الكوليرا في عدد من الولايات، وتتزايد المخاوف بشأن إنتشار الأوبئة في ظل الظروف الحالية التي تعاني منها البلاد، مع بداية موسم الأمطار، الذي يفاقم من حالات الإصابة بالمرض في ظل توقف نحو (80%) من المرافق الصحية في مناطق النزاع ،وحوالي (45%) من المرافق في الولايات الأخري، حيث سجلت مئات الإصابات في مستشفي الرهد بولاية شمال كردفان منها (15) حالة وفاة ،وتتزايد الحالات في كل من الفاشر ومخيم كساب للنازحين ونيالا والجنينة وسنار والضعين، وتعكس هذه الأرقام الوضع الصحي المتدهور بالسودان مع وجود مخاوف من إنتشار أمراض اخري مثل الملاريا والحميات وحمي الضنك.
الأطفال في خطر:
وفي الأثناء قالت الأمم المتحدة إن مليون طفل في ولاية الخرطوم يواجهون خطر الكوليرا، وأوضحت إنه منذ مطلع العام تم الإبلاغ عن أكثر من (7700) حالة كوليرا بما في ذلك أكثر من ألف حالة بين الأطفال دون سن الخامسة و(185) حالة وفاة بالخرطوم، وبدوره قال ممثل اليونيسف في السودان شيلدون يات إنه في كل يوم يتعرض مزيد من الأطفال لهذا التهديد المزدوج المتمثل في الكوليرا، وسوء التغذية وكلاهما يمكن الوقاية منه وعلاجه إذا إستطعنا الوصول إلي الأطفال في الوقت المناسب
تعدد الأمراض:
ويقول المواطن الطاهر سيف في حديثه مع (مدنية نيوز) ان الأمراض متنشرة بشكل واسع والعلاج غير متوفر، وأشار الي تكدس المرضي في المستشفيات العاملة في أمدرمان وتابع(بعض المرضي لايجد سرير) وناشد الطاهر الجهات الحكومية والمنظمات العالمية العاملة في الحقل الصحي بالتدخل العاجل لمحاربة الكوليرا التي قال إنها فتكت بالمواطنيين، وفي محلية كرري بأمدرمان قال المواطن أحمد محمد مع (مدنية نيوز) قال ان المواطن يواجه أمراض عديدة في ظل نقص الغذاء وعدم توفر الدواء ، وكذلك إرتفع سعر تذاكر السفر بين مدن ومحليات الخرطوم السبعة حيث قفز سعر برميل مياه الشرب إلي أسعار كبيرة، وقال المواطن جمال جبريل من السلمة في حديثه مع (مدنية نيوز) إنهم أصبحوا يحملون الدرداقة ،وعليها جركانة مياه لتعبئتها من أحد محطات المياه التي تعمل بالجازولين، وأشار إلي عدم مقدرتهم علي شراء المياه من عربة الكارو، أما حال الاحياء المجاورة للنيل الأزرق أو الأبيض بالخرطوم فقد صار النيل مصدرا لهم للحصول علي المياه، واقع الحال بالخرطوم يعاني منه المواطن بولاية الجزيرة من تدهور الوضعي الصحي وغياب العلاج بسبب تدمير المستشفيات ، وعدم وجود المياه النقية بسبب إنقطاع التيار الكهربائي ،وشهدت مواقع التواصل الإجتماعي مبادرات شعبية محلية للقري، والمدن الكبيرة للنفير والتبرع لشراء طاقة شمسية لتوفير الطاقة للحصول علي مياه الشرب النقية ، وكان وزير الصحة الاتحادي هيثم محمد إبراهيم قد أشار إلى أن الزيادة الأخيرة تُقدَّر بمتوسط حالات مابين (600) إلي (700) حالة إسبوعياً خلال الأسابيع الأربعة الماضية، وقال أن التوقعات تشير إلى انخفاض معدل الإصابات خلال الأسابيع المقبلة خاصة مع انطلاق حملة التطعيم ضد الكوليرافي عدد من المحليات خلال الايام القادمة.
تكدس للمرضى:
وفي المقابل أرجعت الدكتور أديبة إبراهيم السيد في حديثها مع (مدنية نيوز) تفشي المرض إلي إنقطاع التيار الكهربائي وعدم وجود المياه الصالحة للشرب وتدهور البيئة لوجود مخلفات الحرب الذي فاقم من الاصابة بالكوليرا وحمي الضنك مشيرة الي مستشفي النو به حوالي (450) إصابة ،ولفتت لعدم توفر العلاج بالمستشفيات لاسيما الدربات والمحاليل حيث يحتاج مريض الكوليرا الي (50) درب في اليوم وتابعت(هذا غير متوفر لذلك هنالك مضاعفات شديدة وحالات موت واسعة وسط المرضي) وناشدة السيد المنظمات لتوفير العلاج. من جهتها أكدت وزارة الصحة بولاية سنار ظهور حالات إشتباه بالكوليرا بمدينة سنار وبحسب إعلام الصحة الإتحادية ، فأن الولاية قررت تجهيز مراكز للعزل تحسباً لأ طارئ أو ظهور حالات جديدة ،وإرسال عينات لفحصها في ولاية كسلا ،وقال المدير التنفيذي لمحلية سنار الزاكي أحمد إن فرقاً من إدارة الصحة ستقوم بعمليات الرش الضبابي وتطهير وتعقيم المنازل.
توقف المستشفيات:
وتشير الإحصائيات إلي تعطيل حوالي (70%) من المستشفيات والمراكز الصحية في ولايات الخرطوم، دارفور، كردفان، وبعض أجزاء الجزيرة، سنار، النيل الأزرق، والنيل الأبيض. إضافة إلى تعطيل أكثر من (250) مستشفى في القطاعين العام والخاص، بما في ذلك (20) مستشفى مرجعي، منها مستشفى الخرطوم التعليمي، مستشفيات جراحة القلب، الأورام، والجهاز الهضمي، كما تم إتخاذ المعمل المركزي للصحة العامة (استاك) ثكنة عسكرية منذ الأسبوع الأول من الحرب، كما توقفت خدمات جراحة القلب تمامًا بعد فقدان مراكز الخرطوم الخمس، ومركز مدني لأمراض وجراحة القلب، بخسائر تُقدر بنحو (83) مليون دولار، وخروج (62)مركزًا لغسيل الكلى عن الخدمة، ونهب مخازن الإمدادات الطبية في الخرطوم والجزيرة، مما أدى إلى وفاة (4,129) مريض من مرضى غسيل الكلى و(164) مريض من مرضى زراعة كلى، أما قطاع الإمدادات الطبية والخسائر الصيدلية حيث تم نهب الصندوق القومي للإمدادات الطبية، بخسائر قُدرت بـنحو (500) مليون دولار، بما في ذلك أدوية الأمراض المزمنة واللقاحات، وتدمير ونهب مخازن أدوية ومعدات طبية في مناطق مختلفة، بما في ذلك مدني وسنار. إضافة إلى خروج أكثر من (60%) من خدمة الصيدليات والمخازن الطبية إما بسبب النهب أو التلف، وقتل أكثر من (60) من الكوادر الصحية بينهم أطباء وممرضون أثناء أداء واجبهم، فضلاً عن نزوح جماعي للكوادر الصحية وتدهور صحة البيئة الأمر الذي أدي الي تفشي أمراض الملاريا والكوليرا وحمي الضنك والإسهلات وفي المقابل أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، تضرر (70%) من مرافق المياه في (13) ولاية من أصل (18)، جراء تدمير البنية التحتية. وقالت في بيان سابق إن النزاع دمر البنية التحتية للمياه، أما واقع الحال في قطاع الكهرباء فقد تم تدمير معظم محطات توليد الكهرباء الحرارية ، وصارت خارجة من الخدمة، ومعظم المحطات التحويلية وما بها من محولات كهربائية تدمرت بفعل المسيّرات، ومعظم خطوط النقل والتوزيع أُسقطت أبراجها، ونُهبت أسلاكها خاصة أسلاك كوابل النحاس التي تم حفرها من مجاريها التحت – أرضية ومن الجدران.