كنداكات المدنية…!
بقلم: مرتضى الغالي
الحكم المدني والمدنية تعني المساواة الكاملة في المواطنة والتدافع المدني الذي تختفي فيه كل المبارزات والدعاوي الذكورية التي تجور على مكونات المجتمع وتريد أن تجعل من النساء كائنات مهيضة الجناح يتم حرمانهن من نصيبهن الأوفى لمجرد إعلاء شأن الجندرية الذكورية بغير شرائط الاستحقاق..وهذه (ثقافة اسبرطة) وليست (ثقافة أثينا).. أو هي ثقافة الحرب وتمجيد العنف وليست ثقافة الديمقراطية والمدنية والحضارة..! ومن هنا فإن نصف المجتمع (ويزيد) الذي تشكّله النساء.. وفي حالتنا هذه نعني المرأة السودانية هو النصف الذي ينبغي أن يتقدم إلي الواجهة بعد أن تقدّم صفوف الثورة عندما كانت الثورة حلماً مظنوناً ومخاضاً دامياً.. فماذا بقى حتى يتحدث الناس عن إبقاء المرأة السودانية بعيداً عن صدارة العمل..؟! ومن ذا بعد ثورة ديسمبر الذي يستطيع أن يحدد لها أين تعمل؟ وماذا تعمل؟ وأين تصلُح وأين لا تصلح ..!!
أذكر أن زملاء لنا من جنسيات أجنبية سألونا عن معنى الكناكة وعن سر كنداكات السودان اللواتي أشعلن هذه الثورة الباسلة العجيبة وأزلن بها نظام قهري مجرم باطش (غير وطني) عمل وكيلاً خانعاً مأجوراً لقوى خارجية و(مافيا عالمية) يتسلح كذباً بايديولوجية دينية ويرى نفسه (ويراه من على شاكلته) ممثلاً وحيداً لدولة الإسلام السياسي الكاذبة .. قلنا لهم دعونا نثرثر من غير انتظام ونقول إنها كنداكة ثورة سبتمبر..التي تمثّل في فجر الألفية الثالثة نسخة جديدة (منقحة ومزيدة) من حبوباتها الملكات الباسلات…هي فتاة أمها الوطنية وأبوها الثورة تستند على تاريخ حركي إبداعي نضالي تحريضي وتتأسى في جيناتها بتاريخها المجيد الممتد عبر الزمان من لدن الممالك القديمة بحضاراتها الزاهية من أماني شاخيتو وأماني ريناس والملكة شنكر وملكات كوش وحارسات الشلال اللواتي واجهن غزوات القياصر والهكسوس وحكمن أجزاء عظيمة من وادي النيل إلى ما وراء حلفا.. وهن أيضاً نساء جبال النوبة البواسل ونساء دارفور حارسات الجبراكات ونساء الشرق اللواتي جالدن الاحتلال وعرفن عصور (المدينة- الدولة) المشعة بأنوار الحضارة وهن صويحبات شغبة المرغومابية ورابحة الكنانية ومهيرة بت عبود وفارسات صناعة الحياة في الغرب والروصيرص وأم دافوق والجنينة والفاشر ونيالا وتقلي والرهد والسافل والصعيد والشرق البعيد.. وخالدة زاهر وفاطمة أحمد إبراهيم.. وهي في التاريخ القريب صاحبات الصولات والجولات في الحركة الوطنية حتى إنهن سبقن مدن أوروبا وديمقراطياتها اللامعة في الحركة النقابية والصحافية والبرلمانية..إنهن المزارعات الراعيات الراكضات خلف السعيّة وصانعات الحياة في الريف والمدينة.. وهن نجوم المجتمع المدني والكدح الأهلي..!
هذه يا أخي أول ثورة في العالم تكون النساء طلائعها ولحمتها وسداها ونسيجها..هن لسن (مشاركات مجاملة) إنما (صاحبات وجعة) ومصلحة حقيقية في الثورة والتغيير بسبب القهر والمعاناة التي صُبّت على رؤوسهن صباً من جلاوزة نظام الإنقاذ الفاشي الذي أهان المرأة (واستقصدها) واستحقرها..لقد استطاعت الكنداكات مع الشباب تحويل الثورة إلى حالة اجتماعية في كامل الأسرة وفي كل مشارب الحياة فأصبحت ثورة الجدة والحفيد،، وقد كانت بفضلهن حقاً ثورة مفاهيمية حطمت تابوهات العنصرية والطبقية والجنس واللون والعرق والحزبية الضيقة والإقليمية والجهوية المريضة، وقد أضفت الكنداكات على الثورة لمسة أخلاقية وطنية وجدانية متشبثة بالسلمية والتسامي في وجه (العنف الأطرش)..! إنها ملهمة الثبات والاستمرارية على النضال ..!
إنها ممثلة السودان في عصر المرأة العالمي الجديد..عالم المطالبة بحقوق المرأة وكينونتها وعالم الديمقراطية والحكم المدني والمواطنة المتساوية وعدالة الفرص والحظوظ المتساوية..إنهن أخوات وبنات وزوجات وأمهات وأخوات الشهداء والمصابين.. إنهن الصامدات عند البأس وعند اقتحامات البيوت وعند الضرب والسحل والدهس والرصاص الذي يلعلع فوق الرؤوس وداخل أجساد صُحبة المواكب ورفقاء النضال.. إنهن اللواتي لا يعرفن الارتداد والنكوص حين الشدة وانعدام النصير وحين ظلمة السجون وعويل المجنزرات..! إنهن اللواتي تعرّضن للموت جهرة وبإيمان عجيب.. إنهن البارعات في فنون الثورة وترانيمها وفولكلورها وزغاريدها وتواشيحها وتشكيلها وفي صناعة برامجها وأفكارها.. علاوة على إنهن لم يكن (أقل راديكالية وجسارة) في طلائع المواكب والميادين من زملائهن الشباب.. وكذلك كان شأن الكنداكات المُغتربات..! أن عالم المرآة السودانية بعد الثورة لن يكن كما كان..وسيتم على أياديهن إصلاح حال الوطن.. فهن صانعات الحاضر.. ونوارس المستقبل..!