تحرير الوقود.. رِضينا بالهم والهَم ما راضي بينا
بقلم: حيدر المكاشفي
إفادة رئيس الوزراء حمدوك حول أزمة الوقود التي وردت ضمن حواره التلفازي المبثوث الأول من أمس، وجاء فيها (البنزين والجازولين متوفران بقدر كبير جدا ومفروض تكون مافي صفوف، بيد أن هناك مشاكل إدارية وفساد وتهريب نعمل على معالجتها واضاف من غير المقبول أن تُعرض الناس للوقوف لساعات في محطات الوقود، واعدا بمعالجة أزمة الوقود والصفوف)، هذه الافادة من المرجع التنفيذي الأول حول ازمة الوقود التي ما تزال ماثلة تراوح مكانها بعد مرور وقت ليس بالقصير على تطبيق قرار رفع الدعم عنه، تؤكد ان قرار تحرير الوقود لم يحقق الهدف المرجو منه، فبالعودة لتصريحات أو بالاحرى تبريرات وزير الطاقة خيري عبد الرحمن التي ساقها دفاعا عن القرار لحظة اعلانه يتضح بجلاء فشل القرار، إذ لم يساعد القرار بزعم الوزير على توفير كافة احتياجات قطاع التعدين وقطاع الصناعات الثقيلة وقطاع الزراعة وقطاع الكهرباء من المشتقات النفطية، كما لم يزد لترا واحدا في الإنتاج كما ادعى، ليس ذلك فحسب بل زادنا الوزير مزيدا من الوعود (المضروبة) بقوله ان رفع الدعم وان كنت رحيما بالحكومة قل (ترشيد) الدعم سيقضي على أسباب التهريب وينعش التجارة الحدودية القانونية التي تساهم في زيادة موارد الدولة، فضلا عن انتفاء أسباب وجود السوق الموازي للمشتقات النفطية، وغير ذلك من مزايا تظل حتى الآن مزعومة قال الوزير أنها ستؤدي في المحصلة الى زيادة إيرادات الدولة التي ستؤدي بدورها لانخفاض تدريجي في سعر الصرف واستقراره فى السوق الموازي ما يؤدي إلى انخفاض تدريجي واستقرار في أسعار المشتقات البترولية.
غير أن اكثر زعم قيل عن مزايا رفع الدعم جعل المواطنين عامة واصحاب المركبات الخاصة والعامة يسخرون ويتضجرون منه، كان هو الادعاء بأن رفع الدعم سيغرق السوق بالمشتقات البترولية فيقضي على الندرة والصفوف ويحقق الوفرة، ولكن للأسف لم يقضي القرار على ندرة ولم يحقق وفرة، فالندرة مازالت قائمة والصفوف ممتدة رغم تحرير اسعار الوقود وارتفاعها الكبير، وكانت تلك هي المفارقة التي جعلت الناس يتندرون على رفع الدعم قائلين بلسان الحال والمقال (رضينا بالهم والهم ما راضي بينا)، ويعنون بأنهم رغم اذعانهم للقرار وقبولهم للأسعار العالية الا انهم لا يجدوا البنزين ولا الجازولين ولا الغاز، فالازمة ما تزال قائمة وكأن قرار التحرير لم يصدر ولم يفتح المجال للقطاع الخاص لاستيراد الوقود بعد ان نفضت الحكومة يدها منه، كما ان القرار لم يحقق أيا من الاهداف التي قيل انه سيحققها، بل على النقيض من ذلك فقد تمددت الازمة زمانا وتأثيرا سالبا على كل الصعد، فتأثرت بها قطاعات المواصلات والزراعة والصناعة والتعدين دعك من اصحاب المركبات الخاصة، وكان الناس في ظل هذا الوضع المأزوم يأملون ان يخرج عليهم مسؤول في الحكومة ليبشرهم بحلول جذرية ونهائية لكل أزمات السلع الاستراتيجية، اذا برئيس الوزراء يخرج عليهم بنفسه ليردد على مسامعهم ذات الموال، فيتحدث عن المشاكل الادارية والفساد والتهريب ويوعد الناس بمعالجتها، وهي ذات المشاكل التي زعموا ان قرار تحرير اسعار الوقود سيقضي عليها ضربة لازب، ولكنها للأسف عطفا على حديث رئيس الوزراء ما تزال قائمة رغم مرور وقت ليس قصير على القرار، وهذا لا دلالة له سوى أنه فشل ذريع في معالجة الازمة مما يتطلب وقفة ومراجعة شاملة لموضوع التحرير من أساسه.