الشعور القومي ومهددات الوحدة
| الركيزة |
بقلم: أيمن سنجراب
تواجه الدولة الوطنية جملة من التحديات التي تهدد الوحدة واستمرار السودان كوطن واحد موحد أرضاً وشعباً، وإذا كنا في الأمس القريب قد فقدنا جنوب السودان فاليوم خطر الانقسام يواجه كامل الدولة في اتجاهاتها المختلفة.
وقد زادت الطريقة المتبعة في عملية السلام مؤخراً من تلك المهددات، حيث اعتمدت طريقة المسارات (شرق، شمال، وسط، دارفور والمنطقتين “جنوب كردفان والنيل الأزرق”)، مما أدى إلى تصاعد الشعور بالانتماء للإطار الجغرافي الضيق وتراجع الحس القومي والنظرة للقضايا السودانية في إطار شامل بعيداً عن الإحساس بالمحاصصة والكسب الحزبي أو الجهوي.
لقد برزت دعوات تستند على أسباب بغيضة بانفصال أجزاء من السودان، على سبيل المثال الدعوات التي أطلت للمطالبة بانفصال (الشمال) وإن كانت خافتة ونارها تحت الرماد، لكنها تظل عرضة للرياح التي تنفخ السموم، وتنفذ هذه الرياح من جنبات المظالم التاريخية لسكان الشمال الجغرافي في محاولة لاستغلال التهميش الذي ظل يطالهم مع التركيز على زاوية النقد الذي يوجه لهم من قبل كثيرين من أبناء وبنات السودان باستئثارهم بالسلطة والثروة، دون رمي سهام النقد تجاه النخب التي حكمت باسم أولئك السكان، فيستغل أعداء الديمقراطية والتحول المرتجى تلك النقطة ويحولونها إلى سخط على (الوحدة) ودغدغة العواطف لدفع مواطني السودان من سكان الشمال في اتجاه المطالبة بالانفصال عن بقية السودان، وهذا ما ينشط فيه البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي حالياً.
وكما أسلفت فقد ضاعف المنهج الخاطئ المتبع في عملية صنع السلام عبر المسارات في إحياء تلك الروح الانفصالية، بجانب الهروب من مواجهة القضايا الحقيقية المتعلقة بحسن إدارة التعدد والتنوع واحترام الآخر وحقوقه وما يجمع الناس لا ما يفرقهم، ومحاولات الكسب الوقتي لا بعد النظر ووضع رؤى استراتيجية غير (ترقيعية) تحافظ على النسيج السوداني المتنوع واللوحة البديعة ذات الألوان المتعددة المتناسقة التي تعبر عن الجميع، لا محاولة فرض لون واحد على مجمل المشهد، وهو ما دفع الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، لطرح تقرير المصير للمنطقتين.
إننا في الوقت الراهن نحتاج لرؤى ثاقبة من قادة حكماء تعالج أمهات القضايا بإدراك تام وشجاعة وحسٍ قومي وحكمة بعيداً عن الانتهازية والكسب المؤقت، لنجد حلولاً شاملة لقضايا الحرب والسلام، نظام الحكم والتوزيع العادل للسلطة والثروة، علاقة الدين بالدولة، قومية أجهزة الدولة ومؤسساتها مثل المؤسسات المدنية والعسكرية، والفصل بين السلطات (القضائية والتشريعية والتنفيذية)، وغيرها من قضايا تمكّن السودانيين جميعاً من العيش مع بعضهم، مع تقوية الشعور بالانتماء للدولة السودانية الموحدة والفخر بهذا التعايش والدفاع عنه لا محاولة الفرار منه نتيجة لإقصاء وهيمنة أي طرف، ما أحوجنا اليوم قبل الغد لإدارة حوار ربما تكون هي فرصته الأخيرة وتقديم مطلوبات الوحدة المرجوة، لتكون حقيقية لا مصطنعة وطوعية لا إجبارية.
ختاماً: إذا كان تقرير المصير لشعب جنوب السودان في العام 2011م قد أُجرِيَ في ظروف غير طبيعية واستثنائية، غلب عليها التشاكس بين شريكي الحكم حينها (الحركة الشعبية لتحرير السودان والمؤتمر الوطني)، الذي يتحمل المسؤولية الكبرى في الانفصال لسياساته الاقصائية، فإن الظروف متوفرة حالياً للانقسام، حيث تعيش الدولة السودانية هشاشة غير مسبوقة نتيجة الخروج من نظام شمولي سيطر على مفاصل الدولة لمدة (30) عاماً أساء خلالها إدارة شؤون الحكم ومزق النسيج الاجتماعي وأضعف دور الدولة لصالح الحزب، بالإضافة إلى التنازع على الحكم وغياب النظرة الشاملة في الحلول عقب ثورة ديسمبر.
وبجانب ذلك يشكل ضعف الوعي الشعبي لدى الكثيرين وتعزيز الانتماء الجهوي وإمكانية استغلال ذلك من عناصر بالنظام المخلوع الذين يتربصون بالفترة الانتقالية ويعملون جاهدين لإفشال عملية التحول الديمقراطي ولا يهمهم خراب الدولة وتفتتها، يشكل كل ذلك عوامل يمكن أن تستغل لإثارة النعرات وانفصال المزيد من أجزاء الوطن، وحينها يمكن أن تكون تلك الدويلات المنفصلة عرضة للانفصال لتنقسم منها دويلات أخريات، فهلّا تحركنا سريعاً لتدارك الخطر وإدراك السودان وتعزيز دعائم العيش المشترك وإدارة الموارد بعدالة لصالح الجميع الذين يجب أن يشاركوا في حكم أنفسهم، أم ينجح المخطط وننقسم إلى عدة دويلات ؟!!.