الاختفاء القسري.. جرائم إسكات الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان (2)
الخرطوم: حسين سعد
يطرح الجزء الثاني من هذا التقرير التحديات، والفرص والفجوات التشريعية والسياسية والممارسة الرئيسية فى الوقاية والحماية من الاختفاء القسري.
وتشير ورقة أمير محمد سليمان، إلى وجود العديد من الثغرات والفجوات المهمة، التي ما تزال موجودة، فيما يتعلّق بالإطار القانوني حول الاختفاء القسري في السودان، بما في ذلك التزاماته الدولية والإقليمية، وكذلك القوانين المحلية.
وفيما يلي تستعرض (مدنية نيوز) الورقة التي قدمها المدافع الحقوقي والمحامي أمير محمد سليمان، حول (سياسات بشأن الاختفاء القسري في السودان) في الورشة التي نظمها المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، بفندق كورنثيا.
مصادقة السودان
صادق السودان على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، وتحظر هذه المعاهدات استخدام التعذيب والاعتقال التعسُّفي، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والاعتقال السرّي، وتنص – أيضاً – على الحق في الحياة والحق فى المحاكمة العادلة والحق في الاعتراف بالشخص أمام القانون.
وأوضحت الورقة أن الحقوق المنصوص عليها في الصكوك الدولية، التي تحمي الأشخاص من الاختفاء القسري، منصوص عليها في المادة 27 (3) من الدستور القومي الانتقالي للسودان لسنة 2005، وهي جزء لا يتجزأ من (وثيقة الحقوق) في الدستور الانتقالي. وقد نصّت المادة على ما يلي: (ينظّم التشريع الحقوق والحريات المنصوص عليها فى هذا القانون، ولا ينتقص من أي من هذه الحقوق)، ومع ذلك فقد لاحظت لجنة الأُمم المتحدة لحقوق الإنسان التالي: … (على الرغم من المادة 27 من الدستور القومي الانتقالي لعام 2005، لم يتم الاعتراف بالحقوق التي يحميها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولم يتم تفعيلها بالكامل في الإطار القانوني الوطني. كما أعربت اللجنة عن قلقها إزاء عدم الوضوح بشأن أسبقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على القانون المحلّي المُتعارض معه بما في ذلك القواعد المتعلقة بالأحوال الشخصية وقانون الأُسرة وقانون العقوبات، لذلك لا تزال هناك فجوة في تنفيذ هذه الصكوك الدولية، ومواءمة القانون المحلّي معها، من أجل تحقيق الإنفاذ الكامل للحقوق المنصوص عليها فيه.
الآليات الإقليمية
وذكر أمير، أنه على الرُغم من أنّ السودان لم يوقّع أو يُصادق – بعد – على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، إلّا أنّ مجلس الوزراء الانتقالي، وافق في 6 أكتوبر 2020، على المصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، أمّا فيما يتعلّق بالآليات الإقليمية للحماية من الاختفاء القسري، فإنّ السودان طرف في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، ولكنه تخلّف عن الإيفاء بالتزاماته ضمن الإطار الأفريقي.
وأردف: على الرغم، من أنّ (اتفاقية بانجول) لا تحظر الاختفاء القسري على وجه التحديد، إلّا أنّها تحتوي على العديد من المواد ذات الصلة بمنع الاختفاء القسري.
وولفتت الورقة إلى أنه بالإضافة إلى ذلك فقد اعتمدت (اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب) العديد من أدوات القانون غير الملزم (مثل المبادىء الإرشادية لجزيرة روبن، ومبادىء لواندا التوجيهية) لتوجيه ومساعدة الدول لوضع التدابير اللازمة لمنع ومعالجة انتهاكات الحقوق المرتبطة بالاختفاء القسري.
عدم محاكمة الجناة
ومضى أمير للقول: في العام 2012 قدّم السودان التقريرين الرابع والخامس إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، حول المكاسب التي تحقّقت في تعزيز وحماية حقوق الإنسان. وعند مراجعة التقريرين أعربت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، عن قلقها إزاء انتشار استخدام التعذيب في السودان، وطلبت اللجنة من الحكومة السودانية تعيين (لجنة مستقلة للتحقيق في جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري والتعذيب من قِبل الشرطة، وطالبتها بنشر نتائج التحقيق على الملأ).
وزاد: يجدر القول إنّه لم يتم – بعد – تعيين مثل هذه اللجنة، ولدى السودان – حالياً – أربعة تقارير مُتأخّرة، ولم يُقدّم أية تقارير للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب عن التقدُّم المُحرز في مجال حقوق الإنسان منذ العام 2012.
وذكرت الورقة: فيما يتعلّق بالإطار القانوني المحلّي، فإن إحدى الثغرات الخطيرة تتمثّل في أنّ القانون السوداني لا يُجرّم صراحةً الاختفاء القسري. وحتّى الآن لم تتم محاكمة الجُناة المتهمين بارتكاب جريمة الاختفاء القسري، مع وجود القليل من القوانين التى تُجرّم السلوك الذي ينتهك الحقوق المرتبطة بالاختفاء القسري.
نصوص صريحة
وتطرقت الورقة إلى التعذيب، وأشارت إلى أن السودان وقّع على اتفاقية مناهضة التعذيب في عام 1986، ولكن لم يُصادق عليها بعد، لكنّه اتّخذ خطوات نحو المصادقة على اتفاقية مناهضة التعذيب، حينما أعلن مجلس الوزراء الانتقالي في 6 أكتوبر 2020، استعداد وموافقة الحكومة السودانية على المصادقة على هذه الاتفاقية.
وأضافت الورقة: فيما يتعلّق بالتعذيب، فإنّه محظور ومجرّم بموجب عُدة قوانين في السودان، وإن لم يكن بطريقة تتّفق مع التعريف الدولي. وقد منعت وجرّمت (الوثيقة الدستورية) لعام 2019، التعذيب وقد عدّلت التطورات التشريعية الأخيرة المادة 4 من قانون الاجراءات الجنائية، فأصبح التعذيب – تعذيب المتهمين – مُحرّماً وممنوعاً بالقانون.
وتابعت: كما تمّ الاعتراف بتأثير ممارسة التعذيب جسدياً ومعنوياً للمتّهمين على العدالة. وبالرغم من أنّ المادتين 161(1) و 162 من القانون الجنائي السوداني لعام 1991، تجرّمان الاختطاف والاحتجاز، إلّا أنّ هاتين المادتين لا تحتويان على نص صريح بشأن الاختفاء القسري.
وردد أمير، مع ذلك، هناك – أيضاً – العديد من الأحكام القانونية التي تُجرّم الاحتجاز السرّي وتوفّر مستوىً مُعيّناً من الحماية للمعتقلين، ويشمل ذلك، ما جاء في المواد 77 و81 و83 من قانون الاجراءات الجنائية لعام 1991، وبالرغم من أنّ القانون يوفّر وينص على مستوى معيّن من الحماية من الاختفاء القسري، لكن يتم تجاوز هذه الضمانات – على قلّتها – بشكلٍ صارخ، في العديد من الحالات.
إلغاء الحصانات
ونبهت الورقة إلى أنه وبالإضافة إلى كل ذلك لا يزال هناك العديد من الأشخاص ضحايا جزئياً بسبب عدم وجود مساءلة ومحاسبة لمسؤولي الدولة، وهو ما يتم إدارته من خلال التشريعات المحلية، التي تحمي المسؤولين من الملاحقات القضائية القضائية، مثل قانون جهاز الأمن للعام 2010 (المادة 52 (3) وقانون القوات المسلحة لعام 2007 وقانون الشرطة لعام 2008 (المادة 45).
وقال مقدم الورقة: قد طالبت العديد من هيئات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، حكومة السودان، بإلغاء الحصانات الممنوحة للمسؤولين الحكوميين. وعموماً، قد يتمكّن الضحايا – أخيراً- من التماس الإنصاف، عن الأضرار التي عانوا منها إذا تمّ رفع هذه الحصانات.
وذكر: من الجديد وفي إطار الإصلاح القانوني أنّه في عام 2020 عدّلت الحكومة السودانية الجديدة، العديد من القوانين بما في ذلك المواد 50 – 53 من قانون الأمن الوطني للعام 2010، التي حالت في السابق دون مُقاضاة مسؤولي جهاز الأمن والمخابرات، ويُعتبر ذلك خطوة واعدة في الاتجاه الصحيح.
نقص البيانات
وقال أمير، إن واحداً من التحدّيات الرئيسية فى السودان، يتمثّل في نقص البيانات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري. إذ لا يحتفظ السودان بسجلّات رسمية للأشخاص المختفين قسريّاً، وحتّى وقتٍ قريب لم تحتفظ – حتّى – منظمات المجتمع المدني ببيانات مُفصّلة، عن جريمة الاختفاء القسري.
وزاد: في الوقت الحالي لا يُمكن الوصول إلى البيانات طويلة الأجل الخاصة بحالات الاختفاء القسري، إلّا من خلال الحالات المُبلّغ عنها إلى لجنة الأمم المتحدة وهي (فريق العمل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي). وفي تقريره لعام 2019، لاحظ فريق العمل وجود 177 حالة معلّقة، بما في ذلك حالات تتعلّق بخمس نساء.
345 حالة اختفاء قسري
وأشارت الورقة إلى أنه في السودان ومنذ بدء ولايته في عام 1980، تلقّى فريق العمل – فقط – 354 حالة اختفاء قسري من السودان، وعلى الرغم من هذه الصعوبات والتحدّيات الماثلة للعيان، فإنّ المعرفة بطبيعة الاختفاء القسري تتزايد – ببطء – بين تشكيلات المجتمع المدني، ومجموعات الضحايا، ممّا سيؤدي – حتماً- إلى توثيق أفضل لحالات الاختفاء القسري، وكتابة ورفع التقارير.
وتطرق مقدم الورقة إلى (مبادرة المفقودين) التي تمّ إنشاؤها حديثاً، حيث توفّر بيانات ومعلومات أكثر حداثة عن الاختفاء القسري، وتُظهر هذه المعلومات أنّه في شهر مارس من هذا العام (2020)، فُقد أكثر من (20) شخصاً في انتفاضة 3 يونيو.
إنكار السلطات
وشدد مقدم الورقة على أن الاختفاء القسري يشكّل جريمة تتطلّب تدخُّل الدولة، ولكن مع إنكار السلطات في العديد من الدول وجود مثل هذه الممارسة، تضعف الإرادة السياسية لمواجهة هذه الجريمة، الأمر الذى ينتُج عنه غياب اتخاذ التدابير الإيجابية اللازمة لمنعها، والتحقيق مع المسؤولين عنها ومعاقبتهم.
وقالت الورقة: إبّان حكم البشير في السودان، كانت الإرادة السياسية مُنعدمة تماماً، وقد انعكس ذلك في عدم وجود إطار قانوني مُلائم، وغياب سياسات لمنع هذه الجريمة، والحماية منها.
وفى خطوة إيجابية وافقت الحكومة الجديدة، على المُصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
مساعدة الضحايا
وتضمنت الورقة أنه بالإضافة إلى كل العقبات والصعوبات التي يواجهها الضحايا في الوصول إلى العدالة والتعويضات في السودان، لا تُوجد آليات لمساعدة أقارب الضحايا في البحث عن المختفين، كما لا توجد آليات لتقديم الخدمات النفسية والاجتماعية، أو الدعم الاقتصادي، أو أيّة أشكال أُخرى من أشكال الدعم المطلوبة، لتخفيف وطأة المعاناة لذوي الضحايا. هذا الوضع، دفع الضحايا وعائلاتهم إلى تنظيم أنفسهم للبحث عن أحبائهم، وللدفاع الجماعي عن حقوقهم المُهدرة. (يتبع)