الصراع بين السودان وأثيوبيا.. هل يهدد الانتقال الديمقراطي بعد ثورة ديسمبر؟
الخرطوم: أم سلمة العشا
جملة من التساؤلات برزت للسطح عقب النزاع الداخلي في إثيوبيا بين الحكومة الفدرالية وقادة إقليم (تقراي)، وامتداد الصراع وتحوله لما بين السودان وإثيوبيا على الحدود، وعلى رأس تلك التساؤلات (هل يهدد الصراع بين البلدين عملية الانتقال الديمقراطي في السودان بتحويل الموازين لصالح العسكريين في السلطة؟، وهل هناك إمكانية لحسم الأمور سلمياً على الحدود بين البلدين؟).
واعتادت المليشيات الإثيوبية عبور المنطقة الحدودية والتوغل داخل الأراضي السودانية مستغلة ضعف الكثافة السكانية وتساهل النظام المخلوع في حسم القضية، واعترف مسؤول محلي سابق في ولاية القضارف بأن حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، تنازلت عن مساحات شاسعة من الأراضي السودانية للمزارعين الإثيوبيين في السنوات الأولى من النظام المخلوع، عندما دخل النظام في حرب مع المعارضة المسلحة المدعومة من رئيس النظام الإريتري أسياس أفورقي، جاء التنازل وفق تسجيل منسوب للمسؤول المحلي بسبب خشية نظام البشير من استغلال المعارضة وجيش أفورقي المنطقة الحدودية كنقطة انطلاق ضد المدن السودانية الكبرى كالقضارف وكسلا وبورتسودان، وذلك (نقلاً عن موقع عربي بوست).
أصل النزاع
والفشقة هي جزء من ولاية القضارف السودانية، وتتميز بخصوبتها ووفرة المياه فيها، ويوجد بها أكثر من (600) ألف فدان صالحة للزراعة، وتعود الأزمة إلى عام 1957م، عندما بدأت إثيوبيا في السيطرة من خلال تسلل المزارعين الإثيوبيين إلى الأراضي السودانية وزراعتها، وفي عام 1993م اشتعلت الأزمة بعد سيطرة الإثيوبيين على نحو (44) كيلو متراً مربعاً من المنطقة، وتم تكوين لجان مشتركة لحل النزاع، وفي عام 2013م، توصلت لجان ترسيم الحدود المُشتركة بين البلدين إلى اتفاق قضى بإعادة أراضي الفشقة للسودان لكنه لم ينفذ، وفي نوفمبر الماضي وعند اشتعال الصراع بين الجيش الإثيوبي وحكومة إقليم تيقراي المتاخم للسودان، عزز الجيش السوداني تواجده على الحدود الشرقية، وبدأ يتحرك لاستعادة جزء من هذه الأراضي.
توترات حدودية
وارتفعت حدة التوترات الحدودية بين إثيوبيا والسودان، خلال الأسابيع الماضية، وبدأت طبول الحرب تدق بين البلدين، عقب مقتل أفراد من الجيش السوداني في هجوم للمليشيات الإثيوبية، في المقابل أعلنت القوات المسلحة السودانية أن قوة تابعة لها تعرضت في منتصف ديسمبر الجاري لكمين داخل الحدود السودانية في منطقة أبو طيور الحدودية شرق ولاية القضارف، ونتيجة لذلك حدثت خسائر في الأرواح والمعدات” دون تحديد هذه الخسائر.
سيطرة واستثمار
وقالت مصادر موثوقة لـ(مدنية نيوز) أمس، إن مسؤولين في إقليم الأمهرة الإثيوبي يسعون للسيطرة على الفشقة السودانية الأصل عبر اعتداءات متكررة لمليشيات الشفتة الإثيوبية، وأوضحت أن أولئك المسؤولين في ذلك الإقليم سيطروا على أراضٍ سودانية زراعية بغرض الاستثمار فيها. وأِشارت إلى أن الحدود معروفة وأن إثيوبيا لا تريد الاعتراف بتلك الحدود وفقا لاتفاقية 1902م، التي منح الإنجليز بموجبها كثيراً من الأراضي السودانية لاثيوبيا، وفي مايو الماضي، أعلن الجيش السوداني أن مليشيات إثيوبية مسنودة بجيش بلادها اعتدت على الأراضي السودانية مما أسفر عن مقتل ضابط وإصابة 7 جنود وفقدان آخر، إضافة لمقتل طفل وإصابة 3 مدنيين.
لجان مشتركة
وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية في تصريح سابق إن إثيوبيا والسودان اتفقا على حل قضايا الحدود عبر لجان مشتركة بشكل نهائي، وألقى السفير دينا مفتي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، باللوم على من وصفهم بأعداء إثيوبيا لمحاولة تصعيد الحادث الحدودي الأخير.
ولفت الخبير الاستراتيجي ومدير مركز الدراسات الدولية الفريق حنفي عبدالله، في حديثه لبرنامج (حديث الناس) بقناة النيل الأزرق الثلاثاء الماضي، لما وصفها بالجهود الكبيرة التي يبذلها الجيش السوداني في السيطرة على أكثر من (90٪) من منطقة الفشقة الكبرى والصغرى، وأشار إلى دخوله لأول مرة في تاريخه هذه المناطق ودحر المليشيات الإثيوبية التي اعتبرها غطاءً للجيش الفيدرالي.
استتباب أمن
وأوضح حنفي، أن المليشيات الإثيوبية استباحت تلك المنطقة من خلال سيطرتها الطويلة، ونوه إلى قيام جهات بإنشاء مصنع للزيوت مع العلم أن إثيوبيا لا تنتج المحاصيل الزيتية، فكانت تصدر إثيوبيا الزيت والسمسم، وأبان أن ما قامت به القوات المسلحة هو استعادة الأراضي السودانية، وقال: (يجب ترسيم الحدود بين البلدين)، واعتبر أن العمليات التي تشهدها الحدود السودانية الإثيوبية تعتبر عمليات أمن داخلي بصد متدخل أجنبي (مس بأمن الدولة على الصعيد الاقتصادي والإنساني والاجتماعي)، وأن انتشار القوات المسلحة السودانية في هذه المناطق التي كانت ليس لها وجود فيها يهدف لاستتباب الأمن وإعادة حقوق المزارعين السودانيين التي كانت مغتصبة من قبل المزارعين الإثيوبيين، وأشار لحديث رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بأن ما يحدث لن يعكر العلاقات بين البلدين.
سوء إدارة
ورأى حنفي، أن سوء إدارة الدولة السودانية للمناطق الحدودية منذ الاستقلال جعل منها مناطق للنزاعات، وأن فرصة الحكومة الانتقالية تكمن في تنمية هذه المناطق تنمية حقيقية من خلال إنشاء قرى نموذجية في عمق الفشقة الكبرى والصغرى وإنشاء مكاتب للزراعة الآلية بهذه المناطق، بجانب رصف الطرق وإنشاء كباري تسهل الحركة من خلال توجيه الدعم الذي يأتي من الخارج لترتيب أوضاع هذه المناطق في فترة الخريف والاستعداد للموسم الزراعي القادم، خاصة وأن هذه المناطق تعد من أخصب الأراضي الزراعية بالسودان، ويمكن استغلال العمالة الإثيوبية في هذه المناطق وبيع المحاصيل الزراعية للأمهرة.
وقال حنفي، إن عدداً كبيراً من أولئك المزارعين الإثيوبيين بعد أن انتجت تلك المنطقة إنتاجاً وفيراً أدى إلى تطور ثرواتهم دون أعباء مالية عليهم، وأصبحوا رجال أعمال بعد اكتفاء هذه المنطقة ذاتياً من المحاصيل، منشئين منافذ لتصدير المحاصيل، بجانب إنشاء مصنع للزيوت وتعبيد الطرق وتطورت مستويات الاستثمار من مزارع تقليدية إلى استخدام آليات كبيرة متطورة لإنتاج المحاصيل أو تعبيد الطرق، إضافة إلى عمل سلسلة القيمة المضافة للمحاصيل بالمنطقة من تقشير السمسم وتصنيع الزيوت.
حسابات معينة
ومن جانبه قال رئيس تحرير صحيفة (التيار) عثمان ميرغني في ذات البرنامج إن تعامل القوات المسلحة السودانية مع هذه الحرب يجيء وفق حسابات معينة بهدف ألا تتطور المعارك من حيث الانتشار في الحدود السودانية مع دولة إثيوبيا، ورأى أن دور الإعلام ينبغي أن ينحصر فقط في خط دعم الجيش السوداني.
وأشار ميرغني، إلى أن هناك تعاون بين المزارعين السودانيين والإثيوبيين من خلال استئجار الأراضي طواعية للإثيوبيين بأموال كثيرة، فتم استغلال إيجار هذه الأراضي بالتمدد في الأراضي السودانية، منتهزين عدم وجود الجيش السوداني في هذه المناطق، وأبان أن الجانب الإثيوبي قام بتعبيد ورصف هذه المنطقة بالطرق حتى يسهل التنقل فيها في فترة الخريف.
ودعا رئيس تحرير صحيفة (التيار) إلى إعادة توزيع الكتلة السكانية السودانية في تلك المناطق لحمايتها من التغول مرة أخرى، ونبه لعدم الاستثمار الأجنبي داخل الحدود وفق القاعدة الاستراتيجية العسكرية.
اتفاق على الحدود وتلكؤ
وقال الصحفي والمحلل السياسي عمار عوض، في إفادة لـ(مدنية نيوز) أمس، هناك اتفاق كامل بين السودان وإثيوبيا منذ العام 1902 على الرسم الذي تم للحدود ما بين المستعمر البريطاني وإمبراطور إثيوبيا منليك الثاني، في ذلك الوقت ولكن لم يتم ترسيم هذه الحدود على الأرض، وكل الموجود هو علامات حدودية على طول الشريط الحدودي بين السودان وإثيوبيا.
وأِشار عمار، إلى أن إثيوبيا لم يكن لديها أي ادعاء بملكية منطقة الفشقة، ولكن سيطرت عليها بوضع اليد وكان التكتيك الإثيوبي يقوم على عدم ترسيم الحدود على الأرض وكان ذلك ظاهراً منذ مفاوضات 1965م، وأيضا في المفاوضات التي تمت في العام 1972 في عهد الرئيس نميري، كذلك مضابط اجتماعات ووثائق أولية تؤكد حدود السودان، ثم في عام 2018 والعام الحالي في محاضر الاجتماعات إثيوبيا لم تتحدث عكس اتفاقية منليك مع الإنجليز عام 1902م، ولكنها كانت تتلكأ في وضع العلامات الحدودية على طول الشريط الحدودي.
وأوضح الصحفي والمحلل السياسي عمار عوض، أن الحدود السودانية الإثيوبية مثبتة على الخرط التي تركها المستعمر البريطاني وموجودة في الأمم المتحدة، في المقابل سبق للإثيوبيين الحصول على منطقة بني شنقول وهي منطقة سودانية وأهلها يتحدثون اللهجة السودانية واللغة الدارجية، وتم تتبيع المنطقة لإثيوبيا وحاليا أقيم عليها سد النهضة والسودان لم يعترض.
وتابع: كما أن الإثيوبيين من الصعب عليهم إنكار ترسيم الحدود، ولكنهم يقوموا بعمليات التلكؤ وتغيير موضع العلامات الحدودية الموجودة في الخريطة على الأرض، وقال إن رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة ذكر أن بعض السودانيين يتواطؤون في تغيير العلامات الحدودية.
وحول إمكانية دخول السودان وإثيوبيا في حرب يطول أمدها بما يمكن العسكريين في السلطة في السودان من السيطرة على مقاليد الأمور وإجهاض التحول الديمقراطي، استبعد الصحفي عمار عوض دخول إثيوبيا في حرب مع السودان بسبب الحدود في الوقت الذي تعيش فيه حربا داخلية مع إقليم تقراي وتوترات سياسية مع إقليم بني شنقول، وقال: (من الصعب أن تدخل إثيوبيا في مواجهة مع السودان).