الخميس, نوفمبر 21, 2024
مقالات

الفلول من المؤامرة إلى المجاهرة

بقلم: خالد فضل

التاريخ القريب لجماعة الإسلام السياسي يشير بوضوح إلى أن التآمر على المجتمع يعتبر من ضمن المبادئ و الركائز التي تنطلق منها دعوتهم الفاسدة المغطاة بسلوفان الإسلام، المجتمع عندهم جاهلي و علماني، و لذلك يجوز للمسلم الحركي؛ اي المنتمي لحركتهم أن يفعل كل شئ، و لهم في كل خطيئة سند فقهي يعتسفونه اعتسافاً من القرآن الكريم و أحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم)، و من يقرأ كتيب”فقه الحركة” لمؤلفه جمال سلطان، يقرأ عجباً، فليس هناك ما يعرف بالخطأ عند الأخ المسلم الحركي، لأنه عندما يرتكب الخطأ الواضح و الذي لا يحتمل اي تأويل آخر غير أنه (خطأ)، يؤجر عليه الأخ المسلم؛ إذ هو عندهم معصوم من الخطأ و ما يتبعه من حساب و عقاب، يكفي ان ينتمي الفرد لجماعتهم، فيحصل على حق الامتياز الحصري للحقيقة و الإسلام، فهم يعملون وفق موجهات(فقه الحركة) و يمارسون نصائح ميكافيلي في كتابه(الامير)، و يرفعون القرآن على أسنة الرماح، لتضليل من لديه قابلية التضليل، او أولئك الكسالى الذين يعتبرون المخ مجرد عجينة في الرأس تحميه الجمجمة من الاندلاق!
تاريخ الإسلاميين السودانيين الراهن شاهد على ما نزعمه، فقد قال عرابهم عقب اقتلاع نظام المخلوع النميري في أبريل ١٩٨٥م في الانتفاضة الشعبية العارمة آن ذاك، (انهم كانو يعملون على تقويض نظام مايو من الداخل)؛ اي انهم عندما دخلوا في المصالحة معه عام ١٩٧٧م،و تقلدو المناصب في الحكومة و مجلس الشعب و الحزب الشمولي الحاكم وقتئذ (الاتحاد الاشتراكي) لم يدخلوا بنية حسنة و صادقة من أجل بناء الوطن، و لم يندغموا في مؤسسات سلطة مايو من أجل تقويم مسارها، أو جعلها في خدمة الشعب، إنما دخلو فيها ليقوضوها من داخلها، و لكي يبنوا مؤسساتهم الموازية، تمهيدا للانقضاض التام على الحكم، و بسط هيمنتهم، و ممارسة سطوتهم بالصورة التي عاشها الشعب السوداني فعلاً لا قولاً طيلة ٣٠ سنة من حكمهم البغيض.
لو تدبر كل سوداني ذاك القول لعرف أن ما يسمى بالاسلاميين هم عبارة عن مجرمين، يشبهون السوس الذي ينخر في كل شئ يقابله حتى يحيله إلى هشيم أو هم السرطان الذي يتخفى لينهك كامل الجسد، و لكن ماذا نقول و جمهرة غير قليلة من مجموع شعبنا تلهمهم العاطفة فيتبعونها، و لا يسمحون للأمانة التي بين جنبيهم (العقل) أن يعمل، ربما كان ذلك بسبب الجهل و الأمية،و لكن مع الأسف نجد كثيراً من المتعلمين هم في الواقع أقرب للجاهلين! لو كان الناس يتدبرون لعرفوا من البداية أن هذه الفئة تضمر للشعب شراً و تسعى لتحطيم المجتمع حتى تتمكن هي وحدها من احتكار السلطة و الثروة و بسط الهيمنة و النفوذ، و قد حذر المفكر الشهيد محمود محمد طه من ذلك، و لكن لا حياة لمن تنادي، الآن هل ما تزال في الأبصار غشاوة؟.
في عهد الديمقراطية الثالثة ٨٥-١٩٨٩ واصل الإسلاميون مؤامراتهم في تقويض النظام من الداخل، إذ ليس في فقههم الحياة مع الآخرين على قدر المساواة، يجب أن يكونوا هم وحدهم ليس لهم شريك في قيادة المجتمع، لقد تسللوا لسلطة الصادق المهدي(يرحمه الله) وقت ذاك مستغلين تهاونه أو تواطؤه- سيان- فتمادوا في التآمر و جاهروا بالعداء للحرية و الديمقراطية، و سعوا بالمكشوف للعمل مع ضباط في القوات المسلحة لهدم التجربة الديمقراطية و لعل كل من عاش في تلك الفترة يسترجع الآن تلك الممارسات و الأساليب المعهودة و مقارنتها مع ما يدور في الساحة العامة في الآونة الأخيرة، إذ بدأ الإسلاميون في تطبيق ذات الخطة، مستغلين كذلك تهاون و ضعف السلطة المدنية، و التواطؤ المكشوف من المكون العسكري، فالمؤسسات العسكرية-بسلامتها- ما تزال ضيعة خالصة لمنسوبي التنظيم الإسلاموي الذميم، و لعل لغة الحديث بين ضباط تلك الأجهزة هي ذات لغة و أدبيات ما يعرف بالدجاج الإلكتروني، تراهم يستخدمون لفظة (القحاتة) في مضمار الذم، و لفظ(عمبلوك) في الإشارة لي(حمدوك) و يشيعون ما يشيعه الدجاج الإلكتروني، هذا التواطؤ المكشوف حد التقاعس عن حماية الدور الحكومية و الممتلكات العامة من تهجم الفلول، كما حدث في سنار و بورتسودان من اعتداءات على مقار لجنة إزالة التمكين، التي يرأسها الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة الانتقالي، و تم النص على تكوينها في الوثيقة الدستورية الحاكمة التي مهرها الفريق حميدتي نيابة عن المجلس العسكري!
لقد انتقل الفلول من مرحلة نسج خيوط المؤامرة، و بدأوا في مرحلة تنفيذ الخطط، و كل الاحداث و الوقائع في الآونة الاخيرة تدل على ذلك مباشرة، و قد أشار الأستاذ صالح عمار والي كسلا (المقال) إلى أن رموز و عناصر النظام المباد وسط بعض القبائل في الشرق هي التي تشعل نيران الفتنة هناك، و ان أبواب القصر الرئاسي تظل مفتوحة لقادة تلك الفتنة، فلم يلتفت الناس لحديث عمار كالعادة مثل ما لم يلتفتوا من قبل لكل تحذير، و نخشى أن يتكرر السيناريو المقيت.
إن حروب القبائل في دارفور أو الشرق، و علو صوت القبيلة في نهر النيل، و ما تم ممارسته بالفعل من أعمال حرق و تهجم و قطع للطرق و تحريض ضد أجهزة الحكم المدنية، هو كله من خطط و تآمر الفلول مع استمرار التهاون و التواطؤ فإنهم سيزدادون تطاولاً و ضراوة، بيد أن الشئ المؤكد هو أن قوى الثوار الحقيقيين لن تسمح بهذا التطاول، الموجة الثانية و الحاسمة من الثورة تتشكل الآن بقوة، دماء الشهداء لن تضيع هدراً، مسلسل الألم و العذاب الذي عاشه الشعب تحت حكم عصابة المجرمين لم تمح آثاره بعد، الوعي الآن قد أشرق، و تجار الدين قد بارت تجارتهم، و في مستقبل البناء الوطني لا مكان لمتآمر و متربص، كما أن مكان المجرمين الطبيعي هو السجون لا القصور هذه هي الحقيقة التي لن تداريها خدع و مناورات،الشباب هم من صنعوا الثورة و النساء، و لن يفرط هذا الجيل في مطالبه أبداً و صوت ماو يشق الآفاق (انحنا ناس طالعين عشان نجيب التار من تجار الدين… الكتلو الثوار).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *