الأزمة السودانية والتطورات الإقليمية والعالمية (10)
بقلم: حسين سعد
نستعرض في المحور التاسع عشر من سلسلة حلقاتنا (الأزمة السودانية والتطورات الاقليمية والعالمية) أهم الدول النفطية الإفريقية، مثل: نيجيريا وليبيا والجزائر والسودان، وتشهد هذه الدول بين الفترة والأخرى قلاقل واضطرابات أمنية جرَّاء العديد من الأسباب أهمها التهميش والفساد وغياب تنمية جهوية عادلة والصراع على الموارد، لعل أطولها عمرًا الصراع الدائر في منطقة أبيي السودانية الحدودية بين شمال وجنوب السودان ومنطقة دلتا النيجر في نيجيريا؛ حيث يزيد عمر هذين الصراعين على نصف قرن دون حل حقيقي يلوح في الأفق القريب،وقد كبَّد هذان الصراعان المزمنان آلاف الضحايا وملايين المشردين، وخسائر مالية بمئات المليارات طيلة هذه العقود. من العام 1991 إلى 2002، عرفت الجزائر عشرية دامية بين الجيش والإسلام السياسي راح ضحيتها 150.000 قتيل وقرابة نصف مليون جريح. كما عرفت ليبيا منذ ما يزيد على العقد وحتى الآن حربًا أهلية راح ضحيتها 27.871 قتيلًا وقرابة ثلاثة أرباع المليون جريح ومعاق، في شعب لا يتعدى تعداده 6.8 ملايين نسمة، وتكبدت الدولة الليبية خسائر تزيد على نصف تريليون دولار أميركي بسبب توقف إنتاج النفط في العديد من الحقول جرَّاء الاقتتال.
قمة جدة..
لاهمية القرن الافريقي بالنسبة للعالم حازت المنطقة علي نصف توصيات (قمة جدة للامن والتنمية )التي عقدت يوم السبت 16 يوليو في المملكة العربية السعودية، بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، وكل من مصر والأردن والعراق، حيت أكدت القمة على الاتفاق على التصدي لجميع الأنشطة المهددة لأمن واستقرار المنطقة والتزام أميركي بأمن الشركاء والدفاع عنهم في مواجهة التهديدات،وأكد القادة رؤيتهم المشتركة لمنطقة يسودها السلام والازدهار، وما يتطلبه ذلك من أهمية اتخاذ جميع التدابير اللازمة في سبيل حفظ أمن المنطقة واستقرارها، وتطوير سبل التعاون والتكامل بين دولها، والتصدي المشترك للتحديات التي تواجهها، والالتزام بقواعد حسن الجوار والاحترام المتبادل واحترام السيادة والسلامة الإقليمية،وجدد القادة إدانتهم القوية للإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره، وعزمهم على تعزيز الجهود الإقليمية والدولية الرامية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، ومنع التمويل والتسليح والتجنيد للجماعات الإرهابية من جميع الأفراد والكيانات، والتصدي لجميع الأنشطة المهددة لأمن المنطقة واستقرارها،وأكد القادة إدانتهم القوية للهجمات الإرهابية ضد المدنيين والأعيان المدنية ومنشآت الطاقة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وضد السفن التجارية المبحرة في ممرات التجارة الدولية الحيوية في مضيق هرمز وباب المندب، وشددوا على ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومنها قرار مجلس الأمن،كما جدد القادة دعمهم للجهود الساعية لحل الأزمة الليبية وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومنها القرارين 2570 و2571، وضرورة عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية جنباً إلى جنب في أقرب وقت، وخروج جميع المقاتلين الأجانب والمرتزقة دون إبطاء. جدد القادة دعمهم لتوحيد المؤسسات العسكرية بإشراف الأمم المتحدة. وعبر القادة عن تقديرهم لاستضافة جمهورية مصر العربية للحوار الدستوري الليبي بما يدعم العملية السياسية المدعومة من الأمم المتحدة،وبشأن السودان أكد القادة دعمهم لجهود تحقيق الاستقرار في السودان، واستكمال وإنجاح المرحلة الانتقالية، وتشجيع التوافق بين الأطراف السودانية، والحفاظ على تماسك الدولة ومؤسساتها، ومساندة السودان في مواجهة التحديات الاقتصادية،وحول سد النهضة الأثيوبي، عبر القادة عن دعمهم للأمن المائي المصري، ولحل دبلوماسي يحقق مصالح جميع الأطراف ويسهم في سلام وازدهار المنطقة، وأكد القادة علي ضرورة التوصل لاتفاق بشأن ملء وتشغيل السد في أجل زمني معقول كما نص عليه البيان الرئاسي لرئيس مجلس الامن الصادر في 15 سبتمبر 2021م ووفقا للقانون الدولي.
تنافس عالمي..
ويقول الحسين الشيخ العلوي في مقل له بعنوان (سياسات الطاقة في إفريقيا على ضوء التغيرات المتلاحقة) وجود الموارد الطبيعية بكميات كبيرة في القارة الإفريقية، إضافة إلى اكتشاف احتياطيات ضخمة من النفط والغاز في باطنها، جعل القارة محطَّ الأنظار وحلبة للتنافس الدولي خلال العقدين الأخيرين، وقد ظلَّت أسواق القارة الإفريقية، ولعقود طويلة، حكرًا على الدول الغربية التي سبق أن استعمرت دول القارة، وحتى مطلع الألفية كانت الدول الفرنكفونية منطقة نفوذ خالص لفرنسا ولشركاتها، في حين كانت بريطانيا والولايات المتحدة تتنافسان على أسواق الدول الأنجلوفونية، إلا أن دخول منافسين جدد على الساحة، جعل الصراع يحتدم، وقد زاد من حدته وجود المياه بكميات كبيرة، وخصوبة التربة الصالحة للزراعة، وكون القارة مرشحة لتكون أكبر مصدر في العالم للطاقات البديلة والنظيفة في العقود القليلة القادمة،ومع مطلع الألفية، تغلغلت الصين تدريجيًّا لتغدو في بحر عقد من الزمن الشريك التجاري والاقتصادي الأول للقارة الإفريقية بمبادلات تجارية بلغت 107 مليارات دولار في العام 2008، وقد تضاعف هذا الرقم مرة ونصفًا ليصل في العام 2021 إلى ربع تريليون دولار (وتحديدًا 254 مليار دولار)، ومع احتدام الصراع والتنافس بين فرنسا والولايات المتحدة والدول الغربية من جهة وبين الصين، تسلَّلت دول أخرى، مثل: تركيا والبرازيل والهند واليابان وروسيا، لتنتزع حصة سوقية معتبرة. الخاسر الأكبر من احتدام المنافسة على أسواق القارة السمراء هو فرنسا، العاجزة عن المحافظة على مناطق نفوذها التقليدية بالقارة. ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تتجه ثلاثة أرباع الاستثمارات العالمية إلى القارة الإفريقية خلال العقدين القادمين أما في مجال سوق الطاقة في إفريقيا، فإن المنافسة بلغت درجات عالية بين الولايات المتحدة -التي لا تزال المسيطر الأكبر- وبين كل من الصين وروسيا وفرنسا، وتقول لغة المؤشرات: إن الصراع على موارد ومصادر الطاقة في إفريقيا سينحصر في السنوات القليلة القادمة على العملاقين، الصين والولايات المتحدة، نظرًا لامتلاك هذين العملاقين كل أدوات المنافسة اللازمة، وتفتح الواجهة الأطلسية الإفريقية للسياسات الطاقية وتحديدًا مع الولايات المتحدة الأميركية ودول غرب أوروبا آفاقًا واسعة، وتتمركز الولايات المتحدة أطلسيًّا في لواندا وخليج غينيا الاستوائية وتشهد حالة تمدد بنواكشوط من خلال مشروع سفارتها وقاعدتها العسكرية في ظل حسابات جيوبوليتكية مرتبطة بتأمين المحيط الأطلسي وإمدادات الطاقة وتكريس وجودها أمام منافسيها ثم التغلغل بالمستعمرات الفرنسية. وتشكِّل الشواطئ الشرقية ميزة للقوى الآسيوية عمومًا وللأقوى منها خصوصًا (بكين، نيودلهي، طوكيو، طهران، أنقرة)، وما وجود القاعدة الصينية واليابانية بجيبوتي إلا دليل على الأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها هذه المنطقة في إستراتيجية آسيا المتعاظمة بإفريقيا، وستزداد أهمية القارة الإفريقية في السنوات القليلة القادمة بسبب تأهلها لأن تكون موطنًا لسبعين في المئة من الطاقات المتجددة في عالم الغد. (يتبع)