في (مهب الريح).. علمانية الدولة وإنصاف النساء
بقلم: لمياء الجيلي
اعلان المبادئ الذي تم توقيعه مؤخراً بين الحركة الشعبية شمال (جناح عبد العزيز الحلو) وحكومة الفترة الانتقالية يعيد المشهد السياسي بشكل عام والسلام بشكل خاص الى المسار الصحيح الذي تعثر لفترات طويلة، ولأسباب مختلفة ومصالح متضاربة. ففي الفترة السابقة شهدت الساحة السياسية شد وجذب بسبب تعنت وإصرار أطراف على رفض (علمانية الدولة)، كما كان هنالك صراع (مكتوم) فضحته بعض التصريحات والأحاديث، التي كشفت الفجوة الفكرية والإيدلوجية بين مكونات الفترة الانتقالية، كما أبانت تداخل السلطات والمهام فيما بين المؤسسات المختلفة ومدى تأثير ذلك على ملف السلام. كل ذلك جعل تنفيذ عدد من بنود ما تم من اتفاقات سلام في السابق، مرهون بالتوصل الى سلام شامل. خاصة وأن مفهوم السلام تطور ولم يعد بصورته التقليدية والتي كانت تعنى فقط اتفاق سياسي أمنى على إيقاف صوت البندقية أو تقاسم السلطة والثروة، بل أصبح السلام عملية سياسية، اقتصادية واجتماعية متكاملة، تتطلب آليات وبرامج تتفق عليها كل الأطراف، تتسم بالواقعية وتستجيب لاحتياجات أصحاب المصلحة وضحايا النزاع.
اعلان المبادئ تطرق لقضايا من صميم الأزمة السودانية منذ استقلال السودان وهي قضايا الهوية وعلاقة الدين بالدولة، وتكوين جيش قومي مهني واحد، يعمل وفق عقيدة عسكرية موحدة جديدة. كما أكد الإعلان على أهمية أن تعكس المؤسسات الأمنية التنوع والتعدد الذى يتميز به السودان، وكذلك العمل على تحقيق العدالة والإنصاف.. كل هذه القضايا وغيرها تضمنها اعلان المبادئ الذي وجد ترحيب من غالبية افراد الشعب السوداني. هذا الإعلان نزل برداً وسلاماً على قوى الثورة ألا أن هنالك فقرة أوجدت مخاوف لدي المجموعات النسوية والجماعات الحقوقية خوف الردة تجاه حقوق النساء والرجوع بقضايا النوع الى مربعات الإنقاذ والعهود الظلامية.. وترك أمور حياتهن لتفسيرات وتأويلات المدارس الدينية المختلفة، المتشددة منها وغير المًتشددة.. فقد جاء في الفقرة 4/2 “يجب أن تستند قوانين الأسرة أو قوانين الأحوال الشخصية الى الدين والعرف والمعتقدات بطريقة لا تتعارض مع الحقوق الأساسية للمرأة والطفل”. وفي رأى أن هذا النص بصورته الحالية يفتح الباب واسعاً لتأويلات قد تنتقص من الحقوق الإنسانية للنساء ومن تمتعها بالمواطنة المتساوية، كما تتناقض تماماً هذه الفقرة مع الفقرة 4/1 ومع ما أتفق عليه في اعلان المبادئ بتأسيس دولة مدنية ديمقراطية فدرالية في السودان تضمن حرية الدين والممارسات الدينية لكل الشعب السوداني وذلك بفصل الهويات الثقافية والأثنية والدينية والجهوية عن الدولة. النص في الفقرة الخاصة بفصل الدين عن الدولة علي قانون الأحوال الشخصية، والذي لا حاجة للإشارة إليه في اعلان مبادئ عامة وليس اتفاق تفصيلي، يدفع للتساؤل لماذا تمت الإشارة هنا الي قانون الأحوال الشخصية وتحديد مرجعتيه مع العلم أن قانون الأحوال الشخصية من القوانين التي بها تمييز وتقنين لكثير من العنف تجاه النساء.. إيراد هذا النص في اعلان المبادئ يفتح الباب لتساؤلات عدة هل هنالك صفقة ما (ذكورية بحتة) تحت الطاولة ولا نعرف تفاصيلها؟ أم تمت مقايضة هذا الأمر مقابل القبول بمبدأ فصل الدين عن الدولة؟ أم هل تم ذلك إرضاءً لمن يعارضون علمانية الدولة بأن يظل الفضاء الخاص يدار بواسطة علماء الدين وأن يكتفوا بسلطتهم الدينية تجاه الأسرة والنساء يفرضون ما يعتقدون وما يؤمنون به على من رضى ومن أبى، فينشأ لدولة نظامين من الحكم دولة مدنية تتحكم في الفضاء العام أو الشئون العامة ودولة دينية تتحكم في حياة المجتمع والأسرة. كما يحق لنا التساؤل لماذا لم تعترض الحركة الشعبية على إيراد هذه الفقرة بهذا النص الذي لا يتماشى مع ما ظلت تنادى به من دولة علمانية؟ هل تتفتق القوى السياسية والدينية والحركات المسلحة في إقصاء النساء والتمييز ضدهن أو قهرهن؟ ولماذا الاستعجال في إيراد نص يتحدث عن قانون الأحوال الشخصية قبل الجلوس على طاولات التفاوض؟ كثير من الأسئلة تحتاج الى إجابات، خاصة وأن للنساء تجارب سابقة (مريرة) مع النخب السياسية يمينها ويسارها ووسطها، ومع وقادة الحركات المسلحة، في عدم الإيفاء بحقوق النساء والاكتفاء بالوعود والكلام المنمق فقط، وفي البال تجربة النساء السودانيات مع الفترة الانتقالية وإقصاء النساء من طاولات التفاوض، ومن المواقع القيادية ومن المشاركة السياسية العادلة، التي تتماشى مع مشاركتهن في التغيير وما قدمن من تضحيات ومع حقهن الإنساني في المشاركة المتساوية في إدارة شئون بلادهن.
نتمنى أن نشهد جلسات تفاوض مختلفة عما سبق من مفاوضات وأن توفي الأطراف، خاصة حكومة الفترة الانتقالية بالتزامها بتنفيذ القرار الأممي 1325 والذي أكد على المشاركة المتساوية للنساء، والانخراط الكامل للنساء في جميع جهود الحفاظ على السلام والأمن وتعزيزهما. وأن نجد انفاذ كامل لمحاور القرار، وهي مشاركة المرأة مشاركة متساوية في عملية صنع القرار والعمليات السلمية، وادماج النوع الاجتماعي في التدريب على عمليات حفظ السلام. وحسب الخطة الوطنية لإنفاذ القرار 1325نتوقع أن تتم مشاركة متساوية للنساء في كل مراحل تحقيق السلام من مشاركة عادلة في طاولة المفاوضات، وفي لجان إنفاذ اتفاقيات السلام وفي مراحل تنفيذ الاتفاقيات على أرض الواقع. كما نمتنى أن تنال أجندة النساء أولوية في التفاوض وأن تراعى قضايا النوع الاجتماعي في كل القضايا المتفاوض حولها وفي تحقيق العدالة والانصاف للنساء ضحايا النزاعات. وأن يُحقق السلام الأمن والاستقرار للنساء ويحقق فرص متساوية لهن في التمتع بكل الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحق في التنمية وغيرها من الحقوق التي كفلتها الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وألا يتم حصر قضايا النساء في الأحوال الشخصية وربطُها بالأسرة والطفل، مما قد يشكل تمييز تجاههن ويتجاهل حقوق النساء خارج إطار الأسرة أو إطار الأمومة، وهي قضايا تحتاج أن تنال حظها من الاهتمام والنقاش.