الجمعة, نوفمبر 22, 2024
تقاريرسياسة

تداعيات مقتل ديبي على السودان

تحليل: مدنية نيوز

في ظروف بالغة التعقيد تعيشها القارة الإفريقية، صارت تُساقط رؤساءها المتربعين على قلبها لعقود طويلة.. خلال الأيام القليلة الماضية رحل الرئيس التشادي إدريس ديبي مقتولا بعد ثلاثين عاما قضاها في الحكم.

رحل ليؤكد حتمية أن لا خلود في حكم مهما طال، ولا دوام لسلطان، وأن السقوط هو مصير حكم الطغاة والجبابرة في خاتمة الجولة.. رحل ليترك عاصمته إنجمينا وأجيالا من التشاديين ممن ولدوا خلال فترة حكمه في حالة من التوهان، خاصة وأن تشاد من الدول التي تُحكم عبر الريموت كنترول من فرنسا.. رحل ليرسم تحديا إقليميا جديدا بالنسبة إلى السودان المتاخم للحدود التشادية من ناحيتها الشرقية.

يقع السودان من الناحية الشرقية لدولة تشاد، متاخما لولاية غرب دارفور، الأمر الذي جعل من انصهار قبائل التماس بين البلدين أمر قديم إلى حد وجود أسر نصفها بجانب دولة، وآخرها في كنف الأخرى، في الأيام التي كان البلدان ينعمان فيها بالسلام والمحبة لم يكن أحد يشعر بهذا التداخل، لكنها الحرب اللعينة.

فالعلاقات بين البلدين ممتدة، حتى الرئيس الراحل المارشال إدريس ديبي درس بالسودان، بل حتى التخطيط والاستيلاء على السلطة، كان للحركة الإسلامية بقيادة الشيخ حسن عبد الله الترابي دور كبير، وهو ما يظهر لاحقا بالعلاقة الوطيدة والتي ما تزال بين حكومة تشاد وحركة العدل والمساواة المحسوبة على الحركة الإسلاميين في السودان.

عندما بدأت حرب دارفور 2001م، كان الرئيس المارشال ديبي من أكبر الداعمين لحركات الكفاح المسلح، جميعها، وبصورة خاصة حركة العدل والمساواة كما أشرنا سابقا، الأمر الذي قاد إلى خصومات فاجرة بين نظام الخرطوم وإنجمينا، حتى توسط بينهما عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز حينها لعقد الصلح، فتح للرئيسين جوف الكعبة، وأقسم على الصلح،، وقال “الخائن الله يخونه” بحسب ما جاء على لسان الرئيس المخلوع عمر البشير آنذاك.

ورغم هذا العهد المشفوع باليمين بجوف الكعبة المشرفة في حدود العام 2007م، إلا إنهما نكثا بالعهد، وكل منهما يرمي باللائمة على الآخر..

معسكرات لاجئي دارفور بتشاد

هنالك أكثر من 12 معكسر للاجئي دارفور بشرق تشاد منذ اندلاع الحرب اللعينة مطلع الألفية الثالثة.. فما مصيرها بعد رحيل ديبي؟

هذا السؤال في غاية الأهمية حيث نجد أن سبب مغادرة هؤلاء اللاجئين لأوطانهم، كان بسبب الحرب التي تهدف تغيير السلطة الحاكمة من قبل المعارضة، والمحافظة عليها من جانب الحكومة، وهو الأمر ذاته الذي يحدث الآن بدولة تشاد، بين النظام الحاكم والمعارضين له، حتى أدى الأمر في خاتمته إلى اغتيال الرئيس ديبي الذي توهط في الحكم لثلاثين عاما، حتى ارتبط مصير الدولة بمصيره، وهو ما يجعل اللاجئين في حلقة مفرغة من الفرار الدائري من الموت.. الموت الذي صار مثل الشبح يطاردهم أحلامهم وصحوهم.

رحيل ديبي كان أمر حتمي نسبة لحتمية عدم دوام الحكم والسلطان لبشر، لكن صعود ابنه اللواء محمد كاكا، صاحب السبعة والثلاثين عاما ليحل مكان والده أشعل النيران في صدور المعارضة، حتى تلك المسالمة إذ اعتبروت أن الأمر أصبح وراثيا مخالفا لقيم الديمقراطيةمنافيا للدستور التشادي الذي ينص على تولي رئيس البرلمان السلطة في حال غياب الرئيس، لكن المجلس العسكري الانتقالي بقيادة ابن المارشال قطعا الطريق بضربة استباقية أسمتها المعارضة انقلابا عسكريا، وهددت الحركات التشادية المسلحة بدخول العاصمة وتغيير الحكم بالقوة، وهذا ما يقلق على اللاجئين السودانيين بتشاد.

سيناريو اللجوء التشادي بالسودان..!

أشرنا سابقا إلى حدود السودان المفتوحة مع جارته تشاد، وإذا استمر التصعيد بين المجلس العسكري الانتقالي بتشاد والحركات المسلحة التشادية، خاصة وأن الأول مدعوم من فرنسا، ويظهر ذلك في تغيير نبرة رئيس المجلس الحاكم بعد وصول الرئيس الفرنسي إيمامويل ماكرون لحضور مراسم تشييع ديبي، حيث قطع العسكر بادئ الأمر بتسليم السلطة خلال عام ونصف، بعد إجراء انتخابات ومصالحة وطنية تضم كل التشاديين، أما الآن فصار الحديث من المجلس عن تحديد الجهات التي يحق لها التحاور معه وتلك التي لا يحق لها، مع تأكيده على حسم أية مظاهر للتفلت.

هذا يشير بوضوح عدم نية العسكر في ترك السلطة، كعادة العسكريين في إفريقيا، وفرنسا وحدها التي جاهرت بدعمها لذلك، رغم أن النظام الغربي جميعه يدعم ذلك، لجهة أنهم غير مستعدين إلى ديمقراطية تشادية تخلق صداعا، خاصة وأن نظام ديبي يقوم بأدوار استراتيجية في للغرب في غرب إفريقيا.. فهو صاحب النصيب الأكبر من الجيش المقاتل للجماعات الإرهابية خاصة بوكو حرام بعدد خمسة آلاف جندي، بتسليح فرنسي عالي المستوى، لتصبح بذلك دولة تشاد من أكثر الجيوش حضورا في الميدان الغربي إفريقي المقاتل للإرهاب.

حضور البرهان

تأتي دلالات حضور رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مراسم تشييع المارشال ديبي لتؤكد على الدور الكبير الذي كان يلعبه إدريس ديبي في المنطقة، في المنطقة، والعلاقة الاستراتيجية بين البلدين المتجاورين كما بينا بعض طبيعتها سابقا.. وهو ما جعل النظامان الحاكمان في عهد المخلوع والمقتول يعقدان اتفاقا بإنشاء القوات السودانية التشادية المشتركة، والتي تتمثل مهمتها في تأمين الحدود بين البلدين، ومن ثم تعزيز التواصل الأمني والاقتصادي بينهما، على أن تكون رئاسة القوات متبادلة بصورة دورية بين البلدين، وهو ما لا يزال مستمرا حتى اليوم.

أمر آخر جعل البرهان يهب محلقا إلى العاصمة إنجمينا لتشييع واحد من الحلفاء الاستراتيجيين للسودان، بل تعتبر من الدول ذات المصير المشترك، وهو لتثبيت الاتفاقيات المبرمة في السابق، وربما لتأييد الانقلاب العسكري كما يحلو للمعارضة التشادية تسميته.

الملاحظ حتى هذه اللحظة لم ترفض أو تؤيد الدول الكبرى خطوة الجيش التشادي، إلا فرنسا صاحبة المصالح العظمى في تشاد التي باركت الانقلاب الوراثي، وكذلك الدول الانقلابية في إفريقيا، وعلى رأسها السودان وموريتانيا..

بصورة عامة لا يمكن التكهن بمصير الأحداث التي اعتادت إفريقيا فيها الموت والقتل والدماء بتصفيق من المتفرجين على مسرحيتنا العبثية، لكن ربما يكون لشهر رمضان المباركة نفحات تخرج القارة هذه المرة من منزلقاتها.

الشيوعي وقانون الأمن ورمضان..!

قبل شهر بدأت إرهاصات شهر رمضان بروائح الآبري التي تنفح بشذاها من البعيد، والناس بين مؤتمل بصلاح الحال في شهر الرحمة والبركة، وبين متأمل في تداعيات الأحداث المتفرقة بين صيف حارق، وكهرباء غير مستقرة، وارتفاع في أسعار السلع الأساسية، وندرة في الوقود، وصفوف الخبز، كل ذلك جعل الفريق الثاني متشائما بما سيكون عليه شهر رمضان.

جاء رمضان وفي جعبته مفاتيح الخير، حيث قلت قطوعات الكهرباء من ثماني ساعات إلى خمس ساعات فقط، رغم أن الأمر يجعل من السودان دولة تعيش في عصر ما قبل الثورة الصناعية، إلا أن المواطنين شعروا بشيء من الرضا. ولكن ظلت الأسعار في ارتفاعها الجنوني، والصراعات القبلية في دارفور ما تزال تستعر وتخبو ثم تستعر مرة أخرى أكثر ضراوة.

وفي ظل هذا الوضع جاءنا البيان التالي من الحزب الشيوعي:

ناقش المكتب السياسي في اجتماعه بتاريخ 24 ابريل 2021م مشروع قانون الامن الداخلي، واعتبر المكتب السياسي أن هذا المشروع هو حلقة جديدة من حلقات التآمر على قوى الثورة والالتفاف على اهدافها بغرض تصفية كل المكاسب التي احرزها الشعب السوداني منذ 19 ديسمبر 2018م، ورفض المكتب السياسي مشروع القانون شكلاً ومضموناً، وذلك بسبب تداخل سلطات وصلاحيات هياكل الفترة الانتقالية وخاصة المجلس السيادي الذي يسيطر عليه المكون العسكري، والذي اختطف امتياز حكم البلاد في الجزء الاول من الفترة الانتقالية، ويتضح من هذا الواقع ان مسلسل اجازة مشروعات قوانين تتنافى مع مصالح الجماهير خاصة، تلك المرتبطة بموضوعات المؤتمر الدستوري، مستخدمين في ذلك صلاحيات تشريعية وتنفيذية، والتي تتناقض ابتداءً مع نظرية الفصل بين السلطات، لأن الواقع يؤكد ان المجلسين يواصلان فرض امر واقع على الجماهير، وذلك بإجازة مشروعات القوانين الجائرة والتي ترفضها الجماهير، وصدر مشروع القانون ممهوراً باسم “المجلس التشريعي المؤقت” وهذا الجسم الغريب يظهر لأول مرة في المسرح السياسي مثل ما ظهر مجلس شركاء الفترة الانتقالية.
وبالتالي فان مشروع قانون الامن الداخلي يتعارض مع الموقف المعلن من الثوار و مع اهداف الثورة التي نادت بوجود جهاز امن يختص فقط بجمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات التنفيذية.
يقود هذا المسلسل لمحاصرة ثورة ديسمبر المكون العسكري في المجلس السيادي، ومجلس الوزراء ويلعب السيد وزير العدل نصر الدين عبد الباري دوراً اساسياً في صياغة مشروعات القوانين الرامية لإجهاض الثورة، تنفيذاً لمخططات القوى الخارجية – الدولية والاقليمية – المعادية لمصالح الشعب السوداني.
ودعا المكتب السياسي جماهير الشعب السوداني الممثلة في لجان المقاومة وتجمع المهنيين ولجان تسيير النقابات ومنظمات المجتمع المدني والقوى المطلبية وكل القوى السياسية والوطنية الحريصة على ثورة ديسمبر للوقوف صفاً واحداً لهزيمة هذا القانون الذي يعتبر خطوة تجاه اقامة الديكتاتورية، وهذا يؤكد اصرار السلطة الحالية في اقامة نظام شمولي يراعي مصالح اعداء الثورة في الداخل والخارج ويمهد الطريق لسيطرة البرجوازية الطفيلية وحلفائها .
وان هذا القانون يشكل تهديد على الحريات العامة وللحقوق الواردة في المعايير الدولية وفي وثيقة الحقوق.

رغم أن لغة البيان تعود إلى منتصف القرن الماضي، إلا أن موضوع المجلس التشريعي يجب أن يكون هو الصراع الحقيقي، فلا يُعقل أن يظل المجلسان بشقي السيادة والوزراء هما المتحكمان في مصير أمة بأكملها ويشرعان قوانينها كما فعل الترابي ومن قبله الحزب الشيوعي السوداني عندما جاء في انقلاب نميري، ومن قبلهم جميعا رؤية طلائع الحركة الوطنية منذ الأربعينات وشعارهم المعروف ..
أمة أصلها للعرب
دينها خير دين يحب

في إقصاء واضح لبقية مكونات الأمة من المسلمين غير العرب، ومن غير المسلمين أيضا.

مؤتمر باريس وعشم إبليس..!

عشم إبليس في الجنة .. مثل يضرب لمن أراد فعل أمر تم حسمه بصورة نهائية.. وعلاقة ذلك بمؤتمر باريس تتمثل في أن المشكلة ليست في مؤتمرات دولية لدعم السودانية، فهو أشبه بالتسول، المشكلة تكمن في ضرورة دراسة الشخصية السودانية، وتنفيس الاحتقان ووضع ميثاق شرف لاحترام التنوع وقوانين رادعة للفساد، وشن حرب ضروس على ظاهرة الغيرة والحسد بين منظوماتنا السياسية، ووضع عقوبات رادعة للمفسدين.

في ظل وجود هذه الأشياء يظل المؤتملين خيرا من مؤتمر باريس حالهم كعشم إبليس في الجنة .. هذا ليس تقليلا من دور المؤتمر فهو بالضرورة سوف يفتح آفاقا للبلاد على المستوى الدولي بعد غياب لأكثر من عقدين من الزمان.. لكن وجود همهمات بفساد في المؤتمر قبل انعقاده تحتاج إلى توضيح من رأس الهرم د. عبد الله حمدوك حتى لا يتسرب اليأس وينقطع الرجاء من خير في حكومته.

السودان وحرية الصحافة..!

رغم مرارة الأخبار أعلاه وتعقيدها، هناك خبر يستحق الاحتفاء وهو تقدم السودان للمرتبة 16 عالميا في حرية الصحافة، وهذا من بشريات ثورة ديسمبر المجيد.. حيث المتابع أن الفترة السابقة ظلت حرية الصحافة السودانية في حالة تراجع مستمرة،، أما الآن وبدماء الشهداء صار وضعنا في المقدمة، وربما نصل إلى المرتبة الأولى ذات فجر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *