ميثاق شرف للعمل المدني..!!
بقلم: مرتضى الغالي
يدور حالياً في بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وربما في بعض المنتديات حوار وتداول حول تنظيمات المجتمع المدني وطبيعة دورها، وهذه من المؤشرات الصحية التي تدل على الحيوية المجتمعية؛ رغم ما اشتملت عليه هذه المداولات من (خلافات موضعية ) تشير إلى تجاوزات من بعض التنظيمات المدنية، واتهامات متبادلة حول جنوح بعض منظمات المجتمع المدني عن أدوارها المقررة المعلومة التي توجب العمل في شفافية ووفق قواعد المساءلة والديمقراطية التنظيمية، والبعد الانحيازات السياسية، والالتزام بعدم خلط الأدوار باعتبار أن تنظيمات المجتمع المدني هي (الطرف الثالث) في معادلة القوى الفاعلة في الدولة وهي؛ الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني..!
ومثل هذه الحوارات لا يمكن رفضها أو تجاهلها متى ما التزمت بالجدية والموضوعية والتثاقف الحيوي والتداول العلمي حتى نصل جميعاً إلى رؤية أكثر نصاعة وضوحاً، خاصة ونحن في مرحلة مفصلية من تاريخ السودان وأوضاعه السياسية التي لا تخلو من (تحديات) ترتفع أحياناً إلى درجة (المهددات)..! كما إن أوضاعنا السياسية والاقتصادية والدستورية والقانونية في حالة من السيولة، وربما يمكن أن يكون لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على هذا الجدل الذي يدور حول ادوار الفاعلين السياسيين والأحزاب والتنظيمات السياسية من جانب، والعمل المدني والأهلي وتنظيماته من جانب أخر.. ولا بد في هذه الحالة من (الفرز الموضوعي) حتى نستطيع أن نرسي ونوطّد دولتنا المدنية التي نتطلع إليها، بعد ثورة ديسمبر (المفاهيمية) التي أطلقت السودان من أسر التنظيم الشمولي الذي جثم على صدر الوطن لثلاثة عقود، وكان السبب المباشر في كل ما نعانيه الآن من تداخل وتقاطع واشتباك بين العمل السياسي الخالص والعمل المدني الذي له مجالاته ووظائفه وأهدافه..!
وهنا لا بد من نظرة موضوعية تراعي فيها منظمات المجتمع المدني (الخيط الرفيع) الذي ينبغي أن يكون فاصلاً بين الانحراف السياسي الحزبي وبين العمل الوطني.. وهذه قضية تحتاج إلى كثير من النظر والمعالجة؛ وهي معضلة تواجه أيضاً النقابات المهنية والفئوية ..وللسودان تاريخ طويل في هذا التداخل بين المهام الوطنية والوجهة السياسية للنقابات والفئات المهنية (السندكالية)..! ولكن لتفادي التعميم يتوجّب دراسة كل حالة (على حِدة) حتى لا نخطئ في توصيف الدور الوطني الذي تقوم به هذه النقابة أو تلك، ومدى التباسه بوجهة سياسية بعينها.. وهنا تتناسل الأسئلة: هل على تنظيمات المجتمع المدني أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه نظام سياسي يعمل على حظرها وقطع الطريق عليها أو تعويق عملها ومحاولة تدجينها..؟! وهل إذا هي تصدّت لمثل هذا النظام ومخططاته تكون قد مارست عملاً سياسياً..؟ وهل بناء التحالفات والفيدراليات بين المنظمات المدنية من اجل حماية استقلاليتها وحماية مصالح قطاعات الشعب القاعدية يعني تدخلاً سياسياً غير مطلوب منها..؟! وكل هذا مما يحتاج إلي مزيد من الحوار وإلى إقامة المنتديات من الخبراء والدارسين والباحثين الذي تتسع معارفهم حول هذا الأمر أكثر مننا نحن معشر الصحفيين والإعلاميين..!
إلا أن بعض ما أثير هذه الأيام في الصحافة والمنابر حول منظمات المجتمع المدني يبدو أكثر وضوحاً وهو انعدام الممارسة الديمقراطية داخل منظمات المجتمع المدني نفسه..! فقد أثير وباستشهادات مباشرة أن هناك أفراد في قيادات بعض المنظمات والتكوينات المدنية يقومون باستغلال هذه التنظيمات من اجل مصالح خاصة، وينفردون باتخاذ القرارات بتجاهل تام لعضوية تنظيماتهم المدنية.. وهذه من المحظورات التي لا اختلاف على خطئها ومفارقتها للصواب.. حيث ينبغي أن تكون مثل هذه الممارسات التي تنافي ديمقراطية المنظمات المدنية مُدانة من الجميع وبغير تردد..! وهنا نقول إن الحالة السودانية التي نعيشها الآن بعد الثورة (ونتيجة لها) تشهد تحولات وارتباكات كبيرة داخل العديد من منظمات المجتمع المدني فقد أحدثت الثورة انتقالاً (دراماتيكياً) من حال إلى حال في العمل المدني انعكس على هذه المنظمات التي كانت تواجه قمعاً شديد الوطأة من نظام الإنقاذ الشمولي القهري الباطش؛ وعندما انهار هذا النظام الشمولي عادت هذه المنظمات إلى ممارسة عملها من جديد في ظروف مختلفة، وحاولت تكييف نفسها في المرحلة الديمقراطية الجديدة..وهنا حدثت تحوّلات أفضت إلي أن بعض الأشخاص وجدوا أنفسهم في قيادة هذه التنظيمات لسبب أو آخر..وجرى استغلال هذا الارتباك في الانفراد بالقرار من بعضهم وتعطيل مبدأ الشفافية والمساءلة، وربما اقترن ذلك ببعض الممارسات المالية (المشبوهة) بل أن بعض الاتهامات تدور حول تواطؤ بعض قيادات منظمات وتكوينات المجتمع المدني مع فلول النظام السابق الذي ثار عليه الشعب..!!
ما أحوج الساحة المدنية الآن إلى عقد مؤتمر جامع لمنظمات المجتمع المدني ينتهي إلى تعاهد على وثيقة تعاقدية وميثاق شرف (Code of Ethics) تشترك في توقيعه والالتزام به جميع منظمات المجتمع المدني، وتكون بمثابة (مصفوفة أخلاقية) مُلزمة معنوياً وعملياً.. ويُشرف على إنفاذها جسم تمثيلي أعلى للمنظمات..هذا إذا كان هذا المُقترح لا يُصادم طبيعة هذه المنظمات.. والأمر مفتوح للتداول وإثراء الحوار..!!